" الفصــــــــــل الثـــــــــــــاني "
"غـــــــــــــــربة"
تقلب في فراشه وهو منزعج من الفوضى عليه, نفض كل شيء ملقي علي السرير بغضب وحنق.
ليس السرير فقط الذي يعم بالفوضى ولكن المنزل كله أو بالأحرى "الأستوديو" الصغير الذي يسكنه, لم يكن يره هكذا عندما كانت هي موجودة.
أطلق ظفره غضب وجلب علبه سجائره وسحب واحده بفمه وأشعلها بإهمال واخذ نفس قوي عميق منها, حك شعره وتمكن منه الجوع لقد ضاق به "الأستوديو" بالغ الصغر عندما غادرته هي، لما وهو لم يردها في يوم من الأيام؟! .
حك رأسه بإهمال بيده التي يحمل بها السيجارة وهو يفكر لم يكن يدخن ذلك البلاء وإنما فعل ذلك بعد الزواج بعده أشهر وعندما علم بكرهها لها أصبح يشربها ليل نهار, تناول هاتفه المحمول لينظر كم الساعة الآن وجدها الرابعة والنصف مساءا, حسنا لم يذهب إلي صلاه الجمعة فلا يوجد احد ليوقظه أو يسال عليه.
رن هاتفه, رد بثقل فهو الرقم الوحيد الذي يتصل به يوميا تقريبا "ها يا معلم, لا لسه صاحي, بقولك أنا واقع من الجوع, لا مش هينفع انزل معنديش ولا طقم نضيف, جبلي معاك شراب وأنت جاي, متتأخرش, سلام " .
بعد ربع ساعة رن جرس الباب خرج من الغرفة إلي صالة صغيره بها كنبه وكرسيان وثيران وتلفاز معلق علي الحائط وملئ بالورق والقمامة والملابس والأكياس.
" إيه يا بني القرف اللي أنت عايش فيه ده؟" قالها هشام باشمئزاز حالما دخل الشقة, وضع الطعام علي طاولة صغيره أمام الكنبة بعد أن أزاح كل شيء من فوقها نازحا إياه علي الأرض.
"معتش عندي ولا طقم نضيف ومليش خلق اغسل علي الزفته دي مليش خلق اعد هنا أصلا عاوز أروح سكن شباب, متعرفش مغسله حلوة؟", كان يتكلم وهو يخرج الطعام من الأكياس ويتناوله ويلبي نداء جوعه "شكلك مصلتش الجمعة أنهارده كمان".
نفض صديقه مكان وهو متقزز علي الكنبة كي يجلس ثم أردف "والله أنا مش عارف أنت عملت في نفسك كده ليه, كان معاك وحده الكل بيحسدك علي أدبها وأخلاقها ده أصحابك المتجوزين كانوا هيتجننوا من مصاريفكوا القليلة ده أنت حوشت في السنتين اللي اتجوزتها فيهم اكتر من اللي حوشته في الست سنين اللي كنت عازب فيهم", تأفف علي وترك الطعام "أنت هتبدأ الأسطوانة المشروخة أمي لسه مكلماني أمبارح ومتمسى عليا كويس" قاطعه هشام "ما أنا لو شايفك مبسوط كنت قولت معلش بس مفيش مبرر للي أنت عملته ده؟".
تناول سيجاره أخري بفمه وأشعلها وقال بعد أن ترك الطعام "أنا مرتاح كده وأنا مش شايفها قدامي, أنا كنت متعذب بيها عشان كده ماكنتش بطيق اعد في البيت".
سخط هشام بشدة عليه "ليه هي كانت بتعملك إيه؟ دي كانت مخلياك بني ادم" زفر بعنف
"عشان كده يا هشام كنت بمشي أنا مقدرتش انسي هند لحظه واحده هي حب حياتي وجوازي من سارة كان تحصيل حاصل عشان اخلص من زن أمي عليا, عارف أنها كويسه وأنها بتحبني بس أنا مش قادر أشوفها مفيهاش أي حاجه تشبه هند", وتبدلت نبرة صوته وهو يتحدث عن حب حياته "هند حاجه تانية ناعمة وحنينه وجميلة, جميلة أوي لما بشوفها بس قلبي بيرقص, لكن سارة مكنش في أي حاجه بتربطني بيها" واخذ نفس عميق من سيجاره وزفره بعنف "لاء وكمان كل ما تحمل تسقط يمكن لو كانت خلفت ليا كنت نسيت هند".
"يا خسارة يا علي" تأسف هشام علي حال صديقه "الحاجات دي بتاعه ربنا يا أخي وبعدين ده أنت اعد في الإمارات يعني أحسن مستشفيات كنت اهتم بيها شويا وربنا كان أكيد هيكرمكوا " ثم أردف "استغفر الله العظيم مفيش لو بقي اللي حصل حصل المهم ناوي علي إيه؟".
سحب نفس عميق أخر من سيجارة "أنا هقابل هند الأسبوع الجاي".
"ميــــــن!" صاح هشام من الدهشة "أزاي الأسبوع الجاي أنت نازل مصر؟" وسأل بدهشة أكبر "وبعدين هي مش متجوزة ومخلفه كمان مش قولت لي كده قبل كده!".
"هند في الإمارات وأنا بكلمها بقالي فتره علي النت, لقيتها علي الفيس من سنه وقابلتها مره وتكلمنا وهي مش مرتاحة مع جوزها خالص" انتفض هشام من جلسته صارخا بعلي "اقسم بالله أنت أتجننت، أنت مخك راح فين؟ أزاي تعمل كده!!".
جذب علي صديقة ليجلس مرة أخري
" اعد بس يا هشام انا مش ناقص! .. هند هي حب حياتي وأنا مش قادر أعيش من غيرها وعلي العموم يالا عشان نروح المغسلة كفاية كده رغي" زفر هشام بقوة غير مصدق لما يحدث وصفق بيديه وهو يستغفر "لم هدومك أتنيل يالا عشان نلحق الخروجه".
" وحشوني ولاد الأيه بس خايف أروح يعودوا يببكتوني بقي وأنا مش ناقص" "لا اطمن أنا منبه عليهم محدش له دعوة بيك أنجز لم هدومك".
ساعده هشام في لم الملابس من كل مكان واخبره بأنه يعرف عامل سوف يعلمه بعنوانه كي يأتي لينظف الشقة غدا.
لملم علي كل ملابسه وسمع صوت ارتطام غريب بالدولاب, بحث بيده في الخشب فوجد دفتر وردي وهو اللون المفضل لسارة لابد وأنها نسيته وضعه بدرج ما وانطلق مع صديقه.
***
جلست أمل بتململ وهي تنظر إلي الكتاب, انه عامها الأخير وتريد الحصول علي حريتها وتنتهي من الجامعة صحيح أن العام في بدايته إلا إنها لم تستطع فهم أي شيء, كيف وهي كلما حاولت الفرار تجد الطوق الذي يجذبها من رقبتها.
الطلاق هي كلمه بغيضة كريهة, عندما تذكر في مكان ما يتبعها شهقات وكلمه "بعد الشر"، لكن تلك الكلمة هي حلمها وأملها الذي تصحو كل يوم علي أمل أن يتحقق.
تريد الشعور بالحرية, تريد أن تتنفس وتشعر بالهواء يمر عبر رئتيها, تريد,
وتريد,
وتريد الكثير من الأشياء كلها فقط بعد الطلاق , حتى وان لم تفعل أي منها سوف تكون سعيدة لأنها لن تري وجه ذلك المخلوق الجشع البغيض مرة أخري.
"الحيوان الانوي" أطلقت أية عليه هذا الاسم موصفه إياه وقد تبعته تلك الكلمة في كل سيرة حتى إنها باتت تنسي ما هو اسمه وهي لا تريد أن تتذكره خيرا فعلت أيه.
إنها غلطه ارتكبتها وتدفع ثمنها الآن, بعد خطبه لمده عام لم يظهر علي حقيقة ولكنها لم تكن تحبه لم تشعر بالحب نحوه بل كانت فرحه بدبلتها وحديثها بين أقرانها في الجامعة عن الخطوبة والنزهات وأنها مثلها مثل نصف دفعتها التي قاربت علي الزواج.
وبعد الزفاف وبعد ذهاب كل واحد إلي منزله, بدأت تنقشع الحقيقة عنه وعن وحشيته وغير إنسانيته هو وعائلته التي لم تجد فيها أي رائحة من الحب والطيبة الموجودة بمنزلها.
الأمان والأحلام ذهبوا بخير عودة, والطمع والجشع في أخذ كل ما لديها من ذهب أو أشياء أو مال لم ينتهي يوما, لم تعد تستطع التحمل فذبلت وشحبت.
لم تسمع كلمه الطلاق في العائلة لذلك بسذاجتها ظنت أنها سوف تعيش هكذا إلي مالا نهاية وتعلقت بأمل واحد وهو الأطفال, أرادتهم بشده وبعنف فهي تحبهم رغم كل شيء تراه وقبل كل شيء كانت ترجو من الله أن يرزقها بأطفال كي تسعد معهم وتبتعد عن مشاحنات زوجها وشحه عليها ماديا ومعنويا ....
لكن الزوج البخيل لم يرغب بالإنجاب قبل أن تنهي هي الجامعة وتعمل لعام أو أكثر كي تلبي احتياجات المولود مع أن دخله فوق الجيد كي يعيلهم بكل ارتياح إنما هو الطمع الذي يعمي القلوب ، فاض بها قلبها مرة وحكت إلي والدتها مرارة عيشها معه ومع عائلته.
لم تصدق الوالدة في البداية وحاولت التحدث معه بهدوء بدون علم الوالد, لكنه نهر أمها وعاملها بطريقه وحشيه هي الأخرى.
لم تتحمل أمها الرقيقة الجميلة رؤية هذا الوحش الذي يسكن جسد خطيب ابنتها التي كانت تراه وقصت كل شيء علي الوالد.
بعدها بيوم رجعت أمل إلي المنزل ومعها القليل القليل من أغراضها وعلامات الضرب ليست فقط علي وجهها, وإنما بعقلها وقلبها حفرت إلي الأبد كارهه كل شيء راغبة في الموت أكثر من أي شيء أخر.
عندما هدأت جلس والدها معها "تحبي تطلقي؟" ذهلت وصعقت أليس هذا والدها الذي يكره هذه الكلمة , لاح لها في الأفق شعاع من النور حاولت التمسك به بسرعة قبل فقدانه وسألته بلهفه
"ينفع!!"
ربت عليها بحنان "محدش يقدر يجبرك تتحملي العيشة دي أنا سالت حواليهم عشان أصلح ما بينكو, لكن كل اللي سألته قالي قد إيه الناس دي مسعورة علي الفلوس ومفيش غير الجشع في قلوبهم, سامحيني يا بنتي لأني مدورتش كويس ورآه قبل ما ادخله البيت, أنا بتعامل معاه بقالي 3 سنين لكن اللي أتجوزك ده واحد تاني .. واحد معرفش عنه أي حاجه " وقبل رأسها وهو يبكي.
احتضنته بقوة واستمدت منه الأمل والدفء والحياة, ومره أخري أشرق وجهها من جديد وغنت أوتار قلبها لما لاح لها في الأفق من أمل ومستقبل سوف يكون مشرق كل الإشراق حالما تبتعد عنه, وها هي تثبت للجميع بصبرها مدي شحه فهو يأبي أن يعطيها أي من حقوقها الشرعية أو ملابسها حتى ...
تركت كل شيء ورائها المهم أنها استعادت نفسها ورجعت إلي منزل والدها حيث الدفء والأمان.
تنهدت مطولا وفتحت الكتاب بعزم "لا لن اخذل أبي أبدا".
***
دلفت من البرج العملاق حيث تقع الشركة بداخله وتحتل طابق كامل منه, دعت ربها وهي تسال عن الدور المخصص للشركة ألا يكون بعيدا فهي تكره المصاعد كثيرا.
"في الدور 21" جاءها رد رجل الأمن باقتضاب حملت شارة مدون عليها اسمها وثبتتها بدبوس صغير علي صدرها ودلفت إلي المصعد وهي تدعو الله ألا يقبلوا بها في هذه الشركة.
زاد تنفسها حده وهي بالمصعد وأحست بالرجل الطويل الموجود بالمصعد ينظر لها بريبه وهي تضع يدها علي قلبها, وكان هناك امرأة أخري تمسك بالهاتف وتعبث بأزراره ولا تهتم لمن معها نزلت المرأة في الطابق التاسع عشر ولم يبقي سوي الشاب الطويل معها.
توقف المصعد في الدور الواحد والعشرون وقد تملك منها الدوار, أشار لها الرجل بكياسة لكي تسبقه وبالفعل خرجت مسرعة كي تهرب من المصعد المزعج, قدمت نفسها في الاستقبال و اخبروها بأن تستريح في احد المقاعد إلي أن يحين موعد المقابلة, لم يكن هناك غيرها بالاستراحة فاستغربت كثيرا لقد ظنت أن هناك الكثير ممن يرغبون بتلك الوظيفة, يا الهي ها هي فرص قبولها للوظيفة تزداد كل دقيقه ثم تنهدت بآسي عندما تذكرت بأنها لا تستطيع أن تفسد فرصتها لقد وعدت والدها وعليها بتقبل الأمر الواقع.
دلفت فتاة في أواخر العشرينيات إلي مكتب رئيس مجلس الإدارة للشركة
"المتقدمة للوظيفة اللي حضرتك قولت عليها موجودة برا يا فندم" هز السيد شهاب رأسه "ماشي يا بنتي أتفضلي أنتي" وطلب الأرقام بسرعة
"عبد الرحمن البنت هنا, لا خلي حسام اللي يعمل المقابلة عاوزها تبان طبيعيه فاهم, ماشي سلام" وضع السماعة وتنهد وهو يأمل أن يحدث أي تغير في حياة ابنه المسكين.
ذهب عبد الرحمن إلي مكتب أخيه واطل برأسه "حسام في واحده جايه للشغل وبابا مصمم انك أنت اللي تعمل المقابلة وهو عاوزها متضغطش عليها أوي ماشي".
فرك حسام رأسه بألم "طب بقولك, استني يا عبد الرحمن قابلها أنت أنا مش شايف قدامي والله" "لا بابا هيزعل عشر دقايق مش أمر" , "طب ادخل اعد معايا بدل ما أبعبع بأي هبل ".
دخل وأغلق الباب علي مضض وهو ينفخ " أما أشوف أخرتها معاك" ثم نظر في ساعة يده " أنجز ورايا اجتماع بعد نص ساعة, رفع حسام السماعة بسرعة "دخليها " قالها باقتضاب.
دقيقه وطرق الباب طرقات خفيفة "ادخل" قالها حسام وهو يعتدل في جلسته, دخلت بهدوء شديد ولم تغلق الباب خلفها ولمحت رجل طويل جالس علي الأريكة الموجودة بالمكتب واستغربت وجوده.
أشار سريعا بإصبعه "الباب" تنحنحت وقالت بصوت خفيض "ممكن يفضل مفتوح" زم شفتيه ثم أشار لها نحو المقعد "أتفضلي اعدي" مد يده نحوها بنفاذ صبر وقال بسرعة "ورقك من فضلك" اخذ يتفحصها وهي تنظر للأرض بآسي ويتفحص الورق, حسب خبرته "البت دي حد غاصبها تيجي هنا!" حدث نفسه, بينما عبد الرحمن الذي ترك المجلة من يده لينظر إلي تلك المتقدمة, انتفض من جلسته حالما وقع نظره عليها!.
"اشتغلتي قبل كده؟" سألها حسام وهو يتفحص الورق الذي لا يوجد به أي إشارة علي الخبرة.
"لا دي أول مره أتقدم لشغل" ، "أنت متخرجة من سنتين , كنتي بتعلمي أيه في السنتين دول وليه قررتي تنزلي الشغل فجاءه " ، " كنت برا مصر ولسه راجعه من فترة قصيرة ".
زم شفتيه وسال سؤال يعرف أن إجابته محفوظة من قبل أي متقدم للوظيفة وتوقع نفس الرد الذي يسمعه كل مرة
"شايفه نفسك فين بعد خمس سنين؟" .
أغلقت عيناها بآسي, لم ترد بأن تكذب وتقول مديره أو رئيسة قسم أو... أنها لا تري نفسها بعد يوم من الآن بل لا تري نفسها بعد ساعة واحده لها من الآن!, انتظر جوابها طويلا وهي جالسه أمامه تنظر إلي الأرض بثبات , تعجب من هذه الفتاة فهذه أغرب مقابله عمل علي الإطلاق!.
أخذت نفس عميق وزفرته بصوت عالي ثم نظرت إليه بحنق
"الإجابة النموذجية للسؤال دة أني أقولك مديره القسم أو الفرع لكن أنا وحضرتك عارفين كويس إنها إجابة محفوظة و بايخة, لكن لو عاوز إجابتي أنا, أنا هنا لأن أهلي زهقوا من أعدتي في البيت وعاوزني اشتغل عشان ألاقي حاجه مفيدة اعملها وأنا لو اشتغلت هشتغل بجد وهكون مخلصه واوعدك أني أتعلم بسرعة ومش هتلاقي أي تقصير في شغلي لسبب واحد أنا لما بعمل حاجه بعملها صح" ألقت بكلامها هذا دفعه واحده وكأنها تخلصت من جبل علي صدرها.
دهش كل من حسام وعبد الرحمن من جرأتها هذه , حاول حسام انتزاع نفسه من دهشته وقال وهو يلملم الورق ويعيده إليها "اعتبري نفسك اشتغلتي ومن بكره تقدري تستلمي الشغل " نظرت له محدقة وهي غير مصدقه أنها قبلها بالوظيفة رغم وقاحتها!, ضم يديه أمامه " تأكدي إننا وافقنا بيكي مش من جمال إجاباتك ولكن من باب واحد بس معندناش حل تاني في شغل كتير وأنتي اللي اتقدمتي لو شغلك جد زى ما بتقولي هتكملي معانا ولو مفيش منك فايدة في خلال أسبوعين هنستغني عن خدماتك ".
وأشار إلي الباب المفتوح "تقدري تتفضلي وياريت تسيبي بياناتك بره" والتفت إلي الأوراق الموضوعة أمامه, حالما خرجت أقفل عبد الرحمن خلفها الباب وانفجر ضاحكا, وقف حسام وصفق بكلتا يديه "مجنونه دي ! ماهو أصل أنا ناقص؟!".
***
" تفتكر اللي بتعمله دة هيجيب نتيجة؟!" سالت نور السيد شهاب " البنت دي مرت بظروف صعبه ومن كلام والدها معايا حسيت إنها جدعه قوي وبتستحمل قولت جايز لو حسام شاف بنات تانيه قدامه غير صافي يعرف هو نقصه إيه" , " معتش عارفه في الأول احمد خطيبته تتخلي عنه بعد ما نظره يروح منه ويفضل مقهور و عازل نفسه عن الدنيا كلها ده لما عمل الحادثة وحصل اللي حصل مكنش كده, مكنش كده أبدا, لكن لما سابته أتقلب حاله وحال البيت انا .... " وتنهدت بآسي شديد.
