الحلقة الثالثة

11.6K 610 43
                                    


غادر منزل عمه بلا هدى ، ولا مال ، ولا طعام ، ولا كلمة طيبة .
سار يخفض رأسه ليتلافى نظرات المارة ورأسه تضج بالافكار ؛ أين سيذهب ؟؟ وكيف سيعيش ؟
لقد لفظه منزل عمه ، فهل يقبل به الغرباء ؟؟

أوقفته لافتة على أحد المتاجر تطلب عامل ، نظر لها بتردد لكن ليس لديه ما يخسره .
دفع الباب ودخل ليقابله فتى يكبره بعدة أعوام ، نظر له بتقزز : أى خدمة ؟؟
تفحصه جيدا لكن رامى لم يهتم وقال بتردد : عاوز اشتغل
نظر له الفتى بصدمة ، لقد ظنه سيطلب مساعدة مالية ، تجاوز صدمته ليقول بلا رحمة : تشتغل !!! انت مش شايف شكلك ؟؟ يابنى ده محل أكل عيش تقابل الزباين بوشك ده ازاى ؟؟؟
أخرج مبلغا ماليا ليحاول أن يضعه بكفه ، انتفض رامى مبتعدا وهو يصيح : أنا مش شحات .

وتوجه للخارج بخطوات مهزوزة عرجاء ليستوقفه صوت انثوى : استنى .
توقف رامى بينما نظرت هى للفتى الآخر بحدة ثم قالت : تعالى عاوز تشتغل ؟
التفت لها بحماس لتقول : ادخل المخزن نضفه كويس ورص البضاعة المرمية على الأرض على الرفوف . تنفعك الشغلانة دى ؟
هز رامى رأسه بحماس : تنفع طبعا .
لم ينظر لها لكنها تساءلت : شكلك صغير طبعا مش معاك بطاقة .
هز رأسه بأسف لتتنهد : يبقى مقدرش اشغلك شغل دايم لكن ممكن تيجى مرة في الأسبوع تنضف المخزن هاديك كل مرة خمسين جنية .

ابتسم رامى فهذا برأيه كرما بالغا منها ، اشارت له بإتجاه المخزن ليدخل إليه فورا ، عمل بجد ولم يكن صعبا عليه أن يستمع لهمساتها اللائمة التى توبخ بها عاملها فظ القلب .

أنهى رامى عمله لتستحسنه فورا فقد اجاده بالفعل ، أعطته ماله ليغادر بسعادة متوجها من فوره لأحد المتاجر الذى يبيع الملابس المستعملة . اشترى لنفسه سترة طويلة الأكمام بغطاء رأس ليخفى ما يمكن إخفاءه من تشوهات رقبته ووجهه ويعود للسير في الطرقات .

شعر بجوع شديد فهو لم يأكل منذ الأمس حيث اخر وجبة قدمت له بالمشفى ، توجه إلى أحد عربات الأطعمة بالشارع ليطلب وجبة ويغادر فورا .
جلس بأحد الأركان اسفل كوبرى للمشاة وتناول الطعام بصمت ودموع لم يتحكم بها ، اتخذت مجراها على وجهه رغما عنه .

اكمل سيره بعد تناول الطعام وحين أنهكه التعب تكوم على نفسه تحت أحد الكبارى واستسلم للنوم ليكون تشوه وجهه هو درعه الحامى من المتطفلين والمعتدين .

ظل أياما على ذلك الحال ، يتناول ابخث الأطعمة ليحافظ على ما تبقى من جنيهات حتى موعد تنظيف المخزن لتلك الكريمة التى منحته عملا .
توقفت خطواته رغما عنه أمام أحد متاجر الخضر والفاكهة ، لقد بلغ منه الجوع مبلغه وهو يتناول وجبة واحدة يوميا .

غالب نفسه وهم بالمغادرة ليستوقفه ذلك البائع الذى يرتدى جلبابا واسعا : استنى يا ولدى .
توقف رامى ينظر أرضا  ليقبل الرجل يحمل كيسا جمع به بعض الفاكهة وبكفه الآخر مبلغا ماليا .
شعر رامى بيد الرجل تدخل جيبه لينتفض مبتعدا : أنا مش شحات يا عم .
قالها رامى بنبرة متألمة ليقول الرجل : ماجصديش يا ولدى .
هم بالمغادرة ليمسكه الرجل : تعا بس يا ولدى ماتبجاش حمجى إكدة .
انصاع له رامى ليجلسه فوق أحد المقاعد ويقدم له كيس الفاكهة مرة أخرى ، نظر له رامى بحدة : قلت لك أنا مش شحات .
ابتسم الرجل : خابر يا ولدى دى هدية .
رامى : معلش يا عم الحج أنا مااعرفكش علشان اخد منك هدية .
صمت لحظة هو بحاجة ماسة لهذه الثمرات فعاد يقول : ممكن اخدهم بس اشتغل قصادهم . انضف لك المحل أو اشيل لك الخضار .

ابتسم الرجل لهذا الفتى الذى نادرا ما يقابل شخصا عزيز النفس بهذا القدر ليقول : وانى موافج . اكنس المحل ورش جدام الباب ميه وبعدين تنجض الفاكهة البايتة فى چمب لحالها بياخدوها بتوع العصير وتفتح كراتين چديدة ترصها . ها تجدر تعمل كل ده ؟
نهض رامى فورا : أقدر إن شاء الله .

وبدأ بالعمل فورا بنشاط رغم إحساسه بالارهاق . أنهى عمله بعد ساعتين ليقول صاحب المتجر : براوة عليك . تاخد أجرتك بجا
وأخرج من درج المال ثلاث ورقات فئة عشر جنيهات قدمها ل رامى الذى قبلها بسعادة ليعود الرجل مقدما له الفاكهة . رفع رامى عينيه ليعترض فيقول الرجل بحدة : عظيم تلاتة ما هى راچعة .

اخفى رامى يمناه بجيبه كالعادة ومد كفه الأيسر بخجل ليتناول الكيس من الرجل الذى قال : انت دارك فين يا ولدى ؟
لم يرفع رامى عينيه وهو يقول : ماليش دار يا عم الحج .

صدق حدسه ، فهذا الفتى عزيز النفس ضحية حادث أودى بكامل أسرته ليحكم عليه المجتمع بالعيش منبوذا مشردا .
ابتسم بحنان : أسمى نصير . عمك نصير . انت اسمك إيه بجا ؟
شعر بالالفة لهذا الغريب فقال بهدوء : رامى .

ربت نصير على كتفه الأيسر فقد لاحظ أن إصابته بشقه الأيمن وقد خشى أن يؤلمه فقال : فوت بكرة وتعالى بعده روج الدكان ونضفه موافج ؟
هز رامى رأسه بحماس : عنيا يا عم نصير .

واحتضن الكيس بين ذراعيه وغادر .
اتجه لأحد المساجد حيث يتمكن من استخدام المراحيض لاذالة اثار الحرارة عن نفسه ، صلى العصر بعد أن شعر بالانتعاش وجلس بباحة المسجد . التف حوله بعض الأطفال المشردين الذين لا يهتمون كثيرا لمظهره  ليوزع عليهم بعض الثمرات ويكتفى بنظراتهم السعيدة .

اعذروني على لخبطة المواعيد

حكاية مشوهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن