الفصل الثــــالث
" حظ ملـــــــــعون "
مرت عده أسابيع علي وجود سارة بالشركة، ابتدأت حالتها في التحسن قليلا، حسنا علي الأقل إنها تبادل من يبتسم لها الابتسامة ولو كانت باهتة!.
كان حولها هالة تدعو بعدم الاقتراب وكأن حولها عشرات العلامات الحمراء المحذرة مكتوب عليها بخط واضح وعريض "stop".
آفاق من تأملاته هذه أثناء دخول حسام المكتب عليه دون أن يقرع الباب واضعا ملفات عدة علي طاولة صغيرة أمام الكنبة الوثيرة التي جلس عليها وبدأ بقراءة الملفات.
"السلام لله .. خير علي الصبح؟!" ، "ازيك يا عبد الرحمن"، ثم أكمل وهو يوقع عدة أوراق "سارة طرداني من المكتب"، ضحك عبد الرحمن "عملتها مع بابا أول أمبارح بس بيدعي لها من ساعتها".
أنهي الملف الذي بيده وأزاحه بعيدا عن الآخرين بانتصار ثم أراح ظهره إلي الوراء وقال "بالله عليك اطلبي قهوة ولو معاك سيجارة متخبيش علي أخوك أصل دماغي هيطير مني".
طلب عبد الرحمن القهوة وأنزل سماعه الهاتف "والله سيجارة في المكتب! أنت عاوز أبوك يطردك من البيت ومن الشغل بقي" ، "خلاص يا عُبد شكرا الرسالة وصلت" قال وهو ضاغط رأسه بيده .
أراد أن يسأله عبد الرحمن سؤال ولكنه كان متردد وإذ بصاحبه السؤال تطرق الباب بطرقه خفيفة يميزها بشكل جيد، وقف حالما دخلت سارة إلي المكتب "أسفه يا بشمهندس عبد الرحمن بس في ورق للأستاذ حسام" أجلي صوته بصعوبة "أتفضلي" أشار لها بالدخول فوضعت كومه كبيره أمام حسام والهلع يقفز من عينيه، "إيه ده بقي أن شاء الله!" وضعتهم بحزم ثم قالت "أفندم!" .
قال بلهجة أشبه إلي البكاء "حرام عليكي يا سارة مش كفاية اللي قدامي!"، عقدت ذراعيها أمام صدرها ونظرت له بحنق "مش حضرتك اللي طلبت تخلص كل الشغل اللي ورا؟ " "اه بس مش كده؟!" وأشار حسام بدرامية علي الورق، ثم ضم كفيه يرجوها "ارحميني ونبي "
ربتت علي الكومة الكبيرة التي وضعتها " دول للنهاردة بس الباقي بعدين" أشار بيده في هلع "هو لسه في تاني أنا انتهيت".
"دي أخره الدلع بتاعك كله أتكوم علي دماغك" ، جاء صوت عبد الرحمن الجامد الذي يعلن أنه لا يزال موجود بالغرفة.
نظرت سارة له وجدته ينظر بحدة نحوها التفت مره أخري واستأذنت بالخروج ولكن سؤال حسام أوقفها, "طيب أنا هرجع مكتبي أمتي؟"
"ساعة كده علي ما تتسلي في مشروع شرم، أكون خلصت" قالتها وخرجت دون أن تغلق الباب مفسحة الطريق لدخول عم إبراهيم بالقهوة، وضعها وخرج.
قال حسام بحنق بعد أن ارتشف من القهوة "انا عاوز اعرف أبوك جاب السكرتيرة دي منين؟!" لم تعجب لهجة حسام.. عبد الرحمن في التحدث عن سارة "ما تحسن ألفاظك يا أخي ولا هي عشان شايفه شُغلها بضمير، محدش رتب الشغل في الشركة كدة زيها ولا لازم تتمرقع وتتمايص عشان تعجب!".
رفع حسام يده في الهواء وكأنه يريد أن يستوقفه "حيلك عليا يا عبد الرحمن والله ما أقصد حاجه من اللي في بالك يا أخي" ثم أردف وهو يمسح يده برأسه "صدق بالله أنا نفسي صافي تبقي زي سارة كده ".
