إنه النهاية!

110 15 17
                                    

لم يكن اليوم الاول لها فى هذه المدرسة لكنه كان اليوم المميز... قضت حوالى سبع سنوات فى هذه المدرسة  ولكنها لم تتعرف على احد قط!

كانت انطوائية حد اللعنة!

وحيدة تتخذ ركنًا خلال كل فسحة لتجلس فيه وحدها تأكل طعامها ثم تصعد للفصل.. تنظر لهؤلاء التلاميذ الذين تفرقوا على جماعات كل جماعة منهم اصدقاء يضحكون ويمرحون ثم تعيد نظرها للساندوتش الذي فى يديها لتأكله فى شرود مُصاحبه يأسٌ وملل..

اما اليوم فقد تملكتها شجاعة غريبة لم تعهدها قط... عزمت على ان تذهب لتجتمع مع فتيات فصلها وتبدأ الحياة الجديدة ولكنها لم تفكر فى رد الفعل فباقترابها منهن فقط سمعت الهمهمات الساخرة والقهقهات الصادرة من  افواه اكثرهن..لم تتحمل اكثر من ذلك جرت الى ذلك وألمتها نفسها كثيرًا.

جرت حيث رُكنها منذ طفولتها فظلت تبكي وتبكي حتى سمعت جرس اول حصة!

لا تعلم لمَ يضحكوا عليها؟

ولا تعلم كيف لتبدأ معهم كلامًا وتكتسب صداقتهم.. حتى ولو واحدة منهم!

انتهى اليوم كما انتهت الايام السابقة لا جديد سوى ذلك الشرخ الكبير الذى حدث فى قلبها للتو!"
          
أحس بوجع فى قلبه وأشفق عليها.. "كم هى مسكينة كم كانت رقيقة وهادئة وكان معها حق عندما خافت من تلوث العالم الخارجى على روحها النقية! .
        
ان الناس سريعون الحكم حتى دون ان يعلموا اى شئ عن من يحكمون عليه.. تبا لهؤلاء الناس!"   
       
هكذا قال لنفسه قبل ان يقلب الصفحات ليمرر تلك الفترة من حياتها فهو يريد ان يعلم عنها معلومات ولو تافهة املًا فى ان يجدها!      
               
استوقفته صورة جميلة لبحر...ظل يدقق فيها حتى علم مكان هذا الشاطئ من هذه المنارة انه على بعد قليل من هُنا!
فتح الصفحة التى تليها هذه الرسمة ليجد:

"وها انا ذا عثرت على الصديق الحقيقى.. صديق رقيق يسمع ويشعر ويُسبح... صوته جميل يُطرب من يسمعه...هنا حيث ضاع حلمى وانكسر قلبى وفقدت روحى.. هنا مع صديقى... يال حظى بهذا الصديق.."

قام سريعًا والتقط معطفه ثم ارتدى حذاءه وجرى حيث مكان البحر.. وصل ووجدها جالسة تعطي ظهرها للمارين وتنظر الى البحر فى استرخاء وخشوع. .
       
وقف ليلتقط انفاسه التى هربت منه للتو ليهدئ قليلا من نبضات قلبه التى تسارعت فور رؤيتها    
  
وقف أمامها وقال بابتسامة: اخيرًا لقد وجدتك!  
  
نظرت اليه بغضب ثم صرخت به قائلا: لا تقف حائل بينى وبينه!
نظر الى البحر من خلفه ثم اعاد نظره اليها وجلس بجوارها دون ردة فعل تُذكر!

لم يغضب او يتعصب.. لم تتصاعد الدماء الى رأسه ولم يصرخ فى وجهها ويبرحها ضربًا حيث انه لا يحب ان يصرخ عليه احد ولكنه سكت فقد اكتفى بمشاعر السعادة التى غمرته فور عثوره عليها.

نظر اليها بتدقيق فى ملامح وجهها حتى لمعت عيناه ثم نظر الى البحر وكسر الصمت قائلا: .
       
آسف لأنى قطعت شرودك فلقد علمت منذ قليل انكِ تحبين هذا البحر فقدمت سريعا لاعثر عليكِ.. لمَ لم تأتى الى الجامعة اليوم؟

نظرت اليه بدهشة وقالت: ولَم أحضر الى الجامعة اليوم! هل أخبرك أحد اننى طالبة هناك لاحضر كل يوم؟

-انتِ لستِ طالبة معنا؟ - سأل بدهشة

-لا،ولكنِ أتيت أمس لأحقق حلمى فقط... يبدو انك لم تقرأ مذكراتى جيدا!

- هل على ان اخبركِ الحقيقة اذن؟ -سأل وهو مُخفض رأسه وأكمل: -لقد تخطيت صفحات عدة لأن همى كله هو ان أجد ضالتى يا سارة!   
                                                                                                                                 -وهل وجدتها؟ -سألت بسخرية        
             
نظر اليها بنظرة عميقة ثم قال: نعم، لقد وجدتها!  
    
انفجرت ضاحكة وبطريقة مثيرة للدهشة ثم قالت :يبدو انك وقعت فى حبى اذن؟  
                               
ولكن اهدأ يا صديقى فهذا الحب مستحيل ان يكون وايضا مستحيل ان ابادلك اياه!  
                                  
-لماذا؟ -سأل بصدمة -
                                     
نظرت اليه وقالت بجدية: -ستعلم قريبا يا عزيزى!  
     
-هلا سمحتى لى بسؤال؟  
                              
-بكل سرور                
                         
-لمَ ضاع حلمك وسُلبت روحك وفقدتى قلبك فى هذا البحر؟ أقصد ماذا فعل لكِ البحر؟    
            
-انه اللعنة التى فى حياتى يا صديقى.... انه النهاية -قالت وقد اغرورقت عيناها بالدموع- 
             
-كي..      
                                     
قاطعته قائلة :اقرأها جيدا... الوداع                       
-الوداع      
                                                
قامت من جواره وظل يراقبها حتى ابتعدت قليلا ثم نظر الى البحر بضعف وقلة حيلة وقال: أخبرنى انت فيما أذيتها ولماذا كل هذا الحب؟

نظر باتجاهها فلم يجدها... نظر حوله و لكن أين هى؟

وكأنها تبخرت فى الهواء او انشقت ابتلعتها الارض... كأنها جن او ملاك و قد اختفى للتو...لم يمر وقت كافٍ يجعلها تختفى بعيدا عن مرمى عينه بهذه السرعة! 
                                                                                                زفر بضيق ثم أخذ معطغه وعاد الى منزله وهو يجر أذيال خيبة أمله خلفه.

كان حلمه أن يصبح طبيب نفسي فإنه يعشق تلك المهنة وكان يُعلم نفسه كل شئ عنها منذ الصغر لذا جذبت سارة انتباهه منذ اللحظة الأولى ولكنها لم تجذب انتباه عقله فقط بل وانتباه قلبه أيضًا.

...

وقعت فى حُبِها من رقصة!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن