تعرف أصعب شعور ممكن يمر عليك هو شنو ؟ إنك تحس بنفسك زيك زي أي جماد ، و ده بالمعنى الحرفي ما مجاز... تكون ما قادر تتحكم في أي عضو من أعضاء جسمك.. تشعر بالجوع ماتقدر تتناول لقمة وحدة لو ما في زول دخلها ليك جوة خشمك ، تقعد ساعاااات طويلة و إنت حاسي بالبرد و ماعارف تسحب البطانية الجنبك عشان تتغطى ، تكون منتظر زول يتذكرك و يمر عليك عشان يساعدك تتقلب... في لحظات زي دي بتشعر إن كنوز الدنيا كلها ماتسوى شي قصاد الصحة و لو بيدك كنت تدفع كل العندك عشان تشتري عافيتك أو على الأقل تبعد عنك شعور الوحدة.....
اليوم أول مرة أبكي بالحرقة دي ، كنت في غرفتي و راقد على ضهري زي ما أنا راقد قرابة السنة ، الصباح جا الممرض الخاص و غير لي ملابسي زي الطفل و أكلني وجبتي الصباحية وأداني علاجاتي و قال حيجيني تاني بعد تلاتة ساعات... بعد نص ساعة شميت ريحة شي بتحرق ، حركت عيوني حوليني في الغرفة لأني أصلا ما كنت بقدر أحرك غيرها ، لمحت دخان جاي من شمالي بس ماعارف مصدرو ، و شوية شوية كان الدخان بزيد و الريحة بتقوى ، و فجأة شعرت بحرارة اختلطت ببرودة المكيف ، عرفت إن في شي بيتحرق بس ماعارف هو شنو و كمان حسيت إن النار جاية علي ، لقيت نفسي بقول : يارب يارب تستر و تلطف بي يااااارب... أول مرة في حياتي أقول كلمة يارب ، و أول مرة أعرف إنو ربنا قريب كده لمن باب غرفتي اتفتح ودخل حسن الكان بزورني يوميا ، و لمن شاف النار صرخ و شال البطانية رماها عليها و جرى جاب جردل موية و طفاها.. قعد جنبي وأنفاسو عالية من الخلعة ، و قال :
- مفتاح المروحة عمل شورت و النار مسكت في الستارة ، ربنا ستر عليك يا حازم
ما رديت ، بس فجأة لقيت نفسي ببكي ، ببكي بحرقة على ضعفي و وحدتي و الحال الأنا فيهو ده....
حسن بكى معاي ، و بدون مايقول شي طلع ، ماعارفو طلع مشى وين ، وليه خلاني في أكتر لحظة أنا كنت محتاج فيها للناس حواليني...
.
.
أنا الليلة قررت قرار كنت بفكر فيهو سنين طويلة ، قررت أسيب الورشة و أشتغل في التجارة ، طول عمري و أنا ما حابي شغل الورشة ده بس دي الحاجة اللقيت نفسي بعملها غصب عني و كنت متمسك بيها باعتبارها مهنة ابوي و الورشة وارثها من أبوهو ، بس لمن فكرت لقيت إنهم هم اختارو المهنة الحبوها ، و أنا من حقي أمارس الحاجة البحبها و ما حأدفن نفسي هنا أكتر من كده ، حأشيل حبة القروش الوفرتها خلال السنة دي من الورشة و أأسس بيها عمل تجاري ، أما القروش الكسبتها من حازم و هانز ما هبشتها و لا قادر أتصرف فيها و حاسي إنها قروش حرام.. و حأخليها كده لمن أشوف ليها حل...
مرتاح جدا لقراري و أمي شجعتني ، و في الأيام الجاية دي حأسافر الخرطوم أجيب بضاعة.. ما كنت عايز أمشي هناك تاني بعد الحصل و كمان حاسي إني مفروض أكون أبعد ما يكون عن ولاء رغم إني من جواي بتقطع حتة حتة عشان ماقادر أعرف أخبارها و لا أتطمن على صحتها ....
آخر مرة مشيت كانت قبل سنة ، كنت ماشي عشان أعاقب حازم على العملو مع المسكينة عالية ، بس لقيت عقاب ربنا سبق عقابي و حصل ليهو حادث صعب شديد ، رجعت بلدي و خليتو بين الحياة و الموت ، و ماعارف الحصل عليهو شنو بعد داك بس دايما بدعي ليهو رغم العملو وبقول الله يشفيهو لو حي و يرحمو لو ميت ...