ثم تراجع "بس مش زيها أوي كدة يعني أنا بحب الضحك وضحكه صافي احلي حاجه فيها"، وتأوه بآسي وهو يتذكر ما حدث معه منذ أن أمر والده بوقف حسابه الشخصي وسحب السيارة، جلست في المنزل غاضبه لمدة ثلاث أيام كاملة دون أن تخرج وأعارته مفاتيح سيارتها علي مضض وفي اليوم الرابع بعد رجوعه من العمل مرهق لم يجدها ووجد علي السرير ورقه مكتوب عليها بإهمال شديد وغضب "أنا عند ماما لما تجيب لي شقه برا البيت ده تبقي تيجي تاخدني" ونظر إلي الملابس لقد أخذت معظمها ولم تترك أي أثر لأي ذهب أو مجوهرات.
تنهد بآسي شديد لقد لطمها وتركها وذهب إلي غرفه أخرى لم تحاول التكلم معه ، لم تحاوره، لم تعتذر وهو أيضا لم يفعل ليس فخور بأنه لطم امرأة ولكنه لم يتحمل أهانتها لوالده ووالدته هكذا فكل شيء وأي شيء سوي غضب الأهل عليه.
جلس عبد الرحمن ووقع عده أوراق ثم سال بهدوء "روحت بخيالك فين يا روميو؟" "هو انا اللي عملته ده صح يا عبد الرحمن؟" ، ثم ازدرد لعابه وفرك يده بتوتر "البيت وحش أوي من غيرها بس مش عارف اكلمها أو أروح لها ولا اعمل إيه؟ أنا مش معايا ولا مليم معرفش أجيب شقه بره الوقتي! " .
رفع عبد الرحمن حاجبه غير مصدق "والله هو ده الدرس اللي أنت استفادته من اللي حصل معاك؟ انك عاوز تجيب لها شقه بردو هتنفذ طلبتها"، رد بعنف "انتو ظلمنها هي مشيت عشان انا مديت أيدي عليها وكمان قدامكوا مش عشان بابا سحب الفلوس والعربية مني " .
مط عبد الرحمن شفتيه في آسي "لو كان كده كانت مشيت في نفس اليوم مكنتش استنت هي استنت عشان تشوف بابا هينفذ اللي قاله ولا لأ " .
أمسك حسام رأسه بشدة وتأوه من الألم " انتو ظالمنها صافي بتحبني وزمانها زعلانه ومقهورة ".
ضرب عبد الرحمن المكتب بكلتا يديه و تردد لفترة ثم قال واقفا وهو يزفر لما عليه حمل الأخبار السيئة إلي إخوته يا له من أمر مقيت! .
" الهانم المقهورة كانت بره أمبارح مع أصحابها ولا علي بالها أي حاجه وسهرت في النادي لحد الساعة 2 الصبح ورجعت مع شله ولاد وبنات والفرحة بتنطط من عينها " .
صرخ حسام قائلا "بس يا عبد الرحمن كفاية حرام عليك " .
هجم عليه عبد الرحمن وقبض علي ذراعيه بعنف "فوق بقي يا أخي الحقيقة واضحة قدام عينك أنت اللي مش عاوز تصدق أو تستوعب إنها بتحبك عشان فلوسك، دي لو خسرت جنيه واحد بس هتسيبك وتمشي "
"لا انتو ظالمنها " قالها وهو يصيح بآسي شديد .
"حسام انا جبت أخري من الحكاية دي الموضوع واضح زي الشمس ".
_ ترك حسام مكتب أخوة غاضبا وتوجه نحو مكتبه دون أن يطرق الباب دلف سريعا والغضب يحيط به ، نظرت سارة له ثم قالت ببرود شديد "لسه المكتب مخلصش" .
صرخ بها بكل قوته وكل عرق فيه ينبض غضبا "وأنتي مالك أخرجي بره ؟!! " وأخذت أنفاسه تتلاحق سريعا نتيجة للغضب الصارخ الذي تكلم به .
سقطت الأوراق من يدها ورغم أنها أكيدة من أنها لم تفعل له أي شيء إلا أن الدموع وجدت سبيلها إلي سارة فور أن صرخ بها، اقتحم عبد الرحمن المكان وألقي نظرة سريعة على سارة الباكية وزمجر في أخيه بغضب بالغ بعد أن دلف وأغلق الباب خلفه "ذنبها إيه هي عشان تصرخ فيها كده؟" صرخ حسام بوقاحة "هما عينوك محامي عليها ولا إيه؟!" .
أرادت سارة الخروج من المكتب والشركة كلها بغير رجعه، لكن عبد الرحمن فور سماعه كلمات أخيه انقض عليه وامسك بمقدمه ملابسه وصاح قائلا " قصدك إيه اعتذر منها حالا " كانت سارة في موقف صعب لا تريد شجار بين الأخوة بسببها لذلك توسلت عبد الرحمن وهي باكية بحرارة " أرجوك يا بشمهندس عبد الرحمن، أستاذ حسام مقلش حاجه ليا سيبه من فضلك " .
أردف حسام بعصبية وهو غير مصدق أن عبد الرحمن يصيح به "أنت تجننت يا عبد الرحمن، واعتذر ليه وصاحبه الشأن اهه قدامك مش عاوزة" ، زمجر عبد الرحمن " أنا سامع زعيقك فيها من مكتبي، طلع غضبك في اللي تستاهله" وتركه ثم نظر إليها وهو يصيح "لمي حاجتك وفضي مكتبك أنتِ مديره مكتبي من انهاردة وعلا هتبدل معاكي"، هزت رأسها ودموعها مازلت تنهمر بشدة.
كانت الشركة كلها تقريبا عرفت الحوار الحاصل ولم يكن من العسير علي السيد شهاب عندما دلف إلي الشركة وهو ممسك بأحمد أن يعرف بأن هناك خطب ما في مكتب حسام اتجه نحوه بقلق ففي العادة عبد الرحمن هادئ للغاية ولا يصيح هكذا خصوصا بأخوته، ثم أعاد التفكير وأخذ أحمد إلي مكتب عبد الرحمن "أستريح هنا يا أحمد علي ما اعرف في إيه" "خدني معاك يا بابا " قالها أحمد بلهفه، وهو يتمسك بذراع والده
"هروح أجبهم وأجي يا حبيبي متقلقش " ربت السيد شهاب علي كتفه كي يهدء من قلقة وتركه بالمكتب.
لم يستطع أحمد أن يجلس في مكانه حيث تركه والدة بل أخذ يذرع الغرفة ذهابا وإيابا وهو يتخبط بعصاه قلقا علي إخوته.
دخل السيد شهاب مقتحم المكتب والمشهد غير سار، ابنه الكبير يمسك بمقدمة ملابس ابنه الأصغر والموظفة الباكية ترجوه بأن يترك أخوة، صفق الباب خلفه بشدة ونظر الثلاثة له.
" والله عال دي بقت قهوة مش شركه محترمه، صراخك جايب آخر الدنيا أنت تجننت منك ليه!!"، قال جملته الأخيرة وهو يصيح هو الآخر.
موقف سارة لا تحسد عليه وسط صراخ هؤلاء العمالقة من هي حتى تتكلم .
ترك عبد الرحمن أخيه ونظر إلي سارة "روحي أنتِ مكتبي الوقتي" قالها محاولا قدر الإمكان أن يكون هادئ معها، استأذنت وانطلقت باكية واتجهت رأسا إلي مكتبه متحاشيه نظرات الموظفين المتسائلة، لكنها دخلت مسرعة ظنا منها أن المكتب فارغ لتجد نفسها بين ثانيه واحدة ممددة على الأرض فوق رجل آخر!!! .
***
"في ايه يا عبد الرحمن؟" سأل السيد شهاب باقتضاب، نظر عبد الرحمن شزرا إلي أخيه وقال بغيظ "الأستاذ بيفش غله من مراته في بنات الناس بدل ما يروح يشوف مراته الأول!" .
"طيب" قالها السيد شهاب بحزم وهو يزم شفته بشدة ثم أردف "أحمد في مكتبك يا عبد الرحمن روح ليه زمانه قلقان" لمعت رأس عبد الرحمن وترك الغرفة سريعا فقد أرسل سارة الي هناك وعندما دخل إلي مكتبه ، حسنا لم يكن يتوقع هذا ولكن ... هذا ما حدث!
