بعد عدة أيام مر بمنزل عمه الذى أخبره أنه قدم أوراقه بالمدرسة الثانوية بالحى ليشكره ويغادر . لم يسأله اين يعيش ؟ أو كيف يعيش ؟اكتفى ببعض نظرات مشفقة قدمها له كتعويض عن عجزه أمام زوجته .
استمر رامى قرابة شهر يداوم على العملين ، يذهب أسبوعيا لتنظيف مخزن تلك السيدة التى عرف فيما بعد أن اسمها مدام صفاء ولم ينقطع ايضا عن التردد على متجر عم نصير .
فى أحد الأيام وقد أنهى عمله طلب منه نصير عملا إضافيا وهو حمل الفاكهة لمحل العصير بنهاية الشارع ، لم يتردد وحمل الفاكهة كما طلب منه ليعود له بعد قليل .
قدم له نصير الثلاث ورقات نظير عمله وورقة إضافية نظير حمل الفاكهة . ابتسم كالعادة كما يبتسم لكل مال يجنيه .
اتجه للخارج : افوت عليك بعد بكرة يا عم نصير .
أسرع نصير يستوقفه : استنى يا رامى رايد اتحدت معاك .
وقف رامى وقد ظن أنه سيعفيه من العمل ، فهذا أمر متوقع إلا أن نصير فاجأه وهو يقول : أنى لجيت لك أوضة بحمام فوح سطح عمارة چارنا اهنه تجضى الغرض أحسن من نومتك تحت الكوبري .
شعر رامى بشئ من السكينة فهو لن يخسر هذه الجنيهات القليلة التى يجنيها لكنه قال : ياريت يا عم نصير . الشتا داخل كمان وانا هروح المدرسة.بس أجرتها كام ؟
ابتسم نصير وقال : صاحب البيت صاحبى وجال الاوضة لاچل خاطرى بمية چنية فى الشهر .تهلل وجه رامى ، يمكنه أن يدفع ذلك المبلغ ، ويمكنه أن يعيش ايضا ببقية ما يجنيه كاد نصير أن يعرض عليه أن يتكفل بإيجار الغرفة لكنه أسرع قائلا : موافق يا عم نصير
صمت لحظة متردد ثم قال : بس انا لسه معنديش بطاقة !!!
ربت نصير على كتفه بحنان: أنى هضمنك عند صاحب البيت .شكره رامى وأخبره أنه سيعود له بنهاية اليوم ، حاول نصير ابقاءه لكنه رفض وأخذ يتجول مرة أخرى .
لم يترك متجرا يطلب عمال إلا وتقدم للعمل ، كم قابلته وجوه مشمئزة !!! وكم سمع من عبارات تمزق قلبه !!
لكنه بالنهاية حصل على عدة أعمال فى عدة متاجر تأكد أنه يمكنه أن يقوم بها جميعا ، فكلها تقتصر على التنظيف والتنظيم فحتى أولئك الذين يمنحونه عملا يراعون تشوه وجهه فلا يكون العمل مختلطا بالزبائن بأى شكل كان .
عاد رامى بنهاية اليوم منهك القوى ليصحبه نصير إلى تلك الغرفة البسيطة لتكون مع مرور الوقت جزءا منه .
مرت الأيام وبدأ العام الدراسي لتبدأ معاناة رامى مع تنمر زملاءه. ما بين سخرية وتقزز مر اول اسبوع دراسى ليستدعيه ناظر المدرسة الأستاذ عزام .
طرق الباب بقلق ودخل بهدوء ليقول عزام بشفقة : تعالى يا رامى .وقف رامى بالقرب من مكتب عزام الذى قال : يا بنى انا مقدر ظروفك ..لكن انت مش هقدر تستحمل كتير .. وشوية بشوية هتلاقى نفسك بتتغير وتوصل لشخص أنا مااحبش انك توصل له .
ظل رامى منكس الرأس يتفحص الارض بدقة ، عزام محق ..هؤلاء الطلبة يدفعونه للجنون . ويوما ما سيجد نفسه قد تحول لمجرم فقط ليخيفهم ليتوقفوا عن السخرية منه .
صمت عزام قليلا ثم قال : واضح من بداية السنة ورأى المدرسين إنك مجتهد . إيه رأيك تاخد الثانوية منازل .
رفع رامى رأسه.. إنها فكرة رائعة .. كيف لم يفكر بها مسبقا !!!
ظهرت بسمة على شفتى رامى يراها عزام للمرة الأولى وهو يقول : ماشى يا استاذ المهم مااسيبش التعليم .ابتسم له عزام : لا طبعا هتكمل تعليمك إن شاء الله وتدخل الجامعة اللى تحبها كمان . أنا هحول اوراقك لمنازل وتبعت ولى امرك بس علشان الموافقة ومصاريف المنازل زيادة شوية .
ارتبك رامى وظهر الارتباك على وجهه ليفهم عزام أنه لا يستطيع أن يدفع مصروفات إضافية لقد درس ملف رامى وهو على علم بوفاة والده لذا قال بهدوء : صور شهادة وفاة والدك واديها للاخصائى ومالاكش دعوة بالمصاريف .
نظر له رامى ليقول : ده القانون يابنى محدش بيمن عليك بحاجة . القانون بيقول الايتام يتعفو من المصروفات .وهكذا قضى رامى أعوام دراسته الثانوية ، يعمل في المتاجر على التنظيف بأجر بسيط لكن يحفظ ماء وجهه ويمكنه من الحياة دون سؤال الناس .
ربطته علاقة قوية ب نصير ومدام صفاء واصبحا يوصيان به للعمل لدى من يعرفونه من أصحاب المتاجر .بنهاية عامه الثانوى الاول فكر في بيع الملخصات لصاحب المكتبة الذى قبل على مضض فى العام الأول وسرعان ما راج الأمر وذاع سيط المكتبة ليكون عملا إضافيا ل رامى .
وطوال الأعوام الثلاث ورامى يدخر كل ما يمكنه ادخاره . اخيرا يمكنه إجراء جراحة للتخلص من التصاق اصبعيه ، وهذا سيرحمه من تلك القفازات التى يرتديها دائما .
*********
افاق رامى فى ذلك المشفى يرفع جاهدا كفه الأيمن ليدخل الطبيب بهدوء : ما تتعبش نفسك . العملية نجحت بس هنفك الرباط كمان اسبوع . المفروض تقعد الاسبوع ده فى المستشفى .
رامى بضعف : معلش يا دكتور ..لازم اروح واجى بعد اسبوع
بالطبع يجب أن يغادر ، لقد استغرقه الأمر ثلاثة أعوام ليجمع تكاليف الجراحة التجميلية لكنه لا يستطيع أن يدفع لقاء الإقامة بتلك المشفى .بعد ساعتين غادر رامى إلى غرفته ..اشترى علاجه فى الطريق ،فهذا الاسبوع سيتوقف عن العمل وهذا يعنى ..لا مال
تسريع فى الأحداث لأن القصة مؤلمة لمعظمكم
أنت تقرأ
حكاية مشوه
General Fictionحادث أودى بحياة أقرب الناس إليه وحكم عليه أن يحيا منبوذا للأبد. أمامه طريقين ؛ إما التسول و إما الإجرام . لكنه أراد أن يخلق لنفسه طريقا ثالثا .عزة نفسه تمنعه التسول وإن هلك جوعا ، و قلبه النقى يمنعه الإجرام رغم ما تعرض له من تنمر وجحود هل ينجح ؟؟ أ...