الفصل الأول
"العمل الإجباري"
كل شيء ضبابي أمام عيناها فهي تبكي منذ مده, حاولت أن تنفض أي آسي عنها ليس من اجلها بل من اجل عائلتها المسكينة القلقة عليها, أشاحت بنظرها بعيدا عن النافذة حيث وضعت أمامها حوض بني صغير ملئ بالأزهار و أخرجت منديل من العلبة القابعة في حضنها.
يا الهي لقد كان الأخير!، نظرت للعلبة بآسي ثم نظرت إلي سلة القمامة لمنظر كانت متوقعة أن تراه, لقد امتلأت وفاضت وهناك مناديل مكورة علي الأرضية, لقد أعطتها والدتها هذه العلبة البارحة مساءا وتحوي علي الأقل مائتي منديل والآن لم تصل الساعة إلي التاسعة بعد وها قد نفذت منها المناديل ولم تنفذ منها دموعها وشجونها.
همت لكي تلملم المناديل المبعثرة قبل أن تراها والدتها .. لكن أثناء انحناءها وقبل أن تخفي علبة المناديل الفارغة دخلت والدتها إلي الغرفة وانتفضت هي من علي كرسيها .
"صباح الخير يا سارة"
ثم أردفت والدتها وهي باسمه "تعالي يا حبيبتي افطري معانا ".
"حاضر يا ماما" كان صوتها متحشرج من كثرة البكاء والنحيب ظلت تخفي وجهها عنها مدعية انشغالها بلملمة القمامة والمناديل.
بقلب الأم الحنون سألت "صوتك ماله يا سارة أوعي تكوني كنتي بتعيطي ؟ " واقتربت منها وأردفت "وبتنضفي إيه علي الصبح كده!".
عندها رأت علبة المناديل فارغة ورفعت سارة رأسها فرأت سلة القمامة ممتلئة عن أخرها, ضربت علي صدرها بحسرة "كده؟ كل ده؟!! أنتِ لسه وخدها بالليل معني كده انك طول الليل بتعيطي ومش دوقتي النوم يا دوب عشان تخلصي ده كله".
وذهبت بغضب لها ورفعتها في مواجهتها وهزهزتها بشدة وعنف أغمضت سارة عينها فهي ليس لدها ذرة من القوة لمواجهتها فاستسلمت لهزها وتعنيفها وصراخها الغاضب " كل الزعل ده عشان مين؟ عشان واحد ميستهلش ضفرك!, عامله في روحك كل العمايل دي عشانة زى ما يكون معبرك وبحبك وإحنا اللي طلقناكي منه غصب عنك فوقي بقي لنفسك شويا شايفه وشك بقي عامل أزاي؟, عنيكي باظت كفاية بقي حرام عليكي هتموتينا , دي كانت جوازه هم ربنا ينتقم منه".
كان لديها الكثير الكثير من هذا ولكن انتشالها من بين أيديها وبراثن غضبها من قبل كل من أختي سارة جعلها تصمت قليلا ثم أردفت بغضب وهي تلهث بأشهر تهديد عرف عن الأم المصرية علي مر الزمان!
"لو مخرجتش الوقتي تفطر معانا, أنا همشي واسيب البيت كله و وروني بقي هتعملو إيه! " وصفقت الباب خلفها بحده.
" حرام عليكي نفسك والله ما يستاهل كل الزعل اللي أنتِ فيه ده أنتي مكنتيش سعيدة معاه أصلا .. أنا كنت فكره أنك هتفرحي زى أمل انك خلصتي منه!" قالت لها أية وهي الصغرى بينهم في عامها الثاني من الجامعة، ممشوقة القوام ..جميلة وتعشق خطيبها مصطفي.
ضربت أختها أمل كتفها تمازحها " ده أنا يوم ما امسك ورقتي في أيدي ندرا عليا أرقص بالمزمار أنتِ اللي هبله هو ده حد يزعل عليه؟ هو كان معبرك أصلا!"، وآخذت تتمايل في الغرفة رافعة زراع وواضعه الأخرى أسفل إبطها وترقص مثل "الصعايدة " وتدندن بصوت عالي "تا تاتار تتارا تاتا "جعلت سارة تبتسم رغم عنها وضمتها إلي صدرها "ايوه كده يا شيخه بلا وجع قلب".
"قومي يالا معانا أحسن ماما اليومين دول مش مظبوطة ممكن تعملها وتطفش وتسبنا بس المشكلة هتروح فين؟!" أخذت أمل تضحك بشدة ثم أردفت "ماما لو مشيت لآخر الشارع هاتوه ومش هتعرف ترجع, مش عارفه إحنا كنا بنصدقها أزاي وإحنا صغيرين " , أكملت أية وهي تضحك بشدة " كنا هبل أوي يا شيخه! ".
نظرت سارة لهم نظره لوم "حرام عليكو بطلوا تريقه عليها " , بصوت بالغ السخرية "يا ســـــلاااام!" اندهشت كل منهم في نفس الوقت.
"والله عال نطلع إحنا منها بقي لو كنا تأخرنا يا ست سارة دقيقة واحدة كان زمانك في خبر كان مش بعيد كانت استعادت أمجاد زمان وعلمت عليكي بالشبشب " أنهت أمل كلامها ونظرت إلي أية التي تتفق معها في كل كلمة.
***
خَرجت إلي الخارج ولم يعجبها ضوء الصباح فعيناها متورمتان وكثره جلوسها في الظلام جعلت النور يزعج عينيها بشدة، لكن لم يكن عندها خيارات... .
عندما دخلت إلي غرفه الطعام بعد أن غسلت وجهها وتوضأت وصليت فهي للأسف لم تستطع أن تصلي الفجر رغم استيقاظها لأنني لم تستطع انتشال نفسها من أفكارها السوداء .. تلك الدوامة البائسة التي تبتلعها وتفقدها القدرة علي الحكم علي الزمن والأشياء منذ طلاقها المشئوم .
جذبتها أمها وربتت علي صدرها بحنان تتحايل عليها وكأنها طفله بالروضة كي تتناول شيء "تعالي اعدي جنبي ده أنا عمله ليكي الفول بالطماطم زي ما بتحبيه" .
قالت أيه بتهكم وهي تقضم قطعه جبن "مش شايفين شنط يعني يا حجه ولا حاجه؟!" كتمت أمل ضحكه عالية وقالت "ماما هتطفش خفيف خفيف", تجاهلت سخريه ابنتيها وجذبت سارة إلي حضنها وقبلت وجنتيها "وهي سارة يهون عليها ماما بردو؟", ونظرت لهم بحده
" اتلمي منك ليها واصطبحوا علي الصبح!", وضعت أية يدها علي فمها بطريقه درامية وقالت "اهه أتكتمنا".
_دخل الوالد ولم يكن في حاله جيدة, فقد كان لديه الكثير من المشاكل, طلاق سارة وحزنها, سعيه الدائم مع المحامي كي تتمكن أختها أمل من الحصول علي حريتها ، وعدم رضاه عن خطيب الصغرى "أية" حسنا لقد كان الوضع في المنزل مأساوي بعد أن كانت الفتيات في غاية السعادة منذ أن بدأت خطبتهم واحدة تلو الأخرى وقد وجد الهم والحزن مكانا داخل المنزل.
قال باقتضاب "صباح الخير" هرعت أية نحوه وقبلته علي وجنته
"صباح الخير يا بابا يا عثل" ضحك لطريقه نطقها كلمه "عسل" وقال لها "عثل يا لمضه! " ذهبت إلي كرسيها مرة أخري وقال لأمل
"صباح الخير يا أمل مفيش أخبار من المحامي " تحدثت سريعا وهي تلوك الطعام "صباح الخير يا باشا لا مفيش جديد " وأكملت طعامها.
نظر إلي سارة ف أخفضت رأسها ونظرت ليديها تضمها بشدة, تنهد مطولا وقال بحزن "عرفت أنا ماما معليه صوتها من الصبح علي مين!".
نزلت منها دامعة هاربة رغم كل محاولات عينها البائسة كي لا تتركها ولكن جفونها فشلت.
ضرب بحزم علي الطاولة "أظن كفاية كده أوي أوي يا سارة, في الأول أنا كنت بخلي والدتك تسيبك علي راحتك, قولت لها معلش سيبيها تعيط وتخرج كل اللي جواها لكن منظرك ده خلاني متأكد أني كنت غلطان, انهاردة أخر يوم في عدتك وأنا احترمت رغبتك لما رافضتي الخروج وكل المحاولات عشان تسافري معانا وقولتي أنا هلتزم بالعدة, لكن خلاص يا سارة لازم تخرجي من كل ده فاهمه ولا لأ؟ " .
أشاح وجهه الغاضب عنها ونظر إلي زوجته "ناوليني المايه يا وفاء", "أتفضل يا حاج سارة طول عمرها عاقله وبتسمع الكلام مش معقول هتكسر لك كلمه", ونظرت إليها وأردفت "ده بابا حاجز أسبوع في إسكندرية عشانا وأجلو كذا مره عشان خاطرك والفلوس هتروح علينا مش حرام؟!" وداعبتها وعبثت بأصابعها في بطنها حتى ضحكُت رغم عنها،
"حاضر يا ماما خلاص".
أردف الوالد وهو يأكل" والشغل يا سارة هتنزلي بكرة تروحي المقابلة فاهمه ولا لأ؟" تمتمت بتردد وصوت متحشرج " يا بابا أنا مش عاوزة أشوف حد من فضلك".
نظر لها بغضب ورفع أصبعه محذرا
"سارة أنا عمري ما زعلت منك بس والله العظيم لو ما قبلتي في الشغل ده صدقيني لساني مش هيخاطب لسانك " .
أمل بلهفه مدافعه عن أختها "بس يا بابا حرام الحلفان ده ممكن يرفضوها لأي سبب وهي ذنبها إيه؟!", "هو أنا مش عارف أختك, كل الشروط والمواصفات عليها وصاحب الشأن هو اللي عرض عليا الوظيفة لو هي اللي عاوزة تفشل هتفشل لو عملت اللي عليها هتقبل ومش عاوز كلام تاني في الموضوع ده أنا قايم رايح شغلي " ونهض وترك الطعام ثم عاد ونظر إليها يشير الي طعامها بعبث
" لو الطبق ده مخلصش ليا معاكي حساب تاني " .
ضحكت له رغم حنقها منه فابتسم رغم عنه وقال "يا جذمه لازم ازعق فيكي؟!" وانحني وقبل رأسها فاحتضنته بكل قوتها ودمعت عيناها وهو يربت علي رأسها ويقبله بكل حنان كم هو حنون, كم كانت تتمني زوج محب مثله, لكن لا لم يكن يشبهه علي الإطلاق.
مسح دموعها برقه شديدة " صدقيني هتلاقي اللي يحبك ويحطك فوق راسه العمر كله" .
انهمرت دموعها بشدة فقد نظر أبيها إلي عينيها وعلم ما يؤلمها حق العلم، كل ما يؤلمها هو أنها لم تجد الحب الذي كانت تحلم به .
احتضنته أكثر لأنه يعلم ما في قلبها دون أن تتكلم، ممتنة لوجوده بحياتها, "أخر مره أشوف دموعك .. وعد؟ " هزت رأسها وقالت له بكل حب
"وعد".
***
"يا صافي من فضلك كفاية خروج بقي!" كان يتحدث في سماعه الهاتف ويقود إلي منزله وها هو يتحدث معها للمرة المليون دون مبالغة عن كثرة خروجها مع أصدقائها, تنهد بأسي وهو يقول " أنا مروح وتعبان هكلمك لما أوصل ".
دخل بالسيارة عابرا الحديقة الصغيرة للمنزل ودلف إلي مكان ركن السيارة وأطفأها وتنهد مطولا مرة أخري ووضع رأسه علي المقود يفكر بحاله مع صافي التي لا تكتفي من الملابس والخروج والأصدقاء والهدايا ورغم كل ذلك يحبها بل ويعشقها ولا يستطيع أن يرفض لها طلب, غفي علي المقود قليلا من كثرة إرهاقه وهو يفكر بكارثة حسابه البنكي لكنه انتفض فجأة عندما سمع صوت الهاتف, وعندما رأي الاسم الذي علي الشاشة ضرب رأسه بكفه وتأوه لهذه الحركة التي زادت من حدة صداعه.
كلمه واحدة سمعها منها وهي تقولها باقتضاب بالغ "اطلع" "حاضر يا ...." وأغلقت الخط قبل أن يكمل, فتنهد بآسي "ست الحبايب" .
خرج من السيارة وصعد السلم بدل المصعد كي يفق قليلا , لم يصعد سوى طابق واحد ووجد باب المنزل مفتوح , كان يعلم تمام العلم أن والدته هي من فتحه وها هي أمامه الآن تعقد يدها فوق صدرها ووجهها لا يبدوا عليه أي ملامح تبشر بالخير, إنه يشتم رائحة العاصفة!.
هرع نحوها وقبل رأسها وهو يحتضنها بيديه "حبيبه قلبي يا لوزا وحشيتني موت يا بطه" وداعب خدها بقبله مفرقعه, تقززت منه وضربته علي يده ورغم عنها عندما التفتت بوجهها ابتسمت.
" بلاش شغل النصب بتاعك ده ادخل " وأشارت له بالدخول.
***
وبمكان أخر علي ضفاف البحر جلس شاب بالسادسة والعشرين من عمرة مع شله أصدقاء له يرقصون بمرح علي وقع أنغام الموسيقي أثناء طلبهم لأحدي المشروبات المنعشة يضحكون علي صديق لهم يرتدي مثلهم رداء البحر عاري الصدر فقط يضع قميص خفيف صيفي مفتوح يتلاعب به الهواء فلا يداري من جذعه شيء، أتي يرقص بمرح صاخب للغاية ثم ارتمي علي صديقة "كسبت الرهان يا مان .. لعـــــــيب" أخذ يقولها بصوت عالي للغاية حتى ضحك الجميع وبشدة عليهم ليمسح الشاب كتفه بكبر طبعا يا ابني "أنا مش أي حد أنا محمد شهاب الدين" صفق أصدقائه بمرح بالغ يصفقون بشدة وهرج "يا ميدو يا جـــــــــامد" رفع الكأس الخاص به فخور بأولي غزواته لكنه حالما رأي الاسم الذي ظهر علي هاتفة كاد أن يبصق المشروب من فمه وتنحنح وذهب عن أصدقائه بعيدا كي يجيب علي أخيه الأكبر!.
***
داعبت انفه رائحة محشي ورق العنب ودجاج مشوي كان يعشقه من والدته , رأته وهو يشم بتلذذ الرائحة " اتغديت " قالتها باقتضاب شديد .
تنحنح وقال وهو يبحث في الشقة عن أي احد كي لا يكون في ورطته وحده , "يعني حاجه علي خفيف كده" "طيب ادخل جوا الأكل هيتحط الوقتي" "أمرك يا ست الكل"، همهمت بسخط وهي مبتعدة عنة "بتسمع الكلام أوي! ".
مساحه المنزل الخاص بالعائلة كانت كبيرة والمنزل مكون من ستة طوابق وكل دور به شقتان والشقة الواحدة مكونه من طابقين " دوبلكس " .
ذهب إلي غرفه الطعام حيث سفرة كبيرة مكونة من اثني عشره كرسي, كانت والدته تضع الطعام مع الخادمة حينها نزل والده من علي السلم واتجه نحوه, ورغم انه بدل ملابسه وشكله أصبح مريح أكثر في هذا الزى الرياضي إلا أن وجهه الجامد لم يختلف كثيرا عن والدته.
جلس علي رأس الطاولة وقال بهدوء " تعالي يا حسام" وأشار له بالجلوس إلي يمينه.
انتهت الخادمة من وضع الطعام ووضعت الوالدة الدواء أمام أبيه وسكبت كأس من الماء وقالت وهي تنظر بغضب نحو حسام
" دوا الضغط يا شهاب " .
ابتلعه وربت علي يدها بحنان " شكرا يا حبيبتي", نظر بآسي إلي حب والده لوالدته انه يحب زوجته لكنها لم تقف معه إلي الآن ولو لمرة واحدة.
لقد أصيب مرة ببرد شديد وكل ما فعلته هي؟! عصرت له كوب ليمون وناولته إياه, وعندما قال لها "تعالي في حضني يا صافي وحشتيني" ضحكت مقهقه "في حضنك وش كده! يعني أخد الدور المتين ده, طب يرضيك اطلع شرم وأنا ملفوفة في بطانية زيك, لا يا حبيبي انا هنام بره انهاردة أنا مش مستغنيه عن نفسي" وخرجت وأغلقت الباب وسط دهشته .
أفاق من تخيلاته عندما وضعت والدته الطعام أمامه شعر بجوع مفاجئ فوالدته لها خبره جبارة في مجال الطعام واخذ يأكل بتلذذ ونهم شديد مصدرا تأوهات سعادة بالغه و كلا من والده ووالدته يشاهدونه مستغربين .
علق والده بسخرية " متكولش نص بطن كل براحتك الخير كتير ", نظر له وضحك " متقلقش يا حج أنا ناوي اخفف " ثم أردف بعد أن بلع إصبع ملفوف " هسيب لك, هسيب لك " .
قالت والدته بتهكم " هتخفف ليه؟ السنيورة طالما اتأخرت كده يبقي ادغدت مع أصحابها ومعتقدش أنها هاتيجي تطبخ لك الوقتي، اه صحيح نسيت دي مش بتطبخ !" .
تنهد بآسي ورمي ملعقته في الطبق وبصوت حانق " أبوس أيدك يا ماما أنا مش قادر" ثم أردف وهو يهم بالوقوف "أنا طالع "خبط والده علي الطاولة " والله عال بتعلي صوتك علي أمك وأنا أعد؟! ".
دخل شاب طويل علي هذا المشهد وقال بتهكم "إيه جو ليالي الحلمية ده؟! " وقبل رأس أمه ورأس والده, ثم ضرب كفه بكف حسام وتناول إصبع بيده دافعا أمه إلي التذمر "روح اغسل أيدك وتعالي كل زي الناس", أكمل طعامه وهو يداعبها "حاضر يا لولو يا جميلة, أمال فين أحمد؟ ".
تنهدت والدته بآسي " لسه مش عاوز ينزل ومش راضي ياكل خالص يا عبد الرحمن"
"لاااا بقي كده, طيب اعملي ليا طبق علي ذوقك وهاتي شوكتين وأنا هطلع أكل معاه بس بسرعة أحسن واقع من الجوع " .
جهزته بسرعة وناولته إياه, أخذه وأخذ كوب العصير والتف حول الطاولة كي يهمس في أذن أخيه قبل صعوده السلم "أبوك عرف" وتركه.
ناداه حسام بصوت عالي يرجوه "طب بقولك.. متسبنيش لوحدي! .. يا عبده!!", لم يعره أخوة أي انتباه, وعندما وصل إلي أخر السلم صاح قائلا "مع نفسك".
" اعد وبلاش دلع " لقد كانت نظره والده ولهجته محذرة فجلس علي الفور .
شبك والده كلا من يديه أمامه علي طاولة الطعام وبدأ الاستجواب
" الفلوس اللي في حسابك راحت فين كلها تبخرت؟! , صارف في اقل من شهرين بس 650 ألف جنية, اقدر اعرف راحوا فين والشهر التاني فاضل عليه عشر أيام؟! " .
تمتم بحرج بالغ وتردد ووجه متورد "ما هو يا بابا جددت عربيه صافي عشان إيه .. كانت ب .. تعطل وشوية حاجات كده بقي".
"عربيه صافي!! قولت لي اه عربيه صافي اللي مكملتش سنة يا أستاذ حسام لحقت تعطل وتزهقوا؟!", كانت والدته تشعر بالمرارة من زوجه ابنها التي تعتبره بنك مركزي وليس زوج كل ما تهتم له هو كيفيه سحب المال منه وهذا الأخير كان يصدق ترهاتها حول الحب والعيش بحرية, وان الشباب لا يدوم طويلا, وان المال خلق لنستمتع به لا ليوضع في البنوك.
قال والده بحنق "أنا عارف انك مش هترد ومع ذلك سألتك علي أمل انك تقولي شاركت في عقار أو استثمرتهم في حاجه مفيدة بس مش مشكله" وطرق بإصبعه مرتين علي الطاولة وتمتم بحزم "الأسهم ونصيبك أتوقف " .
دهش حسام عندما سمع تصريحات والده هذه, وفي تلك الأثناء دخلت فتاة رشيقة جميلة تزين وجهها بعناية شديدة وترتدي قميص دون أكمام وسروال غاية في الضيق يبرز أسفل خصرها بشكل مثير للغاية.
قالت وهي تعلم قبل أن تلتفت لها حماتها رأيها في ملابسها " هاي يا جماعه ازيكو " وذهبت لتقبل جبين زوجها " أزيك يا حبيبي وحشتني" ثم جلست إلي جواره.
"كلي يا حببتي إحنا لسه اعدين " تمتمت والدة حسام بهدوء.
"لا مرسي يا طنط انا ادغديت بره مع أصحابي ومليش في المحشي والجو ده" ثم التفتت إلي زوجها تعيد خصلة من شعره إلي الوراء وقالت له بميوعه مبالغ فيها" مش يالا يا بيبي عشان عندنا عيد ميلاد بالليل ولا نسيت " .
اسند رأسه إلي يده بتعب فهو يعلم أن موقفه متهالك أمام والده لا محالة وها هي تزيد من الطين بله.
***
_ دخل عبد الرحمن علي أخيه وأغلق الباب بقدمه وأشعل النور
"أخرج يا عبد الرحمن" قالها أحمد بصوت هادئ حزين وهو يجلس علي كرسي وثير أمام شرفه غرفته ثم أردف "وخد الأكل معاك .
سأله عبد الرحمن بسخط "مقفل الأوضه كده ليه؟".
تهكم أخيه بسخرية وانفرج عن ثغره ضحكه مريرة "وهتفرق حاجه يا عبد الرحمن؟", وضع العصير و الطبق من يده وذهب وفتح الشرفة وهو ينظر بآسي إلي حال أخيه لكنه أراد مداعبته فجلس بعنف قبالته علي السرير وضرب بكفه علي ركبه أخاه وقال ضاحكا " والله يا أخي أنت شكلك بتشوف وبتشتغلنا كلنا".
لم يجد أي أجابه من وجه أخيه فأردف "أنت عرفت أزاي إن اللي دخل أنا وكمان عرفت إن معايا أكل طب قولي معايا إيه كمان وأنا امشي واسيبك" , جاوب أحمد ب اقتضاب وملل "عصير واقفل البلكونة واخرج بقي يا عبد الرحمن!".
صفق عبد الرحمن بيده وسأله بعبث " لا وربنا لازم اعرف أنت بتعمل كده أزاي انا مش هسكت إلا لما اعرف " قال أحمد بحنق " يا أخي ريحتك فايحه من ساعة ما طلعت السلم واكل أمك فضيحة لوحدة وسمعتك وأنت بترزع الكباية " .
امسك عبد الرحمن وجه أخيه واخذ يعبث فيه ويلكمه علي انفه ويدغدغ بطنه ولم يترك أحمد إلا وقد كان ضاحك وباسم " وحياه أمك يا أحمد كل معايا الطبق ده أمك زعلانه تحت ذنبها إيه الغلبانة وأنا هموت من الجوع حرام عليك حس بينا يحس بيك ربنا يا أخي" , لوح أحمد بملل في الهواء لأخيه "أنت ها تشحت قوم أتنيل جيب الأكل وخلصني خليني ارتاح منك!".
رفع عبد الرحمن حاجبه الأيمن متعجب " إيه ده وأنا اللي قولت هتحايل عليه ساعة!" , تراجعت نبرة أحمد الهجومية" بصراحة ريحه المحشي خلتني أتراجع مش عشان خاطر سعادتك " امسك عبد الرحمن بالطبق وغرز الشوكة وناولها لأخوة .
فسأله أحمد بعبث بعد أن أصبح أفضل حال من مداعبات صديق عمره وأخوة "إيه ده .. هو أنت مش هتأكلني في بوقي!", أستنكر أخيه منه" فاكر نفسك مراتي ياض ولا إيه؟" ثم أردف بعد أن تناول كميه كبيره من الطعام " حبيبه بقي وكده " قال أحمد وهو يبتسم لا يا باشا وإحنا نطول" وضحك الاثنان وهم يأكلون.
"أخوك بيتغسل تحت" "حسام!" قال وهو يهز رأسه"اها"
حشر عبد الرحمن طعام في فم أخيه فابتلعه بصعوبة وسأل
"عمل إيه تاني أو الأصح صافي عملت إيه تاني" "حسابه الشخصي شطب تاني", تأفف أحمد "يا أخي الستات دول إيه هما فاكرينا بنكنوت وفسح بس ومحدش عاوز يحب جوزه ويخاف عليه ".
لمس عبد الرحمن مرارة أخيه وقال "لا يا أحمد في ستات كويسه برده ماما اهه قدامك بميت راجل عمرها ما أتخلت عن بابا الدنيا فيها الكويس وفيها الوحش وأحمد ربنا يا أحمد عشان أنت عرفت مروة من أولها بدل ما تتورط زي حسام", زمجر أحمد " لو سمحت معتش تجيب سيرتها تاني " .
وضع عبد الرحمن الطبق بجوار العصير ثم أعطي الكوب إلي أخيه وارتشف منه عده رشفات ثم أعاده إلي عبد الرحمن كان يريد أن يهدئ بال أخيه لكن ما سوف يخبره به الآن يوتره هو شخصيا فبلع رشفه كبيره من الكوب كي يحصل علي بعض الشجاعة.
"بص يا أحمد أنا عارف انو مش وقته بس لما تعرف مني أحسن" ازدرد لعابه ثم أكمل وهو مطرق إلي الأرض بآسي "مروة أتجوزت أمبارح وسافروا أنهارده علي ماليزيا ومنها علي أمريكا وهتعيش هناك".
وقف أحمد ويده المرتعشة تبحث عن العصا خاصته والذهول بادي علي وجهه يحدث نفسه ألن تندم علي تركي هكذا؟ ألن تعود؟ ذهبت بغير عودة ؟!، شريط مرير من الذكريات يمر أمام عينه لكن مهلا لم يكن مرير من قبل بل كانت أحلي أيام حياته وقت أن سقط في بحر هواها أجمل فتاة رآها من قبل لم تكن هناك فتاة بنقاء بشرتها وطول شعرها الأسود الغزير اللامع، لم تكن هناك لامرأة ضحكتها الرائعة ولم تكن هناك من هي بخستها حين تركته مهشم عاجز كفيف لأنها فقط لا تستطيع المتابعة!،
لم يستطع تصديق الأمر ولكنه قرر نفضها نهائيا من حياته, فقال لعبد الرحمن بهدوء " الخاين ما يتبكيش عليه خلينا ننزل تحت".
قرر دفن ألامه وحبه لها بغير رجعه والعودة إلي الحياة الآن فكل شيء وكل حلم أصبح من الماضي, ولن يعذب والديه وإخوته أكثر من ذلك فات الأوان علي أن يمني نفسه بشيء لقد ذهبت بغير عوده, ففي الصباح سوف يكون العاقل الهادئ وفي المساء حيث يغلفه ظلام الليل حول ظلام عالمه الصغير سوف يستسلم ليأسه.
ربت عبد الرحمن بحب وقوة علي ظهر أخيه وضمه إليه " جدع يا أحمد أنت طلعت أجمد مما كنت متصورك بكره تتجوز ست ستها وتبقي اسعد واحد في الدنيا" , ابتسم بوهن ومد يده يبحث عن عصاه وقال " خلينا ننزل بقي أحسن من الأعده هنا لوحدنا لما نشوف حسام هيعمل إيه".
وأثناء نزوله علي السلم مع أخيه قال هامسا لعبد الرحمن بحزن "تعرف إن صافي مطلعتش تسال عليا ولا مرة رغم إننا كنا أصحاب" ربت عبد الرحمن علي ذراع أخيه " ولا يهمك البت دي مش هتعمر مع أخوك حسام وعلم علي كلامي".
أصبحت الأصوات واضحة الآن ولم يكن من العسير معرفه المشكلة القائمة بينهم.
صافي بحده " ليه بس كده يا عمي هو حسام عمل إيه عشان كل ده؟!"
" عمل ايه؟ أنت صارف حسابك كله في اقل من شهرين ومراتبك وواخد 250 ألف من حساب الشغل داخل علي مليون جنيه مصاريف في شهرين كل ده ومعملش حاجه يا صافي!" سألتها والده حسام بتعجب, ارتبكت صافي ثم أردفت" إحنا بس عشان العربية وكمان سافرنا كذا مره لكن بقيه مصارفنا عاديه يعني يا طنط زي كل الناس" , استنكرت والدته بشدة "والله هاتي ليا حد تعرفيه بيصرف مبلغ زي ده في شهر!", هبت واقفة
" قصدك إيه يعني يا طنط إني مش من المستوي بتاعكو بس أنا اعرف ناس بتصرف اكتر مني بكتير" "مين دول؟ ثم تعالي هنا فين حق بيتك يا بنتي؟ فين جوزك اللي بتهتمي بيه؟!!, ده علي طول تعبان من السهر والخروج وقله الأكل وبدل ما يجي من الشغل يرتاح ويأكل عشان يعرف يروح شغله اليوم اللي بعده يسهر للصبح برة كل يوم!!".
جلس أحمد وعبد الرحمن علي الطاولة لكن لم ينتبه لهم أحد.