عندما دخلت سارة مكتبه بعنف لم تري أحمد الذي ظهر لها من العدم واصطدمت به وسقط كل منهم علي الأرض، سقطت هي فوق أحمد مباشرة الذي لم يبدو عليه الضيق وهو ممسك بخصرها، أفاقت من دهشتها وانتفضت من فوقه ثم صاحت به غاضبة وهو ممدد علي الأرض لا يحاول الوقوف أو الجلوس حتى "مش تفتح أنت أعمي!" وضع ذراعه أسفل رأسه وقال ببرودة وهو يوجه رأسه نحو صاحبه الصوت الملائكي الباكي.
"إذا كنتي أنتِ مفتحه ومختيش بالك معتقدش انو ينفع انك تجيب اللوم عليا!" .
جمعت سارة كلماته ومزجتها بالنظارة الشمسية والعصا الملقاة علي الأرض وشهقت شهقة كبيره أقرب إلي الصراخ نادمه علي تهورها هذا وبكت بشدة وهي تتأسف له من كل قلبها .
دخل عبد الرحمن المكتب وأخيه نائم علي الأرض واضعا ذراعه خلف رأسه وكأنه ممدد علي البحر يستمتع بحمام شمسي وسارة جواره علي الأرض تتأسف وتبكي.
" أحمد أنت كويس؟" صاح به عبد الرحمن، همس أحمد من بين شفتيه بحيث لم تسمعه سارة "هادم اللذات جه اهه"، مد ذراعه نحو أخيه الذي جذبه بشدة وأوقفه مرة واحدة وهي وقفت بهدوء وهي مطرقة الرأس وتبكي.
نظر نحوها والارتباك يملئ عالمه، ما هذا الحظ التعس الذي لديه؟! .
" سارة أنتِ كويسه؟ " هزت رأسها موافقة ثم قالت والبكاء يملئ صوتها
" أرجوك يا بشمهندس عبد الرحمن تقبل استقالتي انهاردة "
" استقالة ليه يا سارة؟!" قالها السيد شهاب بحزم ثم دخل المكتب وأغلق الباب وراءه، ردت وهي تبكي "أرجوك يا فندم أنا مش عاوزة أكمل شغل " .
حاول أحمد ترطيب الجو وقال مازحا "إيه يا بابا هو أنت عملت قانون اللي يخبط في العميان يطرد ولا إيه؟ "، إنه يظن أنها تبكي وتريد الرحيل بسببه كم هو ساذج لم يعد عبد الرحمن يستطيع تحمل المزيد من هذا! .
ربت السيد شهاب علي ذراع أحمد وأجلسه برفق " هي خبطت فيك ولا إيه؟" " اه يا بابا ووقعتني كمان ماشي الشريرة دي من هنا انا مش عوزها" ضحك السيد شهاب وعبد الرحمن علي طريقة احمد الطفولية، لكن ما أسعدهم حقا انه يمازحهم فهو لم يفعل ذلك منذ مدة طويلة جداً، ولم تجد سارة نفسها إلا وهي باسمه أمام أسلوبه المرح.
أمسك السيد شهاب السماعة ونظر الي سارة وقال " واحد لمون يا ابني ولا أقولك خليهم أربعه، اعدي يا سارة من فضلك "، جلست سارة بهدوء أمام أحمد "ده أحمد ابني هيبدأ شغل معانا من انهاردة، واللي خبطتك وزعلتك دي يا سيدي سارة مديره مكتب حسام" قاطعه عبد الرحمن بسرعة قائلا "سابقا"، نظر السيد شهاب بحدة نحو عبد الرحمن الذي يفشل مخططات والدة دون أن يدرى .
مد أحمد يده في الهواء كي يسلم علي سارة عادة هي لا تسلم علي أحد لا تعرفه ولكنها لم تستطع أن تخذله مدت يدها وسحبتها سريعاً.
دخل العصير وناولها عبد الرحمن كوب وناول أخوة هو الآخر وشرب الثلاثة العصير وأصر السيد شهاب عليها ولكنها لم ترتشف سوى رشفه واحدة مجامله له.
" اقدر امشي الوقتي يا فندم" سألت السيد شهاب بصوت خفيض، الذي رد مؤكدا علي كلامه "تقدري تمشي علي مكتبك وفكره الاستقالة دي مش عاوز اسمعها " .
هزت رأسها موافقة علي مضض وذهبت وأغلقت الباب بهدوء، نظر السيد شهاب بسرعة إلي عبد الرحمن "بقيت بتتصرف بمزاجك يعني مع إن أوامري كانت واضحة من أول يوم" "مش قصدي يا بابا والله"، طرق السيد شهاب علي المكتب بقبضته ثم قال "علي العموم دي بنت صحبي وأنا مش عاوز مشاكل فاهم " ، رد عبد الرحمن بخضوع "حاضر يا بابا" .
ثم ربت علي كتف أحمد "ها يا أحمد عامل إيه؟" رفع أحمد يده وهو فرح "لا أنا تمام يا باشا لو اعرف أن في واحدة هتوقع عليا كدة كنت جيت الشغل من زمان "، ضحك والدة بشدة وهو يقول "يخرب عقلك يا أحمد" .
أحمر وجه عبد الرحمن بشدة لملاحظة أحمد ولكنه غالي علي قلبه للغاية لا يستطيع أن يفعل به ما فعله بحسام.
أستأذن وخرج قبل أن يظهر عليه شيء آخر، توجه للحمام وغسل وجهه بالماء البارد وجفف نفسه، وتوجه نحو علا مديرة مكتبه "علا لمي حاجتك بسرعة من فضلك وروحي مكتب حسام وفهمي سارة علي الشغل وخليها تعرفك شغل حسام " ، سألت علا بلهفه "حصل مني حاجه يا فندم " طرق علي مكتبها بقبضته "الوقتي حالا يا علا" نهضت علا وبدأت في تنفيذ الأمر حتى ولو كانت كارهه.
_ في الساعة الثانية حيث موعد استراحة الغذاء، معظم الموظفين كانوا يخرجون من الشركة أما هي فلم تخرج مره واحدة قط، كانت تذهب لتتوضآ وتصلي في ركن خاص بغرفة الراحة.
كان يراقبها كل يوم وحولها هالة من الراحة غريبة وهي تصلي وترتدي إسدال فضفاض تسحبه من درجها كل يوم أثناء الاستراحة وتذهب إلي محرابها الخاص ولكن اليوم زاد سجودها وبكاؤها تمني لو يستطيع أن يخفف عنها ولكن لا يسمح له بفعل ذلك.
وكعادتها بعد الانتهاء تطوي الإسدال بهدوء يحبه في كل مرة وتخرج من حقيبتها علبه تخفي بها آثار اسمرار شديد حول عيناها، ثم تخرج بهدوء لتكمل عملها غير مكترثة بفترة الراحة.
لم تكن تكلم أحد بل تعمل وتعمل وتعمل وكل يوم يشعر أن تعلقها بالعمل يزيد وكأنها تدفن الماضي وتنساه بالعمل، سوف يحدثها أجل سوف يحدثها بيوم من الأيام ولكن ليس الآن فالرفض هو الجواب الوحيد الذي سوف يتلقاه منها أي رجل كان من علي وجه الأرض، لمجرد أنه رجل أنها جريحة ولن تسمح لأحد بالاقتراب قبل أن يندمل جرحها.
_ جلست وراء مكتبها ترتبه وتدخل أغراضها به وترى تعليمات علا وما الذي سوف تفعله ،
وجدت علبه " بيتزا "صغيرة أمامها وكوب مغلف من المشروب الغازي .
" أنا عارف إني لو قلت لك ناكل سوا هتكسفيني بس مينفعش متكليش البيتزا الجبارة دي" .
رفعت رأسها لتجد عبد الرحمن يبتسم لها بمودة "صدقني يا فندم مش هقدر متشكرة أوي"،
زم شفتيه بآسي "يبقي أنتِ زعلانه اني نقلتك وبوظت شغلك" هزت رأسها "لا أبدا أنا بس مش عاوزه أكل"، ترك الطعام وقال بآسي" علي راحتك" وجلس أمامها علي أحد المكاتب وأخرج طعامه وأخذ يتلذذ أمامها "يااااه حلوة بشكل صحيح" فنظرت بحده له "البيتزا دي ملهاش حل والله" فأطرقت رأسها وبدأت بتنظيم المكتب قال وهو يشرب العصير " يا شيخه ده النبي قبل الهدية، يرضيكي الأكل يترمى يا خسارة فلوسك يا عبد الرحمن " ،كان يتكلم وهو يشير بيده في طريقه درامية للخسارة.
ابتسمت سارة رغم عنها فهي تري واحد آخر غير ذلك الحازم الذي تراه كل يوم، شعرت بإحراج شديد من إلحاحه وأخرجت قطعه وبدأت بالأكل... .
_ قبل الانصراف بحوالي ربع ساعة وقف حسام أمام مكتبها وهو يمسك ملف أزرق، مد يده لها " نسيتي ده وفيه ورق مهم أوي " دون أن تنظر له "شكراً" قالتها بخفوت شديد، بعد أن دخل مكتبه فتحت الملف لم تجد سوى ورقه واحدة به .
" أنا أسف يا سارة مكنش قصدي أبدا أقول اللي قولته أو أصرخ فيكي بالشكل ده ، أنا كنت متعصب و جيت فيكي أنتِ سامحيني " .
حسام
أخذت الورقة وطبقتها بعناية ووضعتها في الحقيبة وهي تشعر أنها أفضل حالا.
***
"ها يا حبيبي خلاص هتنام مش عاوز حاجه؟" سألت نور ابنها أحمد وهي تقبله علي رأسه قبل النوم، "أنا تمام يا ست الكل صحيني بدري عاوز امشي مع عبد الرحمن، مش عاوز أروح نص يوم زي أمبارح مع بابا " .
ابتسمت الأم بشدة لتغير حال ولدها كثيرا منذ أن أتي من المكتب وهو يبتسم ويأكل، لم يفعل ذلك منذ مده طويلة حتى انه لم يصعد غرفته إلا لتغير ملابسه فقط ! .
"شوفت يا شهاب أحمد بقي عامل أزاي انا مش مصدقه من أول يوم كده انا قولت فيها شهور الحمد والشكر ليك يا رب" ربت علي يدها وأغلق المصباح بجانبه ورفع الغطاء ثم قال " فعلا تحسن كبير وفي وقت صغير جدا" "هو عمل ايه انهاردة يا شهاب؟"، سألت نور "ولا حاجه عرفناه بالمشاريع اللي شغالين عليها " " بس! يعني معملش حاجه خالص!!".
هز رأسه نافياً "اتكعبل ووقع هو واحدة علي الأرض ومن ساعتها وهو بيضحك"، ضحك الوالد مما جعل الوالدة تبتسم هي الأخرى "أبنك ده مجرم ، مين دي اللي وقعت معاه ؟"
"سارة" "مديره مكتب حسام ولا واحده غيرها" قال مصححا " مفيش حسام بقت مديره مكتب عبد الرحمن".
اعتدلت في جلستها بسرعة " ليه بقي إيه اللي نقلها؟" نظر لها مستنكرا
" عبد الرحمن بقي بتصرف من دماغه " .
***
كان أحمد يبتسم دون سبب محدد لذلك ، لازالت الظلمة والوحشة تغلف عالمه ولكنه سعيد وكأنه اخذ قطعه منها معه عندما سقطت عليه، لم يجد شيء يفعله سوى أن يحيط خصرها بيده أرادها أن تظل هكذا العمر كله، أخذ يتذكر رائحتها وأنفاسها المضطربة، وصوت بكاؤها أحسها دافئة ناعمة لأبعد الحدود .
يتمني فقط لو يأتي الغد سريعاً كي يسمع صوتها مره أخري، وأردف هامسا
" و يا سلام بقي لونقع تاني مع بعض ".
نهاية الفصل
أنت تقرأ
مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر
Storie d'amore_ خلعت الدبلة وخاتم الزواج كي تنظف الأطباق , أنهم لا يعنوا أي شيء لها ولكنها تخشي أن تغضبه ولا تريد إعطاءه فرصة كي يؤلمها مرة أخري, لكنها نسيتهم بالمطبخ تلك الليلة وصعدت الي غرفتها, وحينما رآهم وهو يشرب جن جنونه, صعد وطرق الباب بعنف فتحت له الباب وك...