والحر يجوب الصحراء في مهمة كان يلعنها في اعماق نفسه.. الرمال
الممتدة الى ما لا نهاية تدعوه الى الرحيل.. الرحيل الى الشمس، وكانت الارض تشده اليها كا شدت الفأ يسيرون خلفه.
ويسمع الحر صوتا عجيبا.. صوتا قادما من وراء الرمال:
- ابشر يا حد بالجنة.
-اية جنة وانا سائر لقتال سبط النبي
الخيل تلهث.. أضير بها الظمأ.. والصحراء تلتهب.. تتوهج..
تشتعل جحيما لايطاق والحر يبشر بالجنة. وتبدو في الافق قافلة تتجه
نحو ذي حسم (الجبل الصغير).
الشمس فى كبد السماء تتشظى حمما.. تنفجر لهبا، والرمال تشتعل
جمرا، والخيل تلهث.. تهؤم عوينها نحو سراب بعيد يحسبه الظمآن ماء
وقف الحر قبال الحسين في الظهيرة العظمى.. الخيول تنظر الى
الحسين.. تشم رائحة الماء، وتحمحم.
هتف المحسين:
- اسقوهم وارشفوا الخيل...
ومرت مئات الخيول الظامئة.. تعب من الماء.. وتطفئ لهب الصحراء.
ورأى الحسين فارسا وصل متأخرا، وقد اضير به العطش، فـقال
بلغة حجازية:
- أنخ الراوية.
-...؟!
انخ الجمل.
اناخ الظامئ الجمل. ولما أراد أن يشرب، جعل الماء يسيل من
السقاء، فقال الحسين بلغة حجازية:
- أخنث السقاء.
فلم يدر الرجل ما يصنع، فعطف الحسين له السقاء حتى ارتوئ
وسق فرسه.
وساد صمت رهيب رغم حمحمة الخيل.. وكان الجميع يتساءلون
عن سر وجودهم في تلك البقعة الملتهبة من دنيا الله. وأذن «ابن مسروق» للصلاة، فقال الحسين:
- اتصلي بأصحابك.
- لا بل نصل جميعا بصلاتك.
وصل الحسين بالجموع.. وصلى خلفه الف فارس كانوا يريدون
القبض على الرجل القادم من الحجاز، وقال الحسين بعد الصلاة:
ـ نحن أهل بيت محمد أولى بالأمر من هؤلاء المدعين.. السائرين
بالجور والعدوان، فإن ابيتم آلا الكراهية لنا، والجهل بحقنا، وكان رأيكم على غير ما اتتني به كتبكم انصرفت عنكم...
تساءل الحر:
- ما ادري، ما هذه الكتب التي تذكرها؟!
فنظر الحسين الى «أبن سمعان»، فاحضر خرجين مملوءين كتبا..
رسائل بالآلاف.. كتبها الكوفيون؛ كلها تقول ان أقدم علينا ليس لنا
امام غيرك.
تمتم الحر خجلا:
-اني لست من هؤلاء.. واني أمرت ان اقدمك الكوفة على ابن
زياد.
قال صاحب الأنف الاشم:
-الموت ادنى اليك من ذلك..
القافله تريد أن تستأنف رحلتها.. سفن الصحراء ترفع مراسيها.
و«الحر» يعترض:
- انا انفذ أمر الخليفة.
- ثكلتك امك.
- اما لو غيرك من العرب يقولها لي ما تركت ذكر امه كائنا من
كان... ولكن مالي الى ذكر امك من سبيل.. فامك الزهراء البتول.
واردف الحر متوسلا:
- لتسلك طريقا وسطا.. لا يدخلك الكوفة ولا يردك الى المدينة،
حئ اكتب الى ابن زياد، فلعل الله يرزقني العافية.
كانت القافلة تسير باتجاه بوصلة القدر .. باتجاه مدينة تعيش في
رحم المستقبل.
كانا يسيران على مهل.. يسيران في طريق واحد.. طريق رسمته الاقدار
همس الحر بحزن:
- اني اذكرك الله فى نفسك. فاني اشهد لئن قائلت لتقتلن
وادرك الحسين ماتموج به اعاق «الحر».
ـ أفبالموت تخوفني؟!
سأمضي وما بالموت عار عل الفتئ
اذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
فان عشت لم اندم وان مت لم الم
كفى بك ذلا أن تعيش وترغما
وادرك الحر هدف الحسين.. الغاية التي يتحرك نحوها. ابتعد عنه..
أخذ ناحية أخرى من الطريق.. يسايره فيها من بعيد.. ولكنه شعر
بنفسه تمفو الئ الرجل السائر نحو الموت.. الرجل الذي قال من قبل:
من لحق بنا استشتهد ومن تخلف عنا لم يبلغ الفتح.