الفصل الحادي عشر "قبلة محرمة"

10.1K 302 11
                                    

الفصل الحادي عشر
"قبله محرمـــــــة"


_ خرجت واسندت راسي علي الجدار وشعرت براحه كبيرة ، أخرجت السلسال من جيبي وقبلته لقد كانت ترتديه عندما فقدت الوعي واعطته إياه الممرضة مع حليها الأخرى.
وجد الطبيب وأطمئن عليها واخبرهم بأن عليها المكوس لثلاثة أيام قبل أن تذهب إلي المنزل كي يطمئنوا علي حالتها.
ذهب الطبيب وظل هو يراقبها أثناء نومها ويري أن كان تنفسها هادئ وعادي
" ارتاحي حضرتك يا طنط الوقتي هي خلاص نامت أنا هنزل الكافتيريا أجيب قهوة وهطل عليها كل شويا لازم تنامي وترتاحي بكره يوم طويل وأكيد هتحتاجك "
" وأنت يا بني مش هترتاح " " انا متعود أعد ب التلات أيام من غير نوم متشغليش بالك بيا " .
صعدت والده سارة علي السرير المقابل لها بعد أن قبلت ابنتها النائمة وتركها هو وأغلق الباب بهدوء واتجه الي الكافيتريا وهو يفكر بما حدث معه اليوم وكيف شعر بأن كل شيء في هذا العالم لا يوجد له أي قيمه بدون وجودها فيه، وكأن الشمس لن تشرق مرة أخري، والهواء رفض أن يدخل الي رئتيه، منذ أن التقطها من علي السلم وانقذها من سقطه مروعة، وبعد أن غابت عن الوعي وسقطت من يدها علبه دواء لم يكن يفكر بأي شيء سوي أنه حملها وطار بها إلي الخارج وسط دهشة والدته وتسأل أخيه ، لم يعرف كيف اجلسها بالسيارة علي حجر والدته وكيف طار الي المشفى وحملها مره آخري إلي الاستقبال ، لقد حضنها أجل ضمها بشدة إلي صدرة لقد خطف هذا الحضن ووالدته مشغولة بأخيه أحمد تنزله من السيارة ، وضعها علي السرير المتحرك  وهرع بها مع الممرضة إلي غرفة الكشف ، فتحت عينيها شعر بالأمل والحياة تدب في اوصاله مره أخري ، أجل انها الحياة في عينيها ولكن سرعان ما انطفئت وغابت هي عن الوعي وغاب هو عن الحياة.
سلمته الممرضة أغراضها بعد أن أعدتها للكشف ، وعندما سأل الطبيب بلهفه عن حالها " اشتباه في زايدة بس لازم شويه اشعه ونقرر " وبعدها علم بأن الزائدة ملتهبة للغاية وأن العملية بها بعض الخطورة ولابد وأن يمضي أحدهم إقرار ما ، هنا و هنا فقط تذكر أحمد أخوة الجالس بتوتر شديد وأنه هو من يجب ان يكون واقف مع الطبيب الآن لا هو.
كانت أمه تنظر له بارتياب شديد لقد لفت الأنظار إلي وجهه دون أن يقصد ، أستأذن وأخبر الطبيب أن زوجها هو القابع هناك وأشار ناحيه أمه وأحمد وهرع نحو الحمام وأغلق الباب بشدة ، كان يشعر بحنق شديد لأنه لا يستطيع أن يظهر قلقه أمام أحد ، أمسك رأسه بكلتا يديه "يا اللهي حتي الألم لا أستطيع إظهاره أيه حياه تعسه هذهِ التي أحياها" ، غسل وجهه عليه تبرير هلعه هذا أمام والدته وإلا سوف يهدم المنزل ويسقط المعبد فوق رأسه.
خرج سريعاً نحو أمه قبل أن تبدأ أي شكوك بالظهور واتجه نحو أحمد القلق وطيب خاطرة " خير يا أحمد متقلقش " ثم نظر نحو والدته كان وجهها جامد نوعاً ما ، رغم أنها تطيب خاطر أحمد قال بصوت حاول أن يكون هادئ " الحمد لله إنها زايدة ، كويس إنها جيت علي قد كده " ونظر الي الأرض وهو يزفر الهواء بشدة ويضع يده في جيبه كي لا تري أمه كم هو مرتبك بينما قالت هي بجمود " أنت قلبك خفيف كده ليه انهاردة يا عبد الرحمن؟ " " اصلك مشوفتيش اللي شوفته " واشاح بوجهه بعيداً عنها فهو لا يستطيع أن الكذب وهو ينظر في عيناها .
سأل أحمد بلفه " إيه اللي حصل يا عبد الرحمن أحكي؟! " " لما روحت أجيب التاب لقيتها واقفه علي أول السلم لو مكنتش لحقتها كانت وقعت الدور كله ربنا ستر والله يا ماما يا عالم كان إيه اللي حصل وقتها
  شهقت السيدة نور " يعني أنت حبتها من علي السلم ! " " أيوة وكان في ايدها حبوب واضح انها تعبانة من فترة ، مراتك عناديه أوي يا أحمد كانت تقول أنها تعبانة " تلاحقت أنفاس أحمد " يا خبر يا ماما تخيلي لو كانت وقعت ! " ربتت علي صدرها بحركة أموميه " الحمد لله يا أحمد الحمد لله " " انا مش قلقان من العملية أي حد بيعملها انا بس كنت متوتر ، لو مكنتش ماما سالتني وطلعت اجب التاب كانت وقعت ومحدش حس بيها " حاول قول ذلك ببرودة علي قدر ما يستطيع .
عضت السيدة نور شفتاها " قدر ولطف الحمد لله ، كفاية يا عبد الرحمن كفاية " لقد أزاح الشك من قلب أمه وكي يؤكد علي ذلك أصطنع لا مبالاة أخري " أنا هنزل أجيب حاجه تشربها يا أحمد ان شاء الله هتبقي كويسة ، ماما أتصلي بطنط لازم يعرفوا " " اها طبعا " " مش هتأخر أجبلك حاجه من تحت " هزت رأسها نافية ، هرب من امامهم والقلق يعصف برأسه وقف وسط الكافتيريا ولم يعي لمَ هو هنا؟!! ، أه اجل من اجل احضار مشروب أمسك بالسلسال وقبله  ودعا الله من كل قلبه ان تصبح بخير وانه لا يريد أي شيء أخر غير ذلك ، انه يريدها بخير
فقط  ...... .