" مش قادرة يا شهاب خلاص عقلي معتش مستوعب حظ ولادنا ده إيه! تفتكر الفلوس هي السبب ؟ " .
"إحنا فلوسنا حلال يا نور النفوس اللي حوالينا هي اللي بقت وحشه, متقلقيش بكره صافي دي كمان نعرف أخرها, لو استحملت الضغط اللي هنضغط ابنك بيه يبقي نسامحها ونديها فرصه تتغير, ولو بانت بقي علي حقيقتها يبقي إحنا كسبنا ابننا وفي داهية أي فلوس".
"اللي تعبني إني عارفه انه هيموت ونفسه يخلف وهي بتأجل بتأجل الله اعلم لحد أمتي هتفضل كده؟!" , " متقلقيش أنتي من أي حاجه" وربت علي ظهر يدها "في خلال شهر واحد هنعرف أخرتها معانا إيه انا حطيت الموضوع في دماغي خلاص".
"وسارة دي كويسه يعني باباها مفيش عندو مانع!" سألته وهي ترتشف من فنجان الشاي.
"والدها ميعرفش حاجه يا نور طبعا, أنا سمعته وهو زعلان عليها وإنها حابسه نفسها فقولت له خليها تشتغل تلاقي حاجه تعملها أحسن من التفكير في مشكلتها بس , ولما سألني هجيب شغل منين أنا ليها, خبط في دماغي حسام وصافي وقولت له أنا عندي وظيفة", ضحك السيد شهاب كثيرا ثم قال "تصدقي انو كان عاوز يدفع راتبها هو, بس من غير هي ما تعرف".
استنكرت باسمه برأسها ثم اعتدلت في جلستها مرة واحده "تعرف يا شهاب هو ده الحل ل احمد انو يروح الشغل ويفكر في حاجه تانيه تخرجه من اوضته, خليه يروح معاكو الشركة تاني وصدقني هيبقي أحسن".
حك السيد شهاب ذقنه "ممكن بردو مفيش مانع نحاول, هكلم عبد الرحمن كده ونشوف أزاي يبقي له شغل من غير ما يحس بحاجه غلط او أنها مجرد خدعه عشان ننزله" ربتت علي كتفه وقبلته "ربنا ما يحرمنا منك أبدا" ضمها إليه وقبل رأسها ونظر الاثنين نحو الورود المزروعة بالحديقة, ليستمتعوا بالنسيم من شرفه منزلهم .
***
_ دخل علي وهشام المركز التجاري الذي يتجمع فيه المصرين كل جمعه, مجموعه صغيرة من عشرة أزواج تقريبا وكم أعزب يشفقون عليهم ويتركوهم يجلسون معهم ويلعبون مع أولادهم!.
عندما دخل "علي" نهض الرجال من علي الطاولة الكبيرة وسلموا عليه مرحبين بعودته إليهم " كده يا "علي" كل الغيبة دي ؟ بس معلش تتعوض" وبعد مده قصيرة من السلام والسؤال عن الأحوال وسؤال زوجات أصدقائه.
"مفيش أي أمل ترجعوا لبعض", رد هشام عليهم باقتضاب "مفيش نصيب يا جماعه, إيه رائيكوا ناخد الولاد نفسحهم شويا علي ما تتمشوا أنتو" .
ناولته سيدة في الثامنة والعشرين من عمرها والدها الذي يبلغ أربعة أعوام وقالت بحماسة مفرطة " أنت هتبقي زوج مثالي يا بخت مراتك اللي لسه منعرفهاش بيك " وفي لمح البصر لم يكن هناك سيدة واحده علي الطاولة !! , تاركين الصغار لآبائهم بعد أن صاحت بهم " يالا علي الشوبنج يا بنات".