صاحت بزوجها "سامع يا حسام مامتك بتقول إيه أزاي تسمح لها تتدخل كده في حياتنا, أنت وعدتني قبل الجواز لما نسكن هنا محدش له دعوة بينا ... " وقبل أن تكمل انتفض حسام وصاح بها كما لم يفعل قط
"كفاية بقي واحترمي نفسك وأنتي ب تتكلمي مع ماما اكتر من كده فاهمه ولا لاء؟" أتسعت حدقتيها بشدة "أنت بتزعق ليا .. وقدامهم!" وأشارت بيدها علي الجالسين وكأنهم تماثيل حجريه لا حياه فيها وهمت بالذهاب إلا إن السيد شهاب وقف وقال لها " استني يا صافي من فضلك ".
صاحت "أنا مش هعد عشان اتهزق أكتر من كده" وهمت بالذهاب إلا أن زوجها امسكها من معصمها وأجلسها بالقوة وزمجر وهو مكشر عن أسنانه بغيظ لم يسبق له مثيل " لما بابا يقولك استني يبقي تستني فاهمه ولا لاء ".
جلست رغم عنها ودموعها تتساقط فهي لأول مره تري الغضب والمعاملة السيئة من زوجها ورغم قله ذوقها "اللامتناهية" إلا أن الأسرة كانت مشفقة عليها وعلي دموعها.
تحدث والده بجدية "نسبتك من هنا ورايح موقوفة حتى علي المشاريع الخاصة ومعدش ليك دخل في حساب شخصي ليك راتب كل شهر 6 ألاف جنيه" قاطعه حسام "بس يا بابا أنا راتبي 12 ألف" "ده كان زمان أيام ما كنت بتشتغل الوقتي أنت بتروح الشغل الساعة 12 وبتروح أربع ساعات بس غير اللغبطه في الحسابات والهرجلة اللي بقت في شغلك لو انتظمت هترجع لراتبك الأصلي ولو ما انتظمتش مفيش شغل عندي ليك, اه وهات مفاتيح عربيتك" ناوله إياها وهو مصدوم من قرارات والده كيف له أن يعيش بستة ألاف جنيه في الشهر خصوصا مع زوجه مثل زوجته!.
"تقدر تتفضل أنت ومراتك علي شقتكوا" تمتمت بتهكم شديد "ليه؟ما تسحبها هي كمان يا عمي".
لم تعي ما حدث بعد ذلك سوي إنها شعرت بحرارة شديدة علي وجهها لقد لطمها زوجها لطمه قوية أصابتها بالدهشة, وصوت صياح زوجها بها بعد أن امسك عبد الرحمن بكلتا يديه وهو يخبرها بأن تصمت.
صعدت إلي شقتها وهي راكضه والدموع لا تفارق وجهها والوعيد لا يفارق لسانها ... .
***
نهاية الفصل
لما الحب صعب؟
ولما لا تنتهي القصص الحقيقية مثل الأفلام والروايات بالسعادة الأبدية والكثير من الأولاد والبنات
هل الزواج نهاية المشاكل ؟
أم مقبرة للحب , أم بداية صراع أخر من نوع جديد .
هل الإيمان بالتغير نقمه أم نعمه ؟
أم علينا القبول بفرضيه أن الشخص هكذا ولن يتغير ولن يحدث شيء سواء بعد أو قبل الزواج .
ولكن أليس هذا يأس!, ومناهض لقوانين الطبيعة التي تحث علي التغير والتقدم , حسنا لم اعد أعي أي شيء , فانا .......
" حائر "
الرواية هتنزل من فصلين ل ثلاث فصول أسبوعياً بإذن الله اتمني تنال اعجابكم وبمجرد ما الجزء الأول يخلص هيتم نشر الجزء الثاني من مذكرات حائر بإذن الله
دمتم سالمين 😊
أنت تقرأ
مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر
Romance_ خلعت الدبلة وخاتم الزواج كي تنظف الأطباق , أنهم لا يعنوا أي شيء لها ولكنها تخشي أن تغضبه ولا تريد إعطاءه فرصة كي يؤلمها مرة أخري, لكنها نسيتهم بالمطبخ تلك الليلة وصعدت الي غرفتها, وحينما رآهم وهو يشرب جن جنونه, صعد وطرق الباب بعنف فتحت له الباب وك...