الحلقة السادسة

11K 552 30
                                    


خرج رامى من باب المشفى بقلب جديد ، وليس بوجه جديد .توجه من فوره لشراء ادويته ثم اتجه فورا للحلاق حيث تخلص من باقى شعره .رفع كفه يتلمس رأسه الأملس وينظر بسعادة لهيئته الجديدة .
فكر أن يعود لغرفته ليغير اتجاهه ويعرج بطريقة على متجر عم نصير .
وقف بباب المتجر ، كان بحاجة لرؤية الفرحة بوجه شخص يحبه حقا .
كان نصير يحاسب أحد الزبائن لينظر له دون أن يدقق النظر فهو يعلم مدى شعور رامى بالحرج ممن يدقق النظر لوجهه .
وضع المال فى درجه وهو يقول معاتبا : توك ما افتكرت عمك نصير يا ولدى .
رفع رامى كفه ليزيل غطاء رأسه وعينيه مرتكزة بقوة على وجه نصير الذى اتسعت عينيه بدهشة وتلعثم لسانه من فرحته ، تحرك اخيرا ليجذب رامى بين ذراعيه يضمه بقوة تعبر عن سعادته لأجله.
أبعده بعد قليل ليقول معاتبا : روحت لحالك بردك . على كد فرحتى على كد زعلى .. سنين يا ولدى وانت باعد حالك عن الدنيا وعن الناس .
اخفض رامي عينيه : غصب عني يا عم نصير .ماكنتش مستحمل نظرات الناس . اللى خايف واللى قرفان اكتر حاجة توجع الشفقة ماكنتش عاوز احس إنى محتاج شفقة الناس .
ربت نصير على ذراعه : خابر يا ولدي .
صمت لحظة ليقول : يا فرحة اهلك بيك الليلة .. بوك راچل صوح وخلف راچل صوح .
هنا بكى رامى وهو يقول : الله يرحمهم .
لينهره نصير فورا : بوك ماماتش يا ولدى . بوك عايش چواك . فى نفسك العزيزة وروحك الطاهرة .
ابتعد عنه ليقول : يدك معايا يا رامى هنجفل الدكان .
تعجب رامى : بدرى كدة يا عم نصير ؟
ابتسم نصير : أنى عازمك على العشا ، واوعاك تزعلنى
قال جملته الأخيرة بلهجة تحذيرية ليضحك رامى وينضم إليه يساعده .
ظن رامى أنه سيستغنى بسهولة عن غطاء رأسه كما كان يتمنى ليكتشف مع الأيام صعوبة ذلك .
هناك حاجز نفسى يمنعه من ذلك ، كلما امتدت يده لنزعه ، تسرع فتعيده فى لحظات .
فكر أن يحصل على بعض الشجاعة بتحويل مساره التعليمى من انتساب لانتظام خاصة مع حصوله على تقدير ممتاز فى العامين الماضيين سيكون هذا أمرا سهلا .
يسير رامى بخطوات سريعة يسهل رؤية الخوف والقلق من سرعتها وهو يدخل إلى مدرج الجامعة لحضور أولى محاضراته .
يشعر أن دوى ضربات قلبه يعلو على صوت المحاضر ليفقد تركيزه تماما فى أولى المحاضرات لكن يده سجلت كل كلمة وسيمكنه من استيعاب ما فاته لاحقا .
إنه اليوم الأول الذى يتفحص فيه الجامعة ،خلال العامين الماضيين كانت عينيه لا تفارق الأرض وبخطوات سريعة يدخل لجنة امتحانه ليغادر بنفس السرعة . اما اليوم فهو ينظر بتمعن دون أن يخاف أن يراه أحد زملائه .
سار بباحة الجامعة ليتخذ مقعدا حتى موعد المحاضرة التالية ،لحظات ووقفت أمامه فتاتين لتقول إحداهما : انت طالب معانا في سنة تالتة .صح؟
رفع عينيه لتبتسما له ، اومأ برأسه ثم قال : أى خدمة ؟
لتقدم له ورقة وتقول الأخرى : انت يمكن ما تعرفش إن ستة وتلاتين فى المية من ضحايا حوادث الحروق بيتوفوا خلال أول ست ساعات وده لأن للأسف ...
اسهبت فى شرح لم ينصت له رامى فقد كانت عينيه تلتهم الكلمات بتلك الورقة التي منحتها إياه لتعيد له سنوات من الألم .
ينشئون مشفى خاصا لعلاج ضحايا الحروق ، كم كان بحاجة هذا المشفى !!!!
وقف رامى بغتة لتفزع الفتاتين لكنه لم يغادر بل أخرج حافظته افرغها ثم جالت يديه بجيوبه لتخرج كل ما بها من مال تحت نظرات الدهشة من الفتاتين لتقول إحداهما : إيه ده؟؟هتدينا كل فلوسك ؟
لم يرفع عينيه بل قال بتلقائية: ايوه .
تتساءل الأخرى : وهتروح ازاى ؟
ليجيب بتلقائية ايضا : هروح مشى .
قدم لهما المال ثم قال : أنا ممكن اصمم إعلان افضل من ده .. وممكن نطلب من الطلبة التبرع بالعمل مش لازم تبرع مالى .ولازم تخرجوا من نطاق الجامعة ، انتو مهما تشوفوه كبير إلا إنه نطاق ضيق جدا .لازم نروحوا شركات الأدوية والأجهزة الطبية دول ممكن يقدموا كتير .
نظرتا له بتعجب لتقول إحداهما بمرح : أول إنسان يتحمس معانا .انت اسمك إيه ؟
صمتت لحظة لتقول: أنا ريم ودى زينة .
رفع عينيه ينظر لهما ليتعرف عليهما لاحقا وهو يقول : رامى .
عاد لمنزله منهك القوى لكنه تمكن من استخدام مكتبة الجامعة للحصول على صور ضحايا الحريق عبر الحاسب ولم يقدم على الراحة قبل أن يصمم إعلانا يحوى عدة ورقات بعضها صور ورسم بيانى عن تزايد حالات الوفاة وصورة للمشفى الذى تم بناءه .
نام رامى قرير العين تلك الليلة وقد بات له حلما يصبو لتحقيقه .
مرت أعوام الدراسة ورامى على نفس حاله لم يتوقف عن ادخار المال ولم يغير أى شئ بحياته . لازال يعمل ببعض المتاجر فذلك العمل البسيط يمكنه من مزاولة حياته والحصول على المال الذى يحتاجه والوقت الذي يحتاجه أيضاً .
مع نهاية حياته الجامعية بتفوق كعادته بدأ العمل بذلك المشفى الذى لم يدخر جهدا للترويج له خلال العامين الماضيين.
ونظرا لحصوله على تقدير ممتاز أسرع يقدم أوراقه للعمل كمتطوع فى المشفى ليتم قبوله فورا .

حكاية مشوهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن