17

252 43 14
                                    


أبو الفضل يشق طريقه اصبح هدفه ايصال الماء إلى قلوب تتصدع عطش و تحلم بمواسم المطر.
سيف غادر آخر يهوي من وراء نخلة، فيطيح بالشمال.

سقطت الراية ومن قبلها سيف علوي..
وأبو الفضل يشق طريقه في وابل من السهام والنبال وعندما اخترق القربة سهم وانهالت المياه، فقد الفارس المقطوع الیدین حماسه في العودة الى المخيم، ودارت به القبائل كدوامة مجنونة، وهو رجل - وما هو برجل - بعمود على رأسه ففلق هامته. وانطلق صوت يبشر بالسلام القادم.

. عليك مني السلام أبا عبدالله.

وانطلقت من بين مضارب الخيام صيحات تنذر بهبوب العاصفة..
صاحت زينب ومعها نسوة وبنات:
-واضيعتنا بعدك
. قتمتم الحسين وهو ينشج:
-واضيعتنا بعدك!

أزفت ساعة الرحيل..
أجال آخر الاسبباط عينيه المتألقتين في الرمال الممتدة حتى الأفق نساء وأطفال خرجوا من بين الخيام..

العيون الحزينة تحدق بأخر الرجال..
بآخر خيوط الأمل.
هتف الحسين بأعلى صوته..
يخاطب التاريخ والانسان.

- هل من ذاب عن حرم رسول الله؟
هل من موحد يخاف الله فينا؟

وامتزجت صرخته بعویل وبكاء..
وانغمست بالدموع.. بالدماء.
نهض فتى طوح به المرض..
نهض يجرجر نفسه وسيفه..
يتوكأ على عصا.. فتى ادخره أبوه ليوم آخر.

هتف الحسين بأخته:
- احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد!

كأسراب الغربان طاف الحزن بين الخيام..
جثم على القلوب المقهورة، وراح ينعق بصوت ينذر باقتراب الكارثة.

وقف الحسين للوداع.. وداع الأرض..
الشمس تغمر الرمال باللهب، والفرات يجري.. يمعن في الفرار..
والقبائل مجنونة بثازات قديمة..
والريح تدور.. تعدو بعيدة.. مسكونة بالرحيل.. مبهورة بالسفر..

والحسين يرتدي حلة العروج على رأسه عامة موردة، ملتحف ببردة النبي.. متقلد سیفه.

القبائل تجن لمنظره..
تشتعل في اعماقها شهوة الثأر.
تبرق عيونها للأسلاب العظيمة.

طلب الحسين ثيابا لايرغب بها أحد، ليضعها تحت حلته. فقدموا له سروالا قصير فأبعده بطرف سيفه.

- انه من لباس الذلة.
اختار ثوب قديمة، فخرقه بسيفه، ولبسه تحت ثيابه.
القبائل تتحفز لقتل آخر الاسباط..
والسبط يودع الاطفال والنساء
احتضن طفله الرضيع، وراح يقبله متمت بحسرة:
- بعدة لهؤلاء القوم اذا كان جدك المصطفى خصمهم.
الشفتان الصغيرتان تبحثان عن قطرة ماء.. والفرات يموج بالمياه يتلوى وسط الصحراء حية تسعى تقدم الحسين يحمل طفله الظامئ

- ألا قطرة ماء؟
وينطلق سهم غادر يحمل في نصله الذبح.
الطفل يخرج يده الصغيرة من القباط. ما تزال يده محمدودة.. تستفهم التاريخ والانسان.
الدماء الشقافة تغمر صدر الحسين.. الأب يلا كله من النافورة الحمراء ثم يطوح بها في السماء. رشاش الدم يصعد إلى الفضاء.. يخترق الحجب البعيدة.. يخرق قوانين الأرض.

همس الحسين:
- هون ما نزل بي انه بعين الله، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا اشبه الناس برسولك محمد.
طيف ملائكي يخطف أمامه..
يحمل في جناحيه عبير الفردوس
- دعه یا حسين فإن له مرضعة في الجنة.

مثل عاصفة غاضبة هب الحسين بيق بسيفه القبائل تساءل النخيل وهو يهز سعفاته بإجلال عن رجل وحيد يقاتل الآلاف.

أنا الحسين بن علي
اليت الا انثي

صرخ ابن سعد وهو يرئ احلامه تتبدد:

هذا ابن الانزع البطين.
هذا ابن قتال العرب.
احملوا عليه من كل جانب.
فاطبقت عليه القبائل، وأمته آلاف السهام، وحالت بينه وبين الخيام.

هتف آخر الأسباط:
- يا شيعة آل أبي سفيان!!
إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم، وارجعوا الى احسابكم إن کنتم عربأ كما تزعمون.

صاح الأبرص: - ما تقول يابن فاطمة؟
- انا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي مادمت حيا.

- لك ذلك.
وقصدته القبائل.. الحسين الظامئ يدفع أمواج الغدر.. يقاتل يقاوم.. يحصد رؤوس الذين كفروا. شعر بعطش شديد.. والفرات محاصر بأربعة آلاف أو يزيدون... الفرات تنثال مياهه على الشطآن ترتاده دوات الارض... وآخر الاسباط ينشد غرفة واحدة.

الزوبعة تتجه نحو النهر..
تجتث في طريقها اشباه الرجال.
قال ابن يغوث -
وكان مع القبائل:

مارأیت مکثورة قط قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه اربط جأشأ منه ولا امضئ جنانا ولا أجرأ مقدمة.. ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها، ولم يثبت
له أحد.

رواية ألم ذلك الحُسـين ؏ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن