الحلقة الخامسة

11K 564 36
                                    


كان هذا الاسبوع من اسوأ أيامه فهو لم يقتصر على توقفه عن العمل بل إنه ينتظر اثنين من أهم نتائج حياته .
نتيجة الجراحة ونتيجة الاختبارات ، العمل كان يشغله لبعض الوقت فكان يخفف من ألم الانتظار ، أما الان هو وأفكاره فقط في هذه الغرفة .
اخيرا جاء يوم النتيجة الأولى وتوجه للمشفى ليكتشف نتيجة الجراحة وإلى أى مدى استجابة أنسجة جسمه للعلاج .
تعلقت عينيه بأصابع الطبيب التى تعمل بمهارة وسرعة وفى لحظات كانت عينيه تتطلع إلى كفه الأيمن .
نظر له الطبيب ليرى دموعه تصحبها شهقات صامتة وهو يقلب كفه أمام عينيه يباعد بنصره عن وسطاه ويضحك من بين دموعه .
كما اختفت كل التجاعيد المخيفة التى كانت بكفه كأنها لم تكن ، فقط يقتصر الأمر على تفاوت في لون الجلد يعتبره هو نظرا لهيئته الأولى لا شئ .
ابتسم الطبيب لكم المشاعر التى تعبر عنها قسمات رامى ودموعه ثم قال : الفرق في اللون هيختفى مع الوقت والعلاج .
اتسعت ابتسامة رامى مع انهمار المزيد من دموعه ليتحدث الطبيب مرة أخرى : وممكن نحصل على نفس النتيجة لتشوه دراعك كله ووشك . أما اعلى الرأس هيحتاج اكتر من جراحة .
عاد الألم لملامح رامى ، من أين له بكل تلك الأموال لإزالة آثار هذا الحادث الذى حرمه من أسرته واستقراره وحياته وجسمه .
نهض رامى قائلا بهدوء : إن شاء الله يا دكتور لما يكون معايا فلوس العملية هاجى لحضرتك .
ناوله الطبيب الوصفة العلاجية بعد أن شرح له طريقة العلاج ليغادر رامى .
لم يتوقف طيلة طريق العودة عن بسط كفه وقبضه وهو يحمد الله على تمكنه من هذا اخيرا .
عاد لمزاولة العمل واعطاه تلخيص الكتب مالا إضافيا فكان يعمل في التنظيف نهارا ويسهر للتلخيص ليلا .
مرت الأيام مسرعة وها هي نتيجة الثانوية العامة تظهر بتفوق متوقع ل رامى ليحصل مجموع يؤهله للالتحاق بإحدى كليات القمة .
رغم أن المجموع يسعد أى طالب إلا أنه احزن رامى ، لا لشئ سوى لعجزه عن تحقيق حلم أى طالب بالالتحاق بكلية مرموقة نظرا لحالته .
قرر أن يلتحق بكلية تجارة انجليزى، ليتمكن من الدراسة بنظام الانتساب فهو لن يذهب للجامعة بهذا الوجه ليكون عرضة للتنمر او الاشمئزاز مرة أخرى .
لم يتغير شئ بحياته رغم أنه أصبح يجنى المال بوفرة .
لازال طعامه بسيطا ، ملابسه من متاجر الملابس المستعملة ، حجرته بنفس اثاثها المهترئ .
مر عامين اضافيين حصل بهما رامى ما يكفي لإجراء جراحة لإزالة تشوه وجهه . هو لن يهتم الأن بما تخفيه الملابس .
يتمنى أن يسير في الطرقات دون غطاء رأسه ، أن يرفع عينيه وينظر لمن يتحدث إليه دون أن يخشى نظرته ، أن يبتسم للأطفال دون أن يصيبهم الذعر .
توجه للطبيب والحماس يرعى بقلبه ليطلب منه معالجة تشوه وجهه ، لكنه لم يكن يعلم أن مرور الوقت يقلل نسب نجاح الجراحة .
أخبره الطبيب أنه سيقوم بكل ما يمكنه القيام به لكن عليه أن يكون شجاعا كفاية ليتحمل النتيجة التي سيحصل عليها ويمكن فى المستقبل أن يجرى جراحة أخرى .
بكى رامى ، لم يكن له من يحتوى أحزانه أو من يربت على كتفه ليمنحه ما يحتاج من شعور بالحنان والأمان .
كان قلبه يرتعد وغير قادر على التقدم أو التراجع .
توجه للمسجد ، المكان الوحيد الذي يمكنه أن يكشف وجهه فيه دون الاهتمام بمن سيراه .
بكى وبكى وشكى لله كل ما يعانى .
حزم أمره وعاد للطبيب ليحدد موعد جراحته فأى نتيجة سيحصل عليها ستكون أفضل من حاله هذا بكل الأحوال .
***
فتح عينيه بتثاقل ولا زال يعانى اثار المخدر ليبتسم له الطبيب بفخر : النتيجة هتكون كويسة جدا إن شاء الله وهتشوفها بعد اسبوع .
لم يكن يستطيع أن يبدى رد فعل فوجهه ورقبته محاطين بالأربطة الطبية يمكنه فقط فتح عينيه ، حتى طعامه سيقتصر على السوائل لثلاثة أيام .
وكالعادة غادر المشفى على أن يتبع تعليمات الطبيب ويعود بعد اسبوع لمعرفة نتيجة الجراحة .
قبع بغرفته طيلة هذا الاسبوع ينتظر ذلك اليوم الذي سيرسم الطريق لما تبقى من عمره
هذه المرة لا يمكنه متابعة انامل الطبيب التى تنزع عن وجهه الأربطة ولا أن ينظر للنتيجة بأعين متلهفة ، عينيه اليوم مثبته على اعين الطبيب لعله يستشف النتيجة من قسمات وجهه .
أنهى الطبيب نزع الأربطة ولم يزل مقطب الجبين يتطلع لوجه رامى ولم تتوقف أنامله عن فحص شق وجهه الأيمن .
دقات قلبه تدوى كقرع طبول الحرب فيتردد صداها بين جنباته يهز كيانه بعنف .
مد الطبيب ذراعه إلى ما تحمله الممرضة ليتناول مرآة ويقدمها ل رامى .
اخيرا كللت وجهه ابتسامة رضا ليمد رامى اصابع مرتجفة ليتناول المرآة ويلقى نظرة خائفة .
لكم اشتاق لوجهه !!!!! ، وجه ذلك الطفل الذى حرم منه منذ سنوات ليستبدله بذلك الوجه المخيف .
اتسعت عينيه وامتدت أنامله تتلمس وجهه .
لا تجاعيد !!!
عينه اليمنى اتخذت وضعها الطبيعي ويعلوها حاجب ايضا .
علت الدهشة وجهه وهو يتلمس جانب فمه .من ينظر له يرى شئ غريب لكنه يراه رائع .
ذلك الارتفاع القليل لشفته العليا لا بأس به اطلاقا ، ولن يحرمه من حياة شبه طبيعية كانت حلما حتى لحظات مضت .
نظر لأعلى رأسه حيث ذلك الجزء الخالى من الشعر ليرفع غطاء رأسه مرة أخرى ويبتسم ، سيغادر المشفى ليحلق شعره كاملا ، لا بأس من الصلع إنه افضل ما يمكنه الحصول عليه مع وجهه الجديد .
ابتسم الطبيب لرد فعل رامى ليقدم له ورقة : العلاج هيخفى تفاوت اللون مع الوقت .
ابتسم رامى بسعادة ،قلما يبتسم بسعادة ليقول : ولون راسى يا دكتور مش ممكن يتعالج . أنا مش عاوز شعر . عاوز بس شكل طبيعي.
هز الطبيب رأسه بتفاهم وهو يضيف بعض الأدوية لوصفته ويعيدها إليه : قريب أوى هتتقارب الألوان .

حكاية مشوهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن