18

219 45 10
                                    


الحسين يقهر القبائل.. يحتل الفرات..
ويقحم فرسه المياه المتدفقة..
الأمواج تتلألأ في ضوء الشمس .

شعر الفرس ببرودة الماء.. حني رأسه ليشرب.. ليرتوي.
قال قاهر الفرات مخاطبة الفرس، وكان من جياد خيل النبي:

- انت عطشان وأنا عطشان فلا اشرب حتى تشرب.
رفع الجواد رأسه.. رفض أن يشرب قبل صاحبه.

مد الفارس يده ليغرف؛ ناداه رجل من القبائل: -

أتلتذ بالماء وقد هتکت حرمك..
طوح السبط بقبضة الماء وانطلق صوب الخيام.. اشرقت الوجوه الخائفة لقد عاد الأمل.
التفت حوله صبية ونساء.. تعلقت به.

الشمس تجنح نحو الغروب، والحسين يسافر مع الشمس ودع عياله  کشف لهم صفحة من عالم الغد، وقرأ عليهم سطور، من دفتر الأيام:

- استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالی حامیكم وحافظكم وسينجيكم من شر الاعداء ويجعل عاقبة أمركم الى خير ويعذب عدوكم بانواع العذاب و يعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ماينقص من قدركم.

افتقد ابنته سكينة.. لم تكن مع المودعين.. وجدها وحيدة في الخيمة وقد غلب عليها الاستغراق كانت تفكر في طريق ابيها العجيب.

صرخ رجل من القبائل وهو يحلم بعبور جثة الحسين:
- اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه.
نفثت القبائل سهاماًمسموماً النبال تخترق الخيام.. و تشك أزر النساء فرت النسوة الى داخل الخيام.. العيون تحدق بالحسين.. ماذا سیفعل آخر الأسباط؟

الفارس الذي قدم من الجزيرة على قدر..
يحدد ساعة الصفر، ويبدأ الهجوم.
التاريخ يركض مبهور الأنفاس..
يتشبث برکاب الحسين.. والحسين يسبق التاريخ.. يغوص في عوالم بعيدة.. ويبقى التاريخ يقلب كفيه حائرة وسط الرمال.

القبائل تفر مذعورة بين يديه، ووابل النبال يرشقه من كل حدب وصوب، والحسين يقهر الموت.. يحطم جدران الزمن.. يتخطى القرون.
الروح العظيمة.. تريد الانطلاق من أهاب الجسد المجرح.. الجراح المتدفقة كينابيع فوراة، تروي الرمال المتوهجة..
الفرات يمعن في الفرار.. يضين بقطرة ماء

- یا حسین! ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات؟ فلا تشرب منه

حتى تموت عطشا.
ورماه أبو الحتوف بسهم في جبينه، فانتزعه. وتدفقت الدماء من جبهته الماء.

همس الرجل الوحيد في قلب السماء: اللهم انك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللهم احصهم عددا و اقتلهم بددا، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا، ولا تغفر لهم أبدا.

ثم هتف بأعلى صوته:
يا أمة السوء بئسما خلفتم محمداً في عترته.
أما انكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله.
بل يهون عليكم ذلك عند قتلکم ایاي وأيم الله اني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

عوى ذئب من القبائل: -

، وماذا ينتقم لك منا یا ابن فاطمة؟

- يلقي بأسکم بینکم ويسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب صبا.

الجسد الواهن تتسرب منه الدماء.. دماء كثيرة صبغت صعيد الارض توقف السبط ليستريح قليلا، فرماه رجل من القبائل المسعورة
بحجر، فانبثقت الدماء من جبهته.

أراد الحسين أن يوقف نزف الدم بطرف ثوبه، فجاءه سهم محدد له ثلاث شعب انغرس السهم المثلث في قلب الحسين..
السهم يتشبث بالقلب الجبل.. أنها النهاية..
نهاية الألم.. بداية الرحيل إلى عوالم السلام.

تأوه الحسين: - بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله..

ثم رفع وجهه نحو السماء متضرعة.
- الهي انك تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الارض ابن بنت نبي غيري!

السهم يغوص في الجسد الواهن.. يخرج رؤوسه من القفا کالأفاعي .. وتنبعث الدماء غزيرة.. غزيرة. صوت يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر.

الحسين بيملأ كفيه دم عبيط ثم يطوح به نحو السماء ويهتف:
- هون ما نزل بي أنه بعين الله.

الدماء القانية الثائرة تسافر في عالم الافلاك.. تصبغ النجوم.. تلون الآفاق.
مرة أخرى، ملا الحسين كفیه دما، ثم خضب به رأسه ولحيته..

رواية ألم ذلك الحُسـين ؏ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن