3

1K 111 6
                                    

ما لها المدينة خائفة هكذا، بيوتها ترتجف، وجدرانها تهتز رعب؟..
این مجد الكوفة الضائع؟..
أين هيبتها القديمة؟..
أم تراها نسيت أنها كانت العاصمة؟!
تساءل الرجل الغريب الذي كانت تحفه الألوف قبل ليلة اما الآن فهو يجوس أزقة المدينة خائفا يترقب ليس معه من يدله على الطريق....
هل تراه أخفق في مهمته انه سفير الحسين الى الكوفة عاصمة المجد الغابر أين الرجال الذين بايعوه على الثورة؟..
این كل تلك السيوف والدروع، وتلك الكلمات التي تشبه بوارق الفضاء ودوي الرعود؟!۔
كيف تحول جیش ناهز العشرين ألفا إلى فئران خائفة تختبئ مذعورة في جحور.. منقوبة في الأرض؟.
فكر أن ينادي بأعلى صوته:
«یا منصور أمت»؛ شعار الثورة..
ذکریات بدر..
علهم يلتفون حوله من جديد..
علهم يهبون لحصار قصير الظلم مرة أخرى. ولكن من تركوه في وضح النهار، کیف يعودون اليه في قلب الظلام الذين فروا في ضوء الشمس، هل يعودون في غمرة الليل؟
كان مسلم بن عقيل يسير..
ينقل خطى واهنة تداعت أمامه كل الصور المثيرة، وهو يعبر الصحراء مع دليليه.. الرمال المتموجة القاحلة حيث لا ماء.. ولاحياة.. ولا شيء، سوى الذرات الملتهبة.. الظمأ.. التيه...
مات الدليلان عطشة، اما هو فبقي يواصل سيره وحيدة. أراد أن يعود من حيث أتي.. ولكن الحسين كان يريد له المسير حتى النهاية. انه سفيره الى الكوفة.. الكوفة التي تريد إسترداد مجدها الضائع.. الكوفة التي تتلهف لرؤية علي بن ابي طالب مرة أخرى.. تنشد عدله.. رحمته.. رفقه بالفقراء والمساكين.. تريد أن تطرب على بلاغته من جديد.. تريد للمنبر المهجور أن يتدفق علأ وفصاحة.
تلك احلام الرجال الفئران تحلم في جحورها وترتجف ذعرة. الاحلام الوردية تحتاج سواعد بقوة الحديد أو أشد بأسا. «السفير» أعياه التعب.. كقائد مخذول كان يجرجر نفسه بعناء..
يحس مرارة الهزيمة.. أمام جيش وهمي. حق له أن يندهش کیف تشتت جيشه الكبير امام شائعة كاذبة!.. امام جيش سوف يصل من الشام.. جیش وهمي.. صنعه الخيال المريض.. الخيال الذي يحلم بعقل فأرة مذعورة من القط من اسمه فقط.
جلس الغريب عند باب عتيقة، وراح يلتقط أنفاسه كأنه مايزال يخترق الصحراء. يجوب الأودية.
فتحت «طوعة» - المرأة العجوز التي كانت تنتظر عودة ابنها؛ والابن ذهب يبحث عن الرجل الجائزة.
-هل لي في جرعة من الماء؟
وما أسرع أن عادت المرأة تحمل اليه الماء.. فراح يعب منه، ثم سكب الباقي على صدره. اراد ان يطفئ لهيب الصحراء في أعماقه.
قالت العجوز مستنكرة جلوسه
- ألم تشرب يا عبد الله؟!..
قم فانصرف الى اهلك.
اعتصم بالصمت..
الصمت المجهول الذي لا يريد أن يسبر غوره أحد.
- قم عافاك الله..
فانه لايجدر بك الجلوس على بابي.
- وماذا افعل.. لقد ضللت الطريق.. وليس هناك من يدلني.

رواية ألم ذلك الحُسـين ؏ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن