غادر منزل عمه بلا هدى ، ولا مال ، ولا طعام ، ولا كلمة طيبة .
سار يخفض رأسه ليتلافى نظرات المارة ورأسه تضج بالافكار ؛ أين سيذهب ؟؟ وكيف سيعيش ؟
لقد لفظه منزل عمه ، فهل يقبل به الغرباء ؟؟أوقفته لافتة على أحد المتاجر تطلب عامل ، نظر لها بتردد لكن ليس لديه ما يخسره .
دفع الباب ودخل ليقابله فتى يكبره بعدة أعوام ، نظر له بتقزز : أى خدمة ؟؟
تفحصه جيدا لكن رامى لم يهتم وقال بتردد : عاوز اشتغل
نظر له الفتى بصدمة ، لقد ظنه سيطلب مساعدة مالية ، تجاوز صدمته ليقول بلا رحمة : تشتغل !!! انت مش شايف شكلك ؟؟ يابنى ده محل أكل عيش تقابل الزباين بوشك ده ازاى ؟؟؟
أخرج مبلغا ماليا ليحاول أن يضعه بكفه ، انتفض رامى مبتعدا وهو يصيح : أنا مش شحات .وتوجه للخارج بخطوات مهزوزة عرجاء ليستوقفه صوت انثوى : استنى .
توقف رامى بينما نظرت هى للفتى الآخر بحدة ثم قالت : تعالى عاوز تشتغل ؟
التفت لها بحماس لتقول : ادخل المخزن نضفه كويس ورص البضاعة المرمية على الأرض على الرفوف . تنفعك الشغلانة دى ؟
هز رامى رأسه بحماس : تنفع طبعا .
لم ينظر لها لكنها تساءلت : شكلك صغير طبعا مش معاك بطاقة .
هز رأسه بأسف لتتنهد : يبقى مقدرش اشغلك شغل دايم لكن ممكن تيجى مرة في الأسبوع تنضف المخزن هاديك كل مرة خمسين جنية .ابتسم رامى فهذا برأيه كرما بالغا منها ، اشارت له بإتجاه المخزن ليدخل إليه فورا ، عمل بجد ولم يكن صعبا عليه أن يستمع لهمساتها اللائمة التى توبخ بها عاملها فظ القلب .
أنهى رامى عمله لتستحسنه فورا فقد اجاده بالفعل ، أعطته ماله ليغادر بسعادة متوجها من فوره لأحد المتاجر الذى يبيع الملابس المستعملة . اشترى لنفسه سترة طويلة الأكمام بغطاء رأس ليخفى ما يمكن إخفاءه من تشوهات رقبته ووجهه ويعود للسير في الطرقات .
شعر بجوع شديد فهو لم يأكل منذ الأمس حيث اخر وجبة قدمت له بالمشفى ، توجه إلى أحد عربات الأطعمة بالشارع ليطلب وجبة ويغادر فورا .
جلس بأحد الأركان اسفل كوبرى للمشاة وتناول الطعام بصمت ودموع لم يتحكم بها ، اتخذت مجراها على وجهه رغما عنه .اكمل سيره بعد تناول الطعام وحين أنهكه التعب تكوم على نفسه تحت أحد الكبارى واستسلم للنوم ليكون تشوه وجهه هو درعه الحامى من المتطفلين والمعتدين .
ظل أياما على ذلك الحال ، يتناول ابخث الأطعمة ليحافظ على ما تبقى من جنيهات حتى موعد تنظيف المخزن لتلك الكريمة التى منحته عملا .
توقفت خطواته رغما عنه أمام أحد متاجر الخضر والفاكهة ، لقد بلغ منه الجوع مبلغه وهو يتناول وجبة واحدة يوميا .غالب نفسه وهم بالمغادرة ليستوقفه ذلك البائع الذى يرتدى جلبابا واسعا : استنى يا ولدى .
توقف رامى ينظر أرضا ليقبل الرجل يحمل كيسا جمع به بعض الفاكهة وبكفه الآخر مبلغا ماليا .
شعر رامى بيد الرجل تدخل جيبه لينتفض مبتعدا : أنا مش شحات يا عم .
قالها رامى بنبرة متألمة ليقول الرجل : ماجصديش يا ولدى .
هم بالمغادرة ليمسكه الرجل : تعا بس يا ولدى ماتبجاش حمجى إكدة .
انصاع له رامى ليجلسه فوق أحد المقاعد ويقدم له كيس الفاكهة مرة أخرى ، نظر له رامى بحدة : قلت لك أنا مش شحات .
ابتسم الرجل : خابر يا ولدى دى هدية .
رامى : معلش يا عم الحج أنا مااعرفكش علشان اخد منك هدية .
صمت لحظة هو بحاجة ماسة لهذه الثمرات فعاد يقول : ممكن اخدهم بس اشتغل قصادهم . انضف لك المحل أو اشيل لك الخضار .ابتسم الرجل لهذا الفتى الذى نادرا ما يقابل شخصا عزيز النفس بهذا القدر ليقول : وانى موافج . اكنس المحل ورش جدام الباب ميه وبعدين تنجض الفاكهة البايتة فى چمب لحالها بياخدوها بتوع العصير وتفتح كراتين چديدة ترصها . ها تجدر تعمل كل ده ؟
نهض رامى فورا : أقدر إن شاء الله .وبدأ بالعمل فورا بنشاط رغم إحساسه بالارهاق . أنهى عمله بعد ساعتين ليقول صاحب المتجر : براوة عليك . تاخد أجرتك بجا
وأخرج من درج المال ثلاث ورقات فئة عشر جنيهات قدمها ل رامى الذى قبلها بسعادة ليعود الرجل مقدما له الفاكهة . رفع رامى عينيه ليعترض فيقول الرجل بحدة : عظيم تلاتة ما هى راچعة .اخفى رامى يمناه بجيبه كالعادة ومد كفه الأيسر بخجل ليتناول الكيس من الرجل الذى قال : انت دارك فين يا ولدى ؟
لم يرفع رامى عينيه وهو يقول : ماليش دار يا عم الحج .صدق حدسه ، فهذا الفتى عزيز النفس ضحية حادث أودى بكامل أسرته ليحكم عليه المجتمع بالعيش منبوذا مشردا .
ابتسم بحنان : أسمى نصير . عمك نصير . انت اسمك إيه بجا ؟
شعر بالالفة لهذا الغريب فقال بهدوء : رامى .ربت نصير على كتفه الأيسر فقد لاحظ أن إصابته بشقه الأيمن وقد خشى أن يؤلمه فقال : فوت بكرة وتعالى بعده روج الدكان ونضفه موافج ؟
هز رامى رأسه بحماس : عنيا يا عم نصير .واحتضن الكيس بين ذراعيه وغادر .
اتجه لأحد المساجد حيث يتمكن من استخدام المراحيض لاذالة اثار الحرارة عن نفسه ، صلى العصر بعد أن شعر بالانتعاش وجلس بباحة المسجد . التف حوله بعض الأطفال المشردين الذين لا يهتمون كثيرا لمظهره ليوزع عليهم بعض الثمرات ويكتفى بنظراتهم السعيدة .اعذروني على لخبطة المواعيد
أنت تقرأ
حكاية مشوه
General Fictionحادث أودى بحياة أقرب الناس إليه وحكم عليه أن يحيا منبوذا للأبد. أمامه طريقين ؛ إما التسول و إما الإجرام . لكنه أراد أن يخلق لنفسه طريقا ثالثا .عزة نفسه تمنعه التسول وإن هلك جوعا ، و قلبه النقى يمنعه الإجرام رغم ما تعرض له من تنمر وجحود هل ينجح ؟؟ أ...