***
_ بعد حوالي النصف ساعة أمتلئ الممر أمام حجرتها بكل من العائلتين ، أرادت أمل وآية والسيدة وفاء توديعها بشدة ولكنها كانت غائبه عن الوعي دخلوا مع الممرضة كي يساعدوها علي تبديل ملابسها وارتداء زي العمليات والبكاء لا يفارقهم ، خرجت علي السرير المتحرك أمامهم جميعا شعر بقلبة يقفز من صدره لرؤيتها هكذا ممددة ووجهها شاحب والله وحده يعلم ما هو مصيرها ، أوقفهم والدها وقبل رأسها وتمتم بعدة كلمات في أذنها يبدو أنه كان يستودعها الله ، كذلك والدته أوقفت أحمد وناولته يد سارة حسب ما طلب وانخفض وقبلها وتمتم لها بعده كلمات هو الأخر ، الجميع ودعها تقريبا بينما هو ظل ساكن عازم كل العزم علي ألا يصدر أي حركه او فعل يدعو للتوتر وشعر بالقهر لأنه لا يستطيع توديعها هو الأخر .
مرت ساعة ونصف أنها أطول من الفترة المطلوبة وبدا القلق يأكله هو والحاضرين كلهم ، وازدادت شهقات وبكاء كل من أمل وآية حاول كل من حسام ومحمد اخذهم الي الكافتيريا لشرب شيء ما يهديهم ولكن الأثنين رفضوا التحرك من امام غرفة العمليات وما بين الدعاء والبكاء خرجت سارة بعد ساعة أخري مرت كالدهر كله ، حاول الوقوف الي جانب أخيه أحمد الذي تأكله الندم وفاض به " قالت لي انها تعبانة وانا مسمعتهاش " كان يشعر بغضب عارم من نفسه وارتعب اخوته وامه من ان تأتيه نوبه غضب امام والد سارة حاول عبد الرحمن وحسام تهدئته واجلسوه ونزعوا العصا من يده ، ولكنه لم يشعر بخير إلا بعد الكلمات التي قالها السيد شاكر " أهدي يا أحمد وادعي لها ، احنا كنا معاها في نفس البيت ومحسناش بيها ، هي مش بتحب تقول انها تعبانة عشان مبتحبش تضايق حد " حفرت الكلمات في عقل عبد الرحمن ، خرجت سارة وسط جمهرة كل من العائلتين الذين لم يعطوا أي انتباه لأي من الممرضات اللاتي اخبرنهم  أكثر من مرة بان عددهم كبير للغاية ، ولم
"تحل عنهم" إلا بعد أن اعطاها محمد مبلغ محترم كي تكف عن التذمر.
ما مزق قلبه هو الـتأوهات التي تصدر رغم عنها والدموع والكلمات المبهمة التي ظلت تتمتم بها أثناء عملية الإفاقة من آثار التخدير ظلت علي هذه الحالة حوالي الساعة بعد العملية ، لم يستطع والدها رؤيتها هكذا وخرج خارج الغرفة ومعه السيد شهاب أما أحمد فقد وجد كرسي الي جانبها وامسك بيدها وحاول تهدئتها .
" اهدي يا أحمد هي مش حاسة بحاجه دي هلوسه من البنج يا حبيبي" ، هكذا حاولت السيدة نور  تهدئته ولاكن هيهات لم يستطع قلب عبد الرحمن الاستماع الي أي مما قالته قط ،  فقط ظل قلبه يتمزق لآلمها ودموعها ، احني أحمد راسه علي يدها يقبلها ووضع جبينه عليها وظل هكذا طويلا ، هل لهذا استكانت ؟ أم أنها احدي الأدوية التي رشقتها بها أحدي الممرضات منذ قليل لم يعلم السبب، عندما هدأت هدأ أحمد وكذلك أمها واخوتها .
حل المساء وتوجب علي الجميع الذهاب الي المنزل ، قال حسام لأمل " احنا هنعدي ناخدكوا بكرة أنتِ وآية علي معاد الزيارة " دون ان تنظر له " مفيش داعي للتعب إحنا هنيجي مع بابا " هز كتفيه " علي راحتك " لما تتجنبه هكذا؟ شعر بالغرابة ولكن هذا ليس وقت التفكير ، لم ترد أي من عائلتها الذهاب للمنزل وتركها وكذلك أحمد كان مصر علي أن يظل معها ، وبعد مفاوضات عده أقنع عبد الرحمن السيد شاكر بضرورة العودة الي المنزل مع أمل وأية وفارس ولا يجب للفتيات أن تبيت وحدها بالشقة وإذا كان السيد شاكر مصر علي البقاء فعلي عبد الرحمن أن يصحبهم معه كي لا يبيتوا وحدهم ، وكذلك اقنع السيد شهاب أحمد بأن لا ضرورة له اليوم الي جانب سارة " أنت تعبان يا أحمد لازم ترتاح بكرة سارة هتقوم وهتبقي محتاجه ليك ومش هتقدر تعد معاها " لم يقتنع إلا بعد أن اخبره عبد الرحمن بأنه سوف يظل مع السيدة وفاء ولن يتركهم أبدا .
هدأ الجو بعد ذهاب الجميع وجلس علي الكرسي أمامها وخلفة باب الغرفة تقريبا وعلي السرير المقابل لها جلست الوالدة تقرأ لها بعض الآيات القرآنية وتدعوا الله بأن تتحسن حالتها ، وها هي بعد ساعات طوال تفيق نومها كي تحي قلبه هو الآخر .
_ عندما رجع الي الغرفة كانت السيدة وفاء غطت بالنوم لقد كان يوم مرهق ومشحون بالقلق بالنسبة لها ، راقب تنفسها ووجهها بعناية شديدة وأقترب بالكرسي منها أنها نائمه لا محاله نظر نحو السيدة وفاء وتأكد من نومها وأخفض رأسه وقبل يدها قبلة طويلة معذبة وأحتضن كفها بكلتا يدية أراد أن يظل هكذا الي الأبد  كي يطمئن باله القلق عليها ولكنه لم يكن يرد أن ينتهك حرمتها ترك يدها علي مضض بعد ان طبع قبله أخري عليها ، أسند رأسه علي الكرسي الوثير وظل ينظر لها ويقاوم رغبة ملحه في أن يضمها إلية ، حدثة شيطانة .
