"سلامة شديد" لديه تفاصيل من نوع أخر:
هي رحلة غريبة الأطوار منذ بدايتها! الكثير من المشاجرات بالمطار..الكثير من المشاجرات للعثور علي الفندق المحجوز لنا به، وأخيرا اختفاء مراد الأن..
والحق أن مراد فتي مهزوز الشخصية ضعيف البنية، وأنا لا أحب هذه النوعيات من البشر.. ولكني كنت مرغما علي اتباع توصية أمي علي كل الأحوال، والتي كانت تنص علي التالي:"بص يا سلامة، في الرحلة اللي احنا طلعنها دي أنا عايزاك تبقي مع مراد طول الوقت، أنت عارف أنه ولد طيب وغلبان، خليك معاه عشان يحس أن له ونيس في رحلة زي دي، أنا عايزة أجبر بخاطر امه "آيه" والله، انت عارف أنها قلقانة عليه دايما.."
حسنا يا أمي أنت تريدين أن تجبري بخاطر جارتنا وصديقتك "آيه" علي حسابي أنا، وماذا عن نفسي؟ لماذا اضطر أن أكون ونيسا لهذا الأبلة! كما أن مراد هذا لا يطيق وجودي أصلا فهو يراني شابا فاسدا فاشلا منعدم الأخلاق ومستقبلي يبشر بحقوق انتساب قسم جنايات! حسنا ربما هذا هو مستقبلي بالفعل!
وبينما كنا برحلتنا هنا حول بركان "باريكوتين" فقدنا طريقنا ولم نجد أحدا من حولنا! وجدنا أنفسنا بمنطقة تشبه الغابات بها الكثير من الأشجار الضخمة الشاهقة، أستمرينا نسير ونسير حتي وقع مراد في حفرة وهو يصرخ بشدة طالبا النجاة مني، ولكنه ما أن سقط واستقر بالأسفل حتي ساد الصمت المميت ولم أعد أسمع صوته، هرعت أجري حتي وصلت لمكان به أناس ومن ثم رأيت مرشدنا السياحي "كالتر" علي مقربة من مكاني فبدأت أطمئن، ولكن "كالتر" هذا كان يقف مع رجل غريب الأطوار يرتدي قبعة كبيرة جدا وشعره الطويل الكثيف منسدل من تحتها، كما أن ثيابه كانت غريبة المنظر وبها الكثير من الرقع ولكن برغم هذه الرقع فأنها ممزقة أيضا..كانوا يتبادلون حديثا قصيرا لم أفهم منه شيئا فلقد كان بلغة غريبة كما أنهما كانا علي مسافة لا بأس بها مني فلم أسمع جيدا ايضا، ومن ثم نظرا بإتجاهي! نظر كالتر لي بعينيه اللتان تشبهان عيون الصقر، بينما الرجل الأخر لم أستطع رؤية عيناه من القبعة الكبيرة، ولكن سارت رعدة غريبة في جسدي ما أن التفت لي هذا الرجل وشعرت بالخوف الممزوج بالفضول والرغبة في استكشاف هوية هذا الرجل..
وعلي الرغم من أن نظراتهما لي كانت في جزء أقل من الثانية إلا أنني شعرت أن دهرا قد مر.. انصرف الرجل بخطوات بطيئة مرعبة ولكنه اختفي وسط الأدغال بحيث لم أعد أراه بعد ثواني معدودات..بينما جاء ناحيتي "كالتر" بخطي سريعة وهو يقول لي بالأنجليزية:"أنت معنا بالفوج أليس كذلك..؟!"
أجبت بتلعثم بإنجليزية ركيكة: "نعم أنا معاكم"
قال كالتر بخبث: "وهل أبتعدت عن الفوج كثيرا هكذا بمفردك..أم كان معك أحدا ما..؟!"
وجدت أجابتي حاضرة فقلت من دون أدني ذرة تفكير: "لا..كنت بمفردي"
ابتسم لي بخبث وسخرية وهو يقول: "حسنا، اتبعني.."
وهكذا مشيت ورائه وأنا أفكر لماذا كذبت! لماذا لم أقل علي اختفاء مراد بالحفرة حتي يتم إنقاذه، ولكني شعرت أنه يجب الأنكار وخاصة بعد رؤية العجوز ذي الثياب الممزقة ونظرات كالتر الغير مريحة بالمرة..
كان هذا في تمام الرابعة عصرا، نعم مراد اختفي في وضح النهار..
جلست علي صخرة كبيرة وأنا شارد الذهن وفكرة العودة الي المكان الذي اختفي فيه مراد تراودني، وأخذتني الشجاعة مرة واحدة فقررت الذهاب بل والنزول في الحفرة! نظرت حولي بحثا عن "كالتر" حتي لا يمنعني من الأبتعاد عن الفوج فوجدته منشغلا مع هذا الطبيب الذي يدعي "نور وهاب" وابنه وهو يشرح لهم تاريخ ثورات البركان..أة هذا الفتي أيضا الذي يدعي "سراج"! سمات القتلي والسفاحين مرسومة علي ملامح وجهه بطريقة تثير الرعب والأشمئزاز! طوله الفارع وعينه الزرقاواتان وبشرته البيضاء الشاحبة شحوب الموتي..شخص أقرب الي الدراكولات منه الي البشر!
كنت أخاف أيضا أن ينفضح امري امام سراج هذا الذي يدرك كل شئ ما أن ينظر في عيني المرء، فأنه يتمتع بذكاء حاد..
وهكذا تأكدت من انشغال كالتر وكذلك سراج هذا وانطلقت أعدو حتي وصلت لمنطقة الأشجار الكثيفة مجددا..وصلت الي مكان الحفرة لأندهش كل الأندهاش..فهذه الحفرة لم يكن لها أي أثر!!
نعم أنا متأكد أن هذا مكان الحفرة ولكنها ليست موجودة..وقفت مكتوف اليدين بضعة دقائق وأنا لا أدري ماذا أفعل، حتي لمحت الرجل ذي الثياب الممزقة قادم من بعيد ناحيتي! انطلقت أقفز من مكاني وأنا اركض ولا أنظر ورائي حتي وصلت الي مكان الفوج أمام البركان، جلست علي الأرض وأنا أحاول التقاط أنفاسي، بدأت أشعر بتأنيب الضمير..هذا الفتي الذي يدعي مراد لو حدث له شيئا فسيكون ضحية جبني في البداية، ياليتني كنت فعلت شيئا عندما وقع، وياليتكي "ياليت" تنفعين..
وبعد أن حل الظلام وكنا في تمام الثامنة والنصف هكذا، سمع الجميع صراخ "آيه" ولقد اكتشف أحد أخيرا بإختفاء مراد..
ذهبت فرقة من شرطة السياحة المكسيكية للبحث عنه وأنا كلي أمل أن يتم العثور عليه، كنت متوجسا قلقا كثير الألتفات حتي وقعت عيناي علي "سراج" الذي كان ينظر لي بنظرات لئيمة للغاية، أشحت وجهي عنه سريعا وأنا أتحاشي نظراته تلك، لقد عرف بالتأكيد أنني أعرف شيئا ما عن اختفاء مراد..
وهكذا اتخذت قرارا لا رجعة فيه! سأذهب غدا في وضح النهار للبحث عن مراد بحثا جديا ولن أرهب أي شئ حتي لو ظهر لي هذا العجوز المخيف! نعم سأذهب للبحث عنه فأنا أحمل نفسي سبب كل ما حدث ويحدث وسيحدث..
أنت تقرأ
سلسلة "ظِلاَلْ المَشْرحَة" || "!!Morgue's ShadoWs"
Gizem / Gerilim"وصلت الي غرفتي المشؤومة سريعا بعد رحلة عناء تحت الأمطار..ربما كنت أرتجف بردا لا أكثر..فكيف أرتجف خوفا؟ كيف أرتجف خوفا وأنا تلاحقني الجرائم أينما ذهبت! تمددت علي فراشي بثيابي المبللة وأنا أحاول أن أهدأ..وأخذت أفكر في كل ما مررت به في حياتي من أشياء...