19

242 45 6
                                    


استعدادا للرحيل:
- هكذا ألق الله.. وجدي رسول الله.

وأعياه نزف الدم، فهو على الأرض کنجم منطقي تقدم «ابن النسر» اليه وعيناه تبرقان حقدة، فضربه بالسيف على رأسه.
تمتم الحسين متألماً
: - لا أكلت بيمينك ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين.

وأحاطت به القبائل کلاب مسعورة.. تنهش جسده.
همس الحسين: - هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقا.. .

ضربه «زرعة» على كتفه الأيسر، ورماه «ابن نمير» في حلقه وطعنه «سنان» في ترقوته، ثم في صدره، ورماه بسهم في نحره. 💔

الكلاب تنهش جسده.. وكان أشدها الأبقع....
العينان الواهنتان فيها بقايا ألق.. يوشك على الرحيل.. الحسين يرفع طرفه نحو السماء:

- اللهم متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قریب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب اذا دعيت، محیط بما خلقت، ادعوك محتاجاً وارغب اليك فقيرا، صبرأ على قضائك يارب لا إله سواك.

الحسين ينوء بنفسه.
الروح تتسرب من أفواه الجراح..
تغوص في الرمال..
تبتها اسرار توقظ فيها مدن ثائرة.

ماذا يفعل الفرس؟ لم يدور حوله؟
يلطخ ناصيته بدمه.. يشمه.. يصهل بغضب.. ينادي: الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها.

صرخ ابن سعد بالقبائل:
- دونكم الفرس فإنه من جياد خیل رسول الله. فدارت به الخيل.. اخذت عليه الطرق.
الفرس يقاتل.. يقاوم.. يتحول الى بركان. وانبهر قائد القبائل:

دعوه لننظر ما يصنع..
انطلق الفرس نحو مضارب القافلة، وهو يصهل عالية - الظليمة.. الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها... هبت نسوة واطفال.. لقد وقعت الواقعة. صرخت زینب:

دوا محمداه.. وا أبتاه.. واعلياه.. وا جعفراه.. وا حمزتاه هذا حسين بالعراء.. صريع بکربلا.. ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل...
عندما وصلت زینب، كان الحسين يوشك على الرحيل.. يودع
الصحراء، بعد أن رؤاها بدمه.

القبائل مفتونة.. تدور حول آخر الاسباط..
وقد زلزلت الارض زلزالها ماذا بوسع زینب أن تفعل الحسين يجود بنفسه.. لقد تمزق جسده.. وما تزال الروح هي هي.. شديدة البأس.

زینب تحاول ايقاظ بقايا الانسان في زعيم القبائل.. هتفت بلوعة:
-اي عمر!
أيقتل أبو عبدالله وانت تنظر اليه !!
لقد مات الانسان في داخله..
أهاب بالقبائل لإسدال الفصل الأخير:
- انزلوا اليه وأريحوه.
صرخت زینب: - اما فیکم مسلم؟!
  ولا من جواب.
لقد مات الانسان في عصر الذئاب والليل والعواء
- انزلوا اليه وأريحوه.
كان الأبرص ينتظر الإشارة بلهفة.
المعت عيناه بوحشية، وهو يرفس جسد الحسين الممزق.. جلس على صدره.
الابن ينهش جسد السبط.. يقبض على شيبته.. ويهوي بسيف غادر على رأسه.
ينفصل الرأس عن الجسد.. القبائل تموج مأخوذة مهول مايجري

فوق الرمال...
الجسد ساکن بلا حراك.
الكلاب تنهش.. تنهش الجسد الدامي.
ويرتفع رأس ابن النبي فوق رمح طويل..
يتطلع الى آخر الدنيا، ويقرأ سورة الكهف.

انطفأت الشمس.. ومطرت السماء دما عبيطة، وبدا الافق الغربي شديد الحمرة كجراح نازفة.

وعصفت القبائل المسعورة بالخيام.. فأشعلت فيها النار وفرت النسوة والأطفال.. هاموا على وجهوهم في الرمال.

وانبرت عشرة خيول مجنونة.. خيول اعتادت السلب والنهب والغارات.. تعودت سحق ورود البنفسج وبقر بطون الأطفال... اهتزت الأرض تحت سنابك الخيل وهي تمزق صدر الحسين.. وفاحت من الجسد قبلات محمد والزهراء؛ ملأت الفضاء وامتزجت مع ذرات رمال الصحراء.. والتاريخ.

النار المجنونة تلتهم الخيام..
وصراخ الأطفال يملأ الدنيا..
والذئاب تعوي بقسوة...
والليل شديد الظلمة..
الريح تذرو الرمال..
تغطي الأجساد العارية بغبرة خفيفة..
والقبائل تنهب وتسلب..
والفرات يمعن في الفرار.
. ورأس الحسين فوق رمح طويل..
ينظر الى آخر الدنيا..
إلى قوافل قادمة من رحم الأيام.💔

فزت الشمس.. توارت خلف الأفق المضمخ بحمرة تانية، وأشرق القمر دامية كعين تنتحب.. القبائل ماتزال تعصف بالخيام تضرم فيها النار، والنار تمد ألسنتها كأفواه جائعة أصابها مش من الجنون، فهي تلتهم كل شيء.
الذئاب تعوي.. تفتك بحملان صغيرة خائفة... الشياطين تصارع الملائكة.

وصرخات تدوي:
- لا تدعوا منهم أحدأ صغيرة ولا كبيرة.

الذئاب تقتحم خيمة فيها فتي عليل لا يقوى على النهوض...
جرد الأبرص سیفه..
مازال متعطش للدماء..
استنكر رجل من القبائل:
- اتقتل الصبيان ؟!
انما هو صبي مريض.

رواية ألم ذلك الحُسـين ؏ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن