19-فوزية والزهايمر

6.2K 189 9
                                    

نوار _ اتركيني اموت بصمت ارجوكِ ، لم يعد لدي قدرة على الجدال
ياسمين _ هل تذكر تلك الفتاة التي تسببت بطردي من المدرسة ، عندما كنت طفلة ، الشقراء ذات العيون الملونة
نوار _ مابها ؟

ياسمين_ هي من تسببت بطلاقي ، لقد احبت زوجي الثاني وخطفته مني ، تستطيع ان تشمت آلان بي كما تشاء
قال _ تستحقين ذلك ، هي ارادة الله ، ابت إلا ان تذلك من ذات الفتاة لكي تحسي ببعض ما احسست طوال سنين .

هي _ أجل احسست بكل مرارة الكون ،وندمت وانت لا تريد الصفح عني

قال لها _ قلبي لا يسمح لي ان اغفر لك ، لقد تجرعت كل سموم الحزن بسببك وابتلعت آلامي لوحدي ، ايام وليالٍ طويلة قضيتها نادبا باكيا بصمت ، وانتي تنعمين بالفرح والدلال في احظان ازواجكِ ، ارجوكِ يا ياسمين ابتعدي عني ، وحاولي ان تنسيني

ياسمين _ لكن اذا احضرت لك طيورك الجميلة ، هل ستسامحني !!!

نوار يبتسم بصعوبة _هل تظنين انني طفل وتريد الضحك على عقلي ، اعتقد انني احب تلك الطيور اكثر منك الان وفي هذه اللحظة ، اشتاق لها أكثر من أي شي أخر فهي الخل الوفي ، والصديق الصدوق الذي لم يغدر بس يوما ، وقد تكون الصديق الوحيد .

قالت له _ اممممممم ولكن ماذا عن صديقك رضوان آلا يعلم بوجودك هنا ، لقد مكثت في هذا المشفى شهور ولم اره ، ترى هل هو بخير

قال نوار _ لا ادري ، في ايامي الاولى هنا كان معي ليلا نهار ولم يتركني ، لكن عندما اخذ المرض يشتد وبدأت افقد الوعي كثيرا ، لم أعد اراه ، اذهبي واطمئني على صحته واحضري لي طيوري ....

هزت رأسها وقالت _ حسناً يا ضي عيني ، سوف اذهب اليه آلان وأطمئن عليه واحضر لك الطيور والاقفاص ....

ثم وقفت ياسمين ، وقبلت جبهة نوار وغادرت ، لم تكن كتلك القبلة الاولى ولم تكن بتلك الحرارة ، ربما كل شي يفقد بريقة بعد تكراره ولا شيء يماثل حلاوة المرة الاولى .

ذهبت ياسمين الى تلك الحارة المدفونة في قلب المدينة ، الحارة الشعبية التي يسكنها رضوان ، صديق نوار  لتبحث عنه ، كانت حارة منسية ككل حارات اوطاننا الشوارع الضيقة والبنايات التي تركب بعضها البعض في مشهد سريالي يوحي لك بالفقر والضياع ، وجدت ياسمين صعوبة بالتنقل في تلك الازقة وخصوصا ان اطفال تلك الاحياء يستهجنون اي شيء جديد على حارتهم سيارة او انسان غريب فكيف ان كانت امراة ، وذات جمال ايضا  ، كانت اصوات الدجاج والديوك تنبعث من اسطح تلك الابنية وكانت اسراب الحمام تلاعب زرقة السماء ، الحي الذي كانت تقطنه مع نوار كان بحي متوسط الرقي الى حد ما ولولا ان ورثه نوار عن اهله لربما ما كان ليحلم بالسكن فيه ،عكس صديقه رضوان الذي لم تستطع سنوات عمله العشرين كموضف ان تشتري له ربع بيت في ذلك الحي المتواضع ، هو كان مستأجر في طابق ثالث من بناء احمر قرميدي  متداع ، عندما سألت الجيران عنه هب الاطفال كمتطوعين بالمجان لإيصالها لبيت رضوان.
لكن المفاجئة انها علمت ان رضوان قد توفي بسكته قلبية قبل أشهر ، وهنا توضحت لياسمين الصورة ، لانها لم تشاهد رضوان طوال فترة مكوثها في المشفى ، وهو الصديق والزميل الوحيد لنوار ، يبدو ان القدر قد اختار له نهاية سريعة ، كان رضوان ذو شخصية شبيه بشخصية نوار ، البساطة والطيبة والحياة الروتينية الخالية من الطموحات الكبرى ، جل ما كان يريده هو سقف وحيطان لبيت الزوجية ليعيش به بأمان مع زوجته وولديه .
طرقت ياسمين باب الشقة ، ففتحت لها فوزية وهي زوجة رضوان ، نظرت لها فوزية بتعجب وهي المراة ذات النظارات السميكة والعيون الضعيفة ، والشعر الخفيف الابيض سرعان ما بادرتها ياسمين ، انا من طرف نوار صديق زوجك رحمة الله هو لديه امانه ويريدها

فتحت فوزية فمها بكل سذاجة وكأنها تذكرت شيء نسيته منذ زمن ، وقالت
-أااااااه
_تذكرت تقصدين العصافير الجميلة في الاقفاص ، لقد كان رضوان يطعمها كل يوم رغم ان مصروف طعامها كان يؤخذ من مصروف طعامنا ، تفضلي يا ابنتي تفضلي  ، ما هي اخبار نوار  من تكونين ، هل انتي ابنته   هل شفي من مرضه

دخلت ياسمين الصالة الصغيرة التي يتوسطها ، مقعدان وكنبه يبدو عليها علائم الإهتراء ، اجلستها العجوز وذهبت لصنع الشاي حتى قبل ان تستطيع ياسمين إجابتها على نصف اسئلتها ، ربما تعاني من نوع من الزهايمر فهي تنسى وتتذكر بسرعات قباسية .
عادت فوزية وبيدها فنجان شاي كبير بأُذن مكسورة ، قدمته لياسمين وبدأت تتكلم ككل العجائز

_ لقد توفي زوجي رضوان وكان يريد زيارة نوار  ، وقبل ان يموت اوصاني بهذه العصافير ، وانا انفق عليها كثيرا با ابنتي وليس لدي سوى راتب زوجي التقاعدي الذي لا يسد الرمق

قالت لها ياسمين _ لا عليك يا خالتي ، سوف اعطيكي كل المال الذي تكلفته على هذه العصافير ، هل يمكن ان تحضريها الي ...

فرحت فوزية وارتسم السرور على وجهها  وقالت
_ بارك الله بك يا ابنتي  الغالية،  انهن على الشرفة اضعهم كل يوم صباحا حتى يتشمسن ثلاث اقفاص وفي كل قفص عصفور وعصفورة احدها عصفوران اصفران ربما كنار والثاني لونهما برتقالي لامع ربما بلابل والثالث لونهما اسود وابيض  ربما دوري او حسون ، قالت العجوز تلك الكلمات الواصفة للاقفاص وهي لا تعلم ما تعني ولربما لا تستطيع التفريق بين تلك الانواع من العصافير .

دست ياسمين يعض المال في جيب العجوز فوزية ، التي اغتبطت وعرضت على يا سمين كاس شاي أخر تعبيرا عن فرحها ، وبسرعة احضرت الاقفاص الثلاثة التي بدا عليها الاهماب وقلة الإهتمام من خلا ل عدم تنظيفها وكمية