لكمه أحد الرجال بكتفه "منك لله يا هشام الكريدت كارد معاها ضاعت الخروجة وأتخرم جيبي يا بعيد, خد يا فالح خليه معاك ومرجحه علي حسابك "وناوله أبنه, زمجر الآباء غير موافقين علي فعلته هذه بينما همس هو في أذن علي "إيه رأيك بقي مقلب سقع" جر علي هو الأخر صغير أمامه نائم في عربته وقال وهو يضحك "يخرب بيت اللي يزعلك يا أخي" .
ذهب الجميع إلي منطقه الألعاب المخصصة للأطفال ورغم تذمرهم من فعله هشام إلا إنها دقائق قليلة وأندمج الآباء والعزاب والذين لم ينجبوا بعد مع الأطفال ولعبوا بكل حرية وسعادة, وقف "علي" ليلتقط أنفاسه وهو يستند إلي ركبتيه بعد أن ركض خلف الأولاد وحين رفع رأسه رأي حبيبة عمرة تدخل المكان وهي تجر عربه بها طفلة يبدوا أنها تخطت السنة وطفل مشاكس في السادسة من عمرة تقريبا, أما زوجها فكان فارع الطول ضخم البنية ويتدلى منه بطن كبير وجسده غير متناسق أبدا.
أما هند نفسها فقد أفزعه شكلها لم تكن ترتدي ملابس ملائمة لها أبدا, ونصف شعرها خرج من حجابها وصبغت وجهها بزينة الخليج وشفتاها كانت شديدة الحمرة اشمئز من شكلها لأول وهلة لكن بعد أن عرف أنها هي تغير شيء ما بداخله , ما زال يرتجف قلبه كلما رآها.
لم يبدو عليها الانزعاج من نظرات الرجال والشباب لها ورسمت البلاهة وعدم الاكتراث من نظراتهم الجريئة التي تنهش في جسدها بغير شفقة, أما "اللطخ" الذي يدعي الزوج لم يكن يعبئ أو يكترث تركها وذهب كي يحضر طعام يزيد به بطنه المتدلي.
ربت صديق له علي كتفة "يا أخي مش وقته جوزها واقف" نظر لصديقة بحنق "قصدك إيه يا عصام؟" ضحك بصوت عالي وهو يهدهد طفلته بيده "السنيورة تخصك ولا إيه؟" زمجر "علي" "عصام مطلعش الجنونه بتاعتي عليك متجبش سيرتها علي لسانك " بحلق له عصام "يخرب عقلك يا "علي" أوعي تكون طلقت مراتك عشان دي!" ونظر باشمئزاز نحوها.
"يا بني أنت شايل بنتك متخلنيش أتغابي عليك!" مط عصام شفتيه "أنت حر بس مكنتش مستهله تطلق مراتك وتخرب بيتك عشانها " .
زمجر به "علي" "أنت عرفت منين؟"، رد بنفاذ صبر "نجوي كانت سمعت طراطيش كلام من مرات حامد واضح أن سارة كانت بتفضفض معاها ".
امتقع وجه علي وذهب اللون عنه فور سماع هذا الكلام من عصام وسأل هامسا "يعني سارة كانت عارفة!" هز عصام رأسه باستنكار ورمي الكلمة عليه وذهب "غبي" وترك علي مع أشجانه وحده.
تركهم وذهب في اتجاهها وهي تصرخ علي ابنها وتعجب كيف تحولت من الحنان والرقة لأم تصرخ بغضب علي ولدها بكل تلك القسوة لقد تغير صوتها وأسلوبها و .... حسنا كل شيء!.
_ رأته ونظرت له في عينيه لم يظهر عليها الارتياب أو الحيرة أو الخوف من أن يراها زوجها حتى بل أشارت للولد بأن يذهب إلي والده وعندما ذهب, سارت بعيدا عن الزحام متجه إلي الحمام وقبله بقليل وقفت بعربه صغيرتها, كان يتبعها بهدوء ولكن رغم عنه وجد نفسه يقارن بين سارة وهند وكم كانت سارة حنونة مع الأطفال لم تكن لتصرخ هكذا علي أطفالها .
"علي ازيك عامل إيه وحشتني أوي" لم تترك يده سريعا بل أطالت الإمساك بها , لمح الشوق واللهفة في عينيها ولا وجود لأي شيء أخر .. شيء كالخوف مثلا! .
"وانتِ كمان" نظر للطفلة وسال عن اسمها, ابتسمت له برقتها المعهودة إلا أن الزينة في وجهها كانت مبهرجة لم يستمتع بابتسامتها كما اعتاد.
"دي بقي يا سيدي شذي أنا متأكدة أنك هتحبها أوي" ثم أردفت "هنتقابل في معادنا مش كده!" هز رأسه "أكيد", أمسك يدها وأمسك بالعربة وأخذها إلي مكان بعيد نسبيا عن العيون، لم تمانع عندما أمسك يدها وعادت إليه ذكريات الجامعة مع تلك اللمسة, انخفض نحو الصغيرة رائعة الجمال وداعبها وقبلها بينما همست هند باسمه " علي " وتنهدت.
ترك الصغيرة ووقف علي قدميه مره أخري في مواجهتها
"أنا مش عارفه قدرت أعيش من غيرك أزاي كل السنين دى إحنا لازم نكون لبعض" "هشوفك بعدين يالا أسبقي أنتِ واللبس والمكياج ده مش عاوز اشوفة تاني "
هزت رأسها بمنتهي الطاعة وقالت بصوت عزب "حاضر" .
نهاية الفصل
***
المرآة بكل تفاصيلها لما تشكل لغز بالنسبة للرجل؟
لما لا نستطيع فهمهم وفهم ما يريدون؟
كالعادة في كل القصص والحكايات وحتى الأفلام تكون العبرة والعظة موجهه للرجل
يجب أن تحيطها بحبك ورعايتك واهتمامك ويجب أن تشعرها بقوتك
" بلا بلا بلا ..... "
حسنا لقد علمنا بعد مشاهدة كل تلك الأفلام وقرأنا كل القصص أن المرآة هي الحلقة الأضعف " ها ها ها .... " .
ظلـــــــــــــــم
هذا هو رأي بكل بساطة لما لم ينصر أحد الرجل ويسأل ويناقش ما الذي يحتاجه الرجل؟
لقد ولد وكبر الرجل بين يدي أكثر إنسانة يحبها علي الأرض " أمــــه " أسقته حب وحنان ورعاية واهتمام دون مقابل , وإذا به يجد نفسه فجأة أمام مفترق طرق أثناء ارتباطه,
كي يأخذ الحب والحنان والرعاية عليه أن يعطي هو الآخر.
أن يعطي وقت ومال وحب واهتمام وتفاهم للإنسانة الجديدة بحياته وإذا قصر أو فشل في شيء يتهاوى المعبد فوق رأسه.
ألم تفكر سيدة واحده من قبل كرجل؟
لقد أعتدنا أن نأخذ كل الحب دون أي مقابل صحيح أننا نبادل الوالدة بالطاعة ولكنه شيء بسيط للغاية مقابل أعظم شيء في الوجود وهو
" حبـــــها ".
ولكن كيف نعتاد ذلك بعد أن عشنا سنوات طوال نأخذ الحب دون أي مقابل
لم أعد أعلم أي شيء فأنا ....
" حائر "
أنت تقرأ
مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر
Lãng mạn_ خلعت الدبلة وخاتم الزواج كي تنظف الأطباق , أنهم لا يعنوا أي شيء لها ولكنها تخشي أن تغضبه ولا تريد إعطاءه فرصة كي يؤلمها مرة أخري, لكنها نسيتهم بالمطبخ تلك الليلة وصعدت الي غرفتها, وحينما رآهم وهو يشرب جن جنونه, صعد وطرق الباب بعنف فتحت له الباب وك...