" انت هتموت من القلق عليها لو حضنتها الوقتي هترتاح ، خدها في صدرك خليها تحس بالأمان معاك " أرتبك كثيرا وخطف نظرة نحو والدتها النائمة ووقف واقترب منها وانحني فوقها وضمها الي صدرة وبالفعل شعر براحه غريبه تعتليه قبل رأسها وعندما نظر الي وجهها نظرت له هي الأخرى دب الذعر فيه وتركها علي مضض ولكنها لم تكن خائفة منه بل همست بكل هدوء له " أنا حلمت بيك أنت اللي أنقذتني مش كده؟ " تلاحقت أنفاسه وأزدرد لعابة بصعوبه أنها حقا بين يدية ولا يبدوا عليها الذعر ، شعر برغبه ملحه في تقبليها وضمها مرة أخري الي صدرة انحني فوقها وقد اعتزم علي أن يروي ظمأة منها في قبله طويلة ولكنه فوجئ بيد علي كتفه والتفت فجأة ليجد نفسة يجلس علي الكرسي ونور الصباح يملئ الغرفة والسيدة وفاء ليست موجوده نظر لها بسرعة وجدها تبتسم له .
" اللي ينام النومة دي لازم يحلم بكوابيس " فرك وجهه واعتدل في جلسته وقال لها بهدوء " لا أبدا مش كابوس ولا حاجه ، ده حلم جميل " وتنهد وهو يتأملها " صباح الخير " ضحك لها " صباح النور عاملة إيه الوقتي؟ " " احسن الحمد لله "
" طنط فين ؟ " " مش عارفة خرجت من شويا " اقترب منها قليلا وهو يبتسم لها " أنتِ فعلا احسن بكتير الوقتي " " متشكرة اوي يا ابيه " " علي ايه بس؟! " " ماما قالت لي انت عملت معايا إيه امبارح مش عارف اقولك ايه بصراحة " " متقوليش حاجه مش لو انا محتاج حاجه هتوقفي معايا " قالت بسرعة " اكيد " ابتسم لها " طيب يعني انا معملتش حاجه غريبة أهه " دخلت السيدة وفاء ومعها عصائر لسارة .
" صباح الخير يا عبد الرحمن " " كده يا طنط كنتي قولي لي وانا انزل " " يا حبيبي كتر خيرك وبعدين انا قولت أمشي رجلي شويا ، يالا اشرب حاجه انت من امبارح ملكتش حاجه ، اخذ منها العصير ولكنه وضع الماصة واعطاه لسارة اولا شكرته ثم شرب هو ، كان يساعدها بأي شيء واخذ يسليها هي والسيدة وفاء بالحديث استمتع معهم كثيرا وهم أيضا .
عضت علي شفتيها وهي تضحك " حرام يا ابيه كفاية بقي الجرح بيوجعني لما بضحك " " خلا ص خلاص احكيلك حاجه بتزعل احسن " " لا بعد الشر سيبك منها يا عبد الرحمن دي بتدلع " " ماشي يا ماما انا بدلع بردو " ظل هكذا طوال فترة الصباح وحتي الظهر لم تساعدها والدتها بأي شيء سوي الذهاب الي الحمام ولم يكن يجعل السيدة وفاء تتحرك من مكانها ، وعند الظهر بدأت الاتصالات تنهال عليهم والكل يريد ان يطمئن علي حالها خاصة أحمد ، اخذ الهاتف من يد سارة " اقفل يالا عشان الكلام بيتعبها أبقي أرغي زي ما انت عاوز لما تيجي " اما السيدة وفاء فكانت تنهر امل بخصوص شيء ما ، واغلقت الهاتف بعصبية " بوظوا الأكل معرفش أعتمد عليهم في حاجه خالص " " أوف حرام ده انا جعانه خالص " قال عبد الرحمن بسرعة " أنزل أجبلك اكل حالا متعصبيش نفسك يا طنط " " لا يا عبد الرحمن مينفعش وهي تعبانة كده تاكل أي حاجه أنا شكلي هروح ليهم أعمل الأكل وأجي ، معلش يا عبد الرحمن أنا عارفة اني تقلت عليك بس سارة عمرها ما هتاكل أكل المستشفى " " لا أبدا أنا أعد هنا مش ماشي غير لما هي تخرج بالسلامة " "ربنا يخليك يا بني " " ماما من فضلك جبيلي هدوم معاكي " " حاضر يا حببتي  متقلقيش " قبلتها وذهبت وهي مكرهة .
ترك باب الغرفة مفتوح وعاد للكرسي الذي كان يجلس عليه ووضعت هي يدها علي رقبتها لا إراديا فلم تجد أي شيء وعلي شعرها لم يكن هناك سوي غطاء الرأس الخاص بالعمليات الخفيف كيف لم تنتبه! .
" ابيه ممكن الطرحة بتعتي " " أه طبعا " فتح الدولاب وأخرجها وناولها إياها وساعدها وهي ترتديها كي لا تتشابك مع الأنابيب المعلقة بيدها .... .
_ عض علي شفتيه من الندم لو علمت انه قبل يدها البارحة وانتهك خصوصيتها لن تنظر بوجهه مرة أخري .
وضع يده في جيبه وشعر بالسلسال اخرجه لها بهدوء " الدبلة والساعة مع طنط "
" شكرا يا أبيه " وضحكت ببراءة " أهي السلسلة رجعت لصحابها تاني " " ممكن أطلب منك طلب؟ " " أتفضل " " ممكن متقلعيهاش من رقبتك " ازدردت سارة لعابها أنه يكلمها بحنيه غير معهوده فيه من قبل هزت رأسها موافقة ، قال لها بمودة " وعد " " أها وعد " " طيب يالا البسيها " ارتدتها سارة وهي تشعر نحوه بشعور غريب وتذكرت وجهه وهو قلق عليها ، لقد اخبرتها والدتها بما فعله معها البارحة وهي التي كانت تظن أنها تحلم ولكن من الواضح أنها لم تكن كذلك أنه هو من أنقذها فعلا .
" روحتي لفين كده وسبتيني ؟ " " هاا ... لا أبدا ، أمم تعرف يا ابيه حضرتك طلعت اطيب واحد في اخواتك رغم انك بتبان من بره جامد وصعب ، اممم بصراحة أنا كنت بخاف منك أوي  اول ما اشتغلت في الشركة مع انك عمرك ما عملت لي حاجه تضايقني " .
حاول محو المرارة من بسمته لأنه علم شعورها نحوه وأنه لم يكن لديه أي فرصه معها ، " والوقتي؟ " ابتسمت " لا من قبل الوقتي من ساعة ما شوفتك وانت بتساعد أحمد في كل حاجه وانا عارفة انك طيب " حك راسه ونظر الي الأرض وحاول قول أي شيء يضحكها " تفتكري عشان كده البنات بتهرب مني! " ابتسمت له  " إن شاء الله هتتجوز أحسن واحده في الدنيا كلها " ثم أردفت بعد برهة " هو حضرتك مرتبطش قبل كده أبدا؟! " نظر لها وفكر فيما يحدث معه وقرر أن ينفي التهمه عنه فهي لن تخمن أبدا أنها الفتاه الوحيدة التي اراد الزواج منها .
" ارتبطت بس افترقنا قبل ما تحصل حاجه رسمي " عضت علي شفتيها وهي تري الألم في عينيه " وسألته بحذر " هو حضرتك لسه بتحبها؟ " تنهد بصوت عالي وحك ذقنه " مش عارف يا سارة " " مفيش أي فرصة أنك تقولها؟ " نظر نحوها بحده " أقول لها إيه ؟! " ازدردت لعابها وتوترت من لهجته " انك بتحبها " " ومين قالك كده؟ "  " انا اسفة مكنش المفروض ادخل " امام حدته لم تجد شيء بيدها سوي التراجع .
" خلاص يا سوبر سارة ، علي العموم مينفعش أقولها خلاص " هزت راسها وقررت ألا تتدخل في شؤونه ، اخذ يستدرجها هو الآخر " أحمد عامل معاكي إيه؟ " ابتسمت بوهن   " الحمد لله " غمز لها مش مزعلك في أي حاجه قولي لي وانا اشد ودنه " ضحكت له " لا أبدا " لم تصل ضحكتها الي عيناها ، انه يجيد قراءتها الآن " بس أنا حاسس ان في حاجه " عضت شفتها السفلي وتنهدت بآسي  " بقي عصبي أوي الأيام اللي فاتت مكنش كده قبل الحادثة صح يا ابية " " فعلا مكنش كده خالص ... " ، مر الحوار هادئ وسلس وبعد ذلك تحدث معها بكل شيء وسألها الكثير من الأسئلة والأشياء التي لطالما رغب في معرفتها عنها ومر الوقت سريعا ، ودقت الساعة الرابعة لتمتلئ الغرفة تماما بعائلته وعائلتها .
لم يعد له مكان الي جوارها بعد مجيء أحمد الذي قبل يدها وأخذ يداعبها بكلماته الحنونة ، هل تحبه من أجل كلامه العذب هو يعترف في قرارة نفسه بأن اخوة يجيد التحدث الي الفتيات أفضل منه بمراحل فهو لم يحاول التعرف الي واحده من قبل قط ، أهذه هي المشكلة ؟ انه لم يعرف كيف يحدثها ويجذبها إليه ، زفر زفرة معذبه لا فائد من ذلك الآن لقد ذهبت بغير رجعة ولا فائدة من لوم نفسه ، " بيضحك وبيتكلم ولا كأنه عامل حاجه ، انت بتضيعها كان ممكن تموت بسببه " وسوس له بمكر شديد ، أختار عبد الرحمن مكان بعيد نسبيا وظل ينظر نحو أحمد وتجنب النظر نحو سارة تماما فهو يشعر بأن الشك سوف يدب في قلب الجميع وحدث نفسه " مش كفاية اللي انا فيه كان ناقصني كمان احساس اللي عامل عامله! " .
رجعت الهسهسة الي أذنه مرة أخري " ماسك إيدها وعامل بيحبها أوي وخايف عليها ، خايف علي نفسه لو كان جرالها حاجه كل ترتيبه كان هيبوظ وكان هيعيش لوحده تاني في الضلمه " رد بصوت ضعيف " أحمد بيحبها " " فعلا لو بيحبها ربع ما انت بتحبها ، كان حس بيها وعرف انها تعبانة من غير ما هي تتكلم زيك كده لما عرفت " " أحمد له ظروفه " " أه صح قولت لي ظروفه " كان صوت تكهن الوسوسة واضح في أذنه ، ومن ثم صاح ذلك الوسواس به " حتي لو مش بيشوف كان قلبه المفروض يحس بيها يا أخي ، ده من غير أحساس مسألش نفسة هي أتأخرت كده ليه؟ هو مش شاغل باله بحاجه وانت عارف اخوك كويس وقد ايه هو اناني " رد بوهن " أحمد اتغير " " طبعا طبعا أتغير وأول واحده هيرد لها الجميل هي المسكينة اللي بتضحك له الوقتي وفكرة أنو بيحبها ، ذنبها في رقبتك لأنك عارف ومتأكد أنها هتعيش تعيسة معاه ومع ذلك سايبها محدش بيحبها قدك ، أنت الوحيد اللي حسيت بيها قلبك حس بوجعها قبل أي حد تاني " " كفــــــــاية " رد عبد الرحمن بيأس شديد .
دخلت الممرضة كي ترشقها بحقنه أخري لا يريدها ان تتألم البته وهنا طلبت السيدة نور من الرجال جميعا الخروج كي تتمكن سارة من تغير ملابسها " انا اعد هنا مش ماشي " قال أحمد بعبث " مش هغير غير لما تخرج " قالت سارة بحزم " شايفه يا طنط بتك بتعاملني أزاي " ضحك الجميع عليهم أشارت السيدة نور الي محمد " خده من هنا يا محمد أنا مش هخلص من لامضتة أبدا " خرج بعد مفاوضات عده ومشاكسه .
توجه عبد الرحمن الي الكافتيريا لشرب كوب من القهوة وتوجه بعدها الي منزله حيث اخذ حمام سريع واحضر حقيبة صغيرة ووضع بها أغراضه الهامه ورجع مرة أخري ، وفي تلك الأثناء كانت سارة بدلت ملابسها وتناولت طعامها وسط مشاكسات حسام ومحمد لها وضحك الجميع عليهم وكما امتلأت الغرفة بهم امتلأت أيضا بالورود وعلب الشوكولا .
اخرجت أية عابثة بأغراض اختها من احدي العلب قطعه شوكولا وقالت بمرح " احلي حاجه فيكو الشكولاتة " والقت بالقطعة نحو باب الغرفة ليلتقطها عبد الرحمن بيد واحده وبكل ثقة ليتفاجأ الجميع من عودته سريعا هكذا ، سال السيد شهاب " ملحقتش تنام حاجه يا عبد الرحمن " " انا تمام وبعدين أنا نمت أمبارح كويس " قال حسام بحزم " مفيش لزوم انا اللي هبات هنا أنهارده " ترك عبدالرحمن الحقيبة من يده وجذب رأس أخيه وأخذ يفركها أمام الجميع وقال من بين أسنانه ضاحكا " عاوز تهرب من الشغل بس ده بعدك انا واخد اجازة يا حبيبي لأول مرة بقالي زمن مرتحتش " قالت سارة بآسي " وهتقضي أجازتك في المستشفى يا أبيه؟ " " ارحم منه والله يا سارة وبعدين احنا بقينا اصحاب خلاص ولا إيه ، ولو سبت الرخم ده معاكي هتشيلي بكرة المرارة! " .
ضحك الجميع علي مزاحهم واقرت سارة " في دي معاك حق " " الله الله سيبو مراتي في حالها معتش فاضل ليا حاجه كده ! " بينما قالت أية بعبثها المعتاد " إيه حكاية بقيتوا اصحاب دي؟ هو انتو كنتو متخانقين ولا إيه ؟ " جلس عبد الرحمن وهو ينظر الي سارة  " أصل سارة كانت بتخاف مني " غطت سارة كامل وجهها بيدها خجلا وقال أحمد بمرح " متخفيش منه هو طويل اه بس علي الفاضي " ضحك الجميع بالطبع ولكن اكثرهم كان السيد شهاب الذي ربت علي ظهر ابنه الكبير " ده مفيش أطيب من عبد الرحمن " .
صاحت أمل ب أية بغضب طفولي " بطلي اكل بقي! " كشرت آية لملاحظه أمل هذه بينما اندس فارس بحضن عبد الرحمن ففارس ابن السابعة يخشي المشفى والمرض حتي انه تجنب سارة ولذلك يتجنب الجلوس مع أحمد انه صغير وله مخاوفه الخاصة! ، سال عبد الرحمن آية بأن تعطي فارس قطعه شوكولا، " سيبها براحتها يا أمل " قال أحمد مدافعا ردت امل بحنق " دي اكلت علبه لوحدها مش دي المشكلة.. المشكلة انو مش بيبان عليها " قال حسام مازحا " الظاهر ان في ناس غيرانه ولا إيه يا أية " ردت آية بمكر " الظاهر كده " لم ترد امل ولم تنظر حتي نحوه واشاحت بوجهها نحو سارة ، استغرب حسام كثيرا من رده فعلها فهي لم تتصل حتي لتشكره لحصولها علي الطلاق .
وك البارحة انتصر عبد الرحمن في المفاوضات حول المبيت وبقي الوضع كما هو عليه ودعها أحمد وقبل راسها وتمني لها ليلة هنيئة وذهب الجميع مودعين سارة .
***
جلس كل من حسام وأحمد ومحمد ممددين بكسل كان حسام ومحمد ممددين علي الفراش وأحمد يجلس قبالتهم علي كرسيه الوثير ويبدو انه يفكر بأمر هام ظل صامتا وكذلك كل من حسام ومحمد كل منهم غارق بعالمه الخاص.
_ كان حسام يفكر فيما حدث معه في الفترة الماضية وكيف انقلب عالمه كله رأسا علي عقب بعد ان اخبرته أمل باحتمال ان صافي لا تزال زوجته او احتماليه رجوعها له ودار صراع بداخلة واخذ يبحث الامر بالشبكة العنكبوتية طوال الليل ، وفي النهاية قرر الذهاب الي مختص ، الذي اخبره ان راي العلماء عده وان عليه الأخذ بالراي الأقرب والأنسب له ، احتار كثيرا في امرة ولم يستطع ان يستوعب ان أمر بغاية الأهمية مثل هذا الأمر يوجد به كميه الآراء هذه!، وبعد تفكير عميق وبحث دقيق وسؤال كل من استطاع سؤاله ، استقر به الامر علي ان يأخذ برأي  العلماء  الذي يقر انه طلق صافي طلقة واحده فقط ويحق له ردها إذا اراد خلال فترة العدة .
وما إن انتهي من الحيرة الفقهية للأمر، حتي دخل في حيرة أخري من نوع أخر حيرة قلبه هل فعلا يريد ان تعود له صافي؟، هل هي الفتاة التي سوف تسعده وتأتي له بالأطفال الذي يرغب بهم ، هل يعطيها فرصة اخري ويعقد عليها من جديد؟ ، منذ ان راها اول مرة اعجب بجمالها علي الفور كان الهواء قوي ويعبث بنعومة في شعرها الذهبي الناعم ، كانت ناعمه وجميلة رقيقة خطفت قلبه، انضم الي شلتها ومن ثم تقرب منها اكثر واكثر وبعد ثلاثة اشهر من التعارف اصبحت رسميا خطيبة له ، كانت أسعد أيام حياته كان يعشقها بكل تفاصيلها ، كان ...؟! لقد ارتجف قلبة  الآن عندما تذكر ضحكاتها الي جانبه  وهو يقود سيارته والهواء يعبث بشعرها الجميل كم كان يعشق رائحته ، دخلت الرجفة الي قلبه لأنه علم انه لن يراها مرة اخري ، بشرتها الناعمة خدودها الوردية ، طريقة نطقها للكلمات انه يعشق كل تفاصيلها .
كان عالمه كله يدور حولها وخسر كل شيء في سبيلها وبذل كل ما في إمكانه لإسعادها ، وهنا تذكر ما فعلته وكيف فشلت في الاختبار الذي وضعه لها عبد الرحمن وكل الاختبارات السابقة ، لما لم تبادله الحب؟ هل يعود لها ويحاول مرة اخري؟ ام يعطيها الطلاق! ، انه يعشقها ولكن هل سوف يظل عمرة كله يعشق من لن تكن له الحب ، لقد افرغت شحنه قلبه الدافئة وابتسم بسخريه وافرغت جيوبه هي الأخرى!.
ظل في حيرته هذه عده ايام يشعر بعذاب كبير وفي نفس الوقت كان يتابع قضيه أمل حتي منحها الحرية أخيرا ، لم تتصل به لتشكره مما جعله يتساءل إذا ما كانت تتجنبه عن عمد كان يريد ان يقابلها كي يتحدث معها في مشكلته ولكنها بالكاد ردت علي رسائله واعتذرت عن مقابلته بدون ابداء أي اسباب واضحة ، في البداية ظن انها مرتبكة من وضعها كمطلقة اخيرا ولكنها لم تنظر له حتي عندما تقابلا في المشفى .
لقد شعر نحوها بشعور طيب لقد اعتبرها اخته الصغرى الساذجة التي لطالما اراد الحصول عليها ولكنها تجنبته بدون أي سبب واضح ، ظل طوال اسبوعين يلف ويدور حول نفسه كنمر غاضب يدور في قفص حديدي .
" حسام " جاءه صوت الملاك المنقذ من خلفة ، " ايوة يا سارة " التفت لها ووضع الملفات من يده، نظرتها نحوه اعلمته بأنها تريده في شيء خارج العمل ، جلس وجلست هي الأخرى امامه و بدون أي مقدمات " مالك يا حسام انت بقالك فترة مش طبيعي " تنهد وضم يديه بآسي  وهز رأسه اليها ، " مش عارف اعمل ايه؟" " انت لسه بتحبها " " مش عارف"  " أزاي؟ " رن الهاتف وقطع عليهم جلستهم هذه نظر للهاتف وقال بحنق " مش وقتك خالص " اخيرا وجد من يتحدث معه وسارة مرت بنفس تجربته واكيد من انها سوف تشعر به " رد وقابلني بعد عشر دقايق في الكافيتريا ، انا لازم اودي الملفات دي لأبيه الوقتي " هز رأسه موافقا .
_ وجدته بانتظارها اشارات له بإصبعها " دقيقة واحدة " واحضرت عصير طازج وامرته بشربه قبل البدء بأي كلام ، أطاعها وافرغ كل ما في جعبته مرة واحده وهي سمعته دون ان تقاطعه شعر براحه كبيرة وفي النهاية رفع رأسه وقال لها بصوت جامد " انا مش ضعيف يا سارة " ، مسحت دمعه نزلت رغم عنها وعضت شفتيها كي تلملم أشلاء نفسها بعد ما سمعته " انا متأكدة من ده يا حسام الحب مش ضعف انت حبتها حب كبير وكان كل حلمك تعمل اسرة جميلة وتكون مستقر وعندك اولاد " هز راسه " هو ده بالظبط اللي انا عاوزة " ابتسمت له " مفيش أي ضعف في كده " " مش عارف اعمل ايه " نظرت له بآسي وهي تري نفسها فيه عندما كانت زوجه علي كانت  دائما معذبة تمده بفرصة خلف الأخرى ولاكن لم ينجح في أي اختبار ولم يستغل أي فرصة فقط مضي فيما يريده هو فقط .
" حسام اللي انت فيه صعب وانا مقدرة موقفك " نظرت الي الاسفل " هي اتصلت تعتذر منك؟ " هز رأسه نافيا ، تنهدت " انا عارفه انت اعد ومستني ردي عاوزني اقولك ادلها فرصه تانية وحاول معاها مرة كمان " رفع راسه ورأت شعاع الامل بعينيه " بس من كلامك انت ادتلها اكتر من فرصة ونصحتها اكتر من مرة " زمت شفتيها " بص يا حسام انت ممكن تعالجها من التبذير والخروجات والصحاب الكتير ، بس الوفاء مش بيتشري بفلوس ودي اهم حاجه في العلاقة ، انت الوحيد اللي يقدر يحكم لأني معرفهاش وحتي لو عرفتها مستحيل هعرفها احسن منك ، انت اللي تقدر تقرر لو بتحبها خليك وراها لحد ما تبقي كويسه وتتخلص من كل الحاجات الوحشة اللي فيها بس ده مشوار طويل ولازم يبقي عنك صبر ومتملش ولو نجحت وكملت لازم تكون متأكد انها هتكون وفيه ليك " .
تنهد مطولا صحيح ان حيرته لم تنتهي بعد ولكنه يشعر بانه افضل حالا بكثير، لقد تجلت له عده أمور لم يكن يهتم بها رغم ألمه وعذابه  كل ما
يتذكره عنها هو الجمال ، شعرها بشرتها ، ضحكتها ولكنه لم يذكر مرة لنفسه انها وقفت الي جانبه .
كلامة مع سارة هذا اليوم جعله ينظر الي صافي من منظور أخر ، من منظور اخلاقي عليه ان يكف عن التفكير في اتجاه واحد فالحياة تحتاج الي ما هو اكثر من الجمال كي تستمر ، لم يرها مرة تهتم بأحد غيرها أو تعطف علي محتاج ما ، لم يرها تصلي يوما أو تتقرب الي الله بأي عمل لكنه الان تغير فهل ستقبل هي بتغيره هذا ؟ ، هو لن يستطيع ان يضع بقلبها الرحمة والشفقة بالأخرين أو المحبة ، وفكر في سارة وأخوتها وعائلتها صحيح أن سارة قصيرة وليست قريبة من أي ناحيه علي مستوي جمال صافي ، إلا ان لها روح طيبه سمحة تجعل كل من يعاشرها يحبها علي الفور .
هل يستطيع شراء تلك الروح لصافي ، أنه لا يحكم عليها ولكنه يتسأل هل تشعر صافي بالرحمة والشفقة نحو أي شيء ؟ أو أي شخص ؟ وفجاءة شعر بانه كان يعاشر لوح من الجليد .
_ قرر الإقدام بإجراءات الطلاق واكتشف ان عبد الرحمن لم يسجل أي من السيارة او الشقة باسم صافي ، وصافي بالطبع كانت تظن انهم ملك لها وانها استطاعت اقناعه بان ينقل ملكيتها لها وهو نفسه قد ظن ذلك ، ولأنه لا يراجع عبد الرحمن لثقته العمياء به ، اخفي عبد الرحمن هذا الأمر عن أخيه لأكثر من عامين  .... .
وهنا فقط خرجت صافي عن صمتها عندما علمت بأن حقها الوحيد هو اغراضها ومؤخر الصداق ، خرجت وهجمت عليه مثل قط شرس خلعت رداء البراءة والانوثة لتهجم عليه بكل قوتها تتهمه بالخداع والسرقة وانه اضاع عمرها ، وبدأ يراها علي حقيقتها وعلم ما عنته سارة عندما قالت انك لن تستطيع شراء الوفاء .
رغم طلاقه منها ورؤيه وجهها الآخر إلا انه يشعر بالضياع رغم عنه فقلبه ليس بيده وليس بيده حيله ، لقد طلقها لأنه علم أنه لا يريدها أن تكون أما لأولاده رغم رغبته هو فيها .
***
_ تركهم محمد وذهب الي غرفته وحاول النوم ولكن هيهات ، فالحلم الذي كان يسعده أصبح كابوس يؤرق نومه ليله بعد أخري ...
كان يحلم بحورية جميلة رشيقة لها شعر غزير وطويل وجسدها الممشوق ينتهي بذيل ذهبي جميل ومن ثم تستدير تلك الحورية له فيراها ، انه هي آية تحاول  إخباره بشيء ما لكن الماء يمنعه من سماعها ، انها تبتسم له وتتكلم وتخرج فقاعات الهواء من فهمها وتصعد الي السطح وشعرها يتطاير بكل مكان في الماء من حولها وهي تلوح بيدها لتحافظ علي توازنها في الماء ثم ترفع ذراعها اليمني وتشير له بأن يتقدم منها ودائما كان يمد يده لها وقبل أن يلمس يدها يستيقظ من النوم .
ولكن منذ ان رأي الكائن " البيضحبوطي " المسمى بالشادي " شادي "  يري نفس الحلم ولكن عندما تمد ذراعها له تمسك بيد هذا الشادي بدلا منه هو وتبتسم وتضحك بعذوبتها المعهودة ، ويستيقظ هو فزع .
_ لم يقع في غرامها ، لا ليس بعد ولكنه معجب بها كثيرا ولا يستطيع ان ينكر هذا
هو يريدها زوجه له وهي لا تطيق النظر إليه ، أي فرصة لديه يا تري معها وهل هذا الشادي سوف يقطع عليه كل الطرق اليها ام ماذا؟.
***
امضي عبد الرحمن الثلاثة أيام مع سارة بالمشفى وهو سعيد بالتقارب الذي حدث بينهم ، اصبحت افضل حالا واصطحابها خارج غرفتها قليلا كي تتمشي حسب أوامر الطبيب .
"  نفسي اروح اوي " سألها مشاكسا " زهقتي مني ولا إيه " " لا ابدا بس بكرة ريحه المستشفى " ثم توقفت عن السير ونظرت له " هو حضرتك مش ناوي تجيلي البيت؟ " رد بسمتها هذه " وانا اقدر احنا خلاص بقينا فريق واحد "  واغلق عين واحده وأدعي التفكير " ايه رأيك فريق بودي وصرصور " ضحكت بشدة مما أضطرها الي الامساك بجرحها  وقالت " اسم تحفه ينفع اسم جروب علي الفيس بوك " وبعد تناولهم الغذاء ومرور وقت الزيارة ، كان ينظر اليها بآسي شديد وقرر أنه لن يغمض له جفن اليوم فهذه اخر ليلة له معها ولن يكون اقرب إليها اكثر مما هو الآن .
اعطاها الهاتف والجهاز اللوحي بعد ان أمدهم بالطاقة اللازمة " شكرا " قالتها بامتنان كبير " حضرتك مش بتنسي حاجه ابدا " رفع يده لها في تحيه مضحكه ، كان يعلم ان أحمد سوف يتصل بها في أي وقت من الآن وفي العادة كان يتركها ويتحدث مع السيدة وفاء او يترك الغرفة كلها لأنها تشعر بالخجل في وجوده ، ولكن هذه هي الليلة الأخيرة ولن يتركها .
ازاح رأسه الي الوراء وأدعي التثاؤب واغلق عينيه واراح جسده علي الكرسي الوثير ، وادعي النوم ولم تمر عشرة دقائق حتي رن هاتفها ، ردت بعذوبه ورقة لم تتحدث معه هكذا ابدا من قبل ، " وعليكم السلام ، هههه لا في معادك بالظبط  ، انا كمان فرحانه اوي بكره هخرج خلاص، وانت كمان وحشتني اوي ، يا سيدي يا سيدي يعني اقول لماما تجهز بقي اوضته الضيوف علي كده ، وبعدين معاك يا أحمد! " ردت بعتاب ولكنه عتاب مصطنع ، لم يتمالك عبد الرحمن نفسه فهو يعلم ما اخبرها اخوه لتوه تململ علي الكرسي وعقد ذراعيه فوق صدرة وهو لا يزال يدعي النوم .
انتبهت سارة الي هذه الحركة " بس بقي يا أحمد مش عاوزة اتكلم بصوت عالي " قالتها هامسا " ابيه نايم علي الكرسي شويا مش عاوزة ازعجه حرام مش بينام كويس خالص ، انا عمري ما هنسي اللي عمله معايا ، ربنا يخليكو لبعض يا حبيبي ، الوقتي انت مش معقول علي فكره! ، نص ساعة بس مش هطول " ، اخرجت جهازها اللوحي وفتحته علي الكتاب الذي تقرأ منه لأحمد وبدأت تسرد أحداث القصة بصوتها العذب .
لا عجب أبدا في ان أحمد يتحدث معها بالساعات ويجعلها تقرأ له كل ليلة قبل النوم ففي صوتها شيء جميل يجعلك تذهب الي عالم آخر ربما تدخل الي الحديقة التي وصفتها الآن ويرى الألوان بوضوح .
نهر أخاه سرا " المفروض يتكسف من نفسه هي تعبانة وهو بردوا بيعمل اللي هو عاوزة مش مهم هي مالها " ، ثم بعد عده دقائق أخرى من سماعه لصوتها الملائكي نهر هو نفسة ، لابد وان أحمد يري بكلماتها فصوتها يأخذك الي عالم أخر غير هذا العالم البالي الذي نعيشه وفهم الآن معني كلمه اخيه الذي يكررها باستمرار " صوتها خرجني للنور " شعر بضيق كبير في نفسه كان عليه من اللحظة الأولي التي قرر فيها ترك سارة لأخيه بأن ينساها للأبد ، حتي وان علم انه هو من سوف يسعدها اكثر ، فهو يعلم الآن ان اخوة يحتاجها اكثر منه بمراحل .
انهت قصتها وتمنت له ليلة سعيدة وقبلت الهاتف بغبطه بعد ان انهت مكالمتها ، انها تعشقه هي الأخرى ولا مجال له معها بأي حال من الأحوال .
وفي اليوم التالي خرجت سارة من المشفى بعد ان انهالت علية هي ووالدتها بالكثير من الشكر ومشاعر الامتنان .
لم تنقطع الزيارات لها في الأيام الأولي خصوصا أحمد الذي كان يزورها كل يوم ويمضي معها الوقت كله كان يشعر بضيق شديد بدونها ، فالعمل لم يعد مهم بعد ذهابها لرفضة أي واحده أخري غير سارة لذلك لم يعد يذهب واصبح يمضي الوقت بغرفته كثيرا او بالحديقة او بالأرجوحة التي تعشقها هي كثيرا ، يعلم بقراره نفسه انه لو كان يري لما تعلق بها هكذا ولكن لأنها أصبحت نافذته وعينه علي العالم الخارجي بدونها بدأ يشعر بالظلمة مرة أخري تغلف حياته وازدادت حدته وعصابيته مرة  أخري وكل من بالمنزل لاحظ ذلك .
_ كان يوم الخميس وعندما دقت الساعة السادسة فتحت أمل الباب لتجد حسام وأحمد امامها ، عاده كان يأتي عبد الرحمن مع أحمد لذلك تفاجأت أمل وسرعان ما اشاحت بوجهها بسرعة ورحبت بهم للدخول . خرجت سارة لهم بغرفة استقبال الضيوف فهي اصبحت جيده الآن لكي تسير بحرية في الشقة بعد مرور حوالي ستة أيام علي جراحتها ، وضعت أمل لهم العصير ولم تجلس ولم تنظر حتي ولو بالخطاء نحو حسام .
جاءت السيدة وفاء ورحبت بهم وكذلك أية التي كالعادة مزحت بعبث معهم وفارس هو الآخر وهي لم تأتي مرة واحده أخري .
دلفت الي غرفتها والدموع تتساقط علي وجهها لما تشعر بكل هذا الوجع فقط لمجرد رؤيته، اخرجت الرسالة والعدية التي كان اعطاها لها من ظرف مخبأ في كتاب والقت نظرة عليهم ونظرة علي الباب وشعرت بعدم الراحة يمكن ل آية ان تدخل بأي وقت ، أخفتهم مرة أخري بالكتاب ووضعت الكتاب بعيدا وذهبت الي الحمام حيث اطلقت العنان لكل من دموعها ونحيبها وهي تنظر لوجهها المحمر في المرآه .
من هي حتي يعجب بها أو يراها حتي؟! لمجرد انه اشفق عليها من وضعها مع زوجها السابق هذا لا يعني أنه يشعر بأي شيء نحوها ، ربما يشعر ولكن بالشفقة ولا تتوقع منه ان يشعر بأي شيء أخر ، أخذت تتلمس وجهها من وراء دموعها ، انها ليست رائعة الجمال مثل زوجته السابقة وليست ذات حسب ومال كي يرتبط بها فلولا ظروف أحمد الخاصة لما ارتبط من سارة انها اكيدة من ذلك ، لا يوجد لها أي فرصة معه لذلك تشعر بوجع رهيب لدي رؤية ذلك الشاب الذي تعلقت به منذ أن رأت رسالته ، وهمست من بين شهقاتها  " والمفروض اني اشوفه العمر كله قدامي واستحمل " ، غسلت وجهها جيدا لا يمكنها ان تطيل البقاء اكثر من هذا لا تريد جذب العيون نحوها .
لطالما ارادت ان تجرب الحب وها هي تكوي بنارة التي احرقتها بالكامل ، عليها بأن تنساه وتعرف السبيل الي ذلك فشاب رائع مثله لن ينظر لها ابدا ، اتجهت الي غرفتها مباشرة واخفت جيدا احمرار وجهها ، بارك الله في مخترع ادوات الزينة فلولاها لفضح امرها تماما .
خرجت لهم وهي ممسكه بطبق من الحلويات وحالما راتها والدتها " ايه يا امل اعده لوحدك كل ده ليه؟ " تنحنحت قليلا كي يخرج صوتها من حلقها " كنت بتكلم في التليفون " وجلست الي جوار والدتها وهي تنظر الي الأرض ، ولكن بعد الحديث مع العائلة تلاقت نظراتهم لتجده ينظر لها نظره جامده ، ظل هكذا مطولا ثم استأذن السيدة وفاء " بعد اذنك يا طنط كنت عاوز امل لحظه " ووقف وأشار لأمل بأن تتقدمه وقادها الي النافذة التي احضرت له بها العصير اول مرة بالعيد .
كان وجهه جامد بشكل مخيف فضلت النظر الي الأرض بدلا عنه ، " أقدر اعرف في إيه؟ وليه بتتجنبيني ومرضتيش تقابليني؟ " ازدرت لعابها هل لا حظ ذلك ؟ هل لاحظ وجودها حتي؟! ، قالت بخفوت شديد " ابدا مفيش حاجه من دي " انها تعلم انها كاذبه وهو الآخر يعلم بذلك ، زم شفتيه بآسي وقال " علي العموم يا امل أنتِ خيبتي ظني فيكي لأني كنت محتاج لك الفترة اللي فاتت وأنتِ اتهربتي مني معرفش ليه " رفعت رأسها بسرعة بعد ان قال لها تلك الكلمات ، هل من الممكن ان يحتاجها هي بيوم من الايام؟ ما الذي لديها يمكن ان تقدمه له! .
نظر الي عمق عينيها وقال " أنتِ اتغيرتي اوي يا أمل معرفش ليه ، انا عارف انك مريتي بظروف صعبه بس انا كمان كنت بمر بنفس ظروفك وكنت محتاج حد جنبي " ، ازدادت ضربات قلبها حده لما هي؟ لما ارادها؟ هل يشعر بها! هل هذا ممكن؟.
عضت شفتها السفلي " أنا اسفه كان غصب عني " قالتها بخفوت كي تحاول اصلاح ما اتلفته دون أي قصد منها .
" امل إحنا اخوات " قالها كمن يقر أمر واقع " وبقينا عيله واحده الوقتي لو كنتي صارحتني كان افضل بدل ما تسبيني محتار كده ، أنتِ مش عاوزة تكلميني ليه؟ وكمان سبتيني لوحدي في ظرف كنت محتاج اتكلم فيه مع أي حد " أنطفأ شعاع الأمل سريعا وجاءتها كلماته طعنات مؤلمة في قلبها لوكان غرس سكين بها لما تألمت الي هذا الحد " إحنا اخوات " لما قالها بهذا الشكل مؤكد كل التوكيد عليها ها هي عادت مرة اخري الي نقطه اليأس " نقطه البداية " .
تنهد ووضع يده في جيبه " علي العموم بعد الطلاق ضايقك ولا حاجه " هزت راسها نافيه " ماشي يا امل انا مبحبش يبقي في بيني وبين اهلي مشاكل عشان كده حبيت اتكلم معاكي مش معقول كل ما نتقابل هتدوري وشك النحية التانيه "  تماسكت قدر ما تستطيع ورسمت بسمه باهته ورفعت راسها تواجهه " انا كنت مكسوفه عشان مقدرتش اقبلك ، بس وقتها مكنتش قادرة اتكلم مع حد " ابتسم هو الاخر بوهن " خلاص سماح المرة دي يالا قدامي " وخرجوا مرة اخري وحاولت الا تتجنبه طوال الجلسة عليها التعامل معه بطريقة عاديه فهي لا تستطيع تجنبه فترة محددة فكما قال هو لقد أصبحوا عائله واحده .
اصر أحمد الذي كان يشاكس سارة منذ مجيئه بأن الغد هو الجمعة ويجب عليها ان تقضيه معه ،" صدقيني يا طنط بعد جو المستشفى والحبسة في البيت لازم تشم هوا ، ومش هتطلعي ولا تتعبي نفسك هناخد حمام شمس في الحديقة " سالت السيدة وفاء " هتقدري يا سارة؟ " ضغط أحمد علي يدها بشدة فلم تستطع الرفض .
ابتسم أحمد ملئ فمه " انا هعدي اخدك بعد الصلاة ان شاء الله " .

نهاية الفصل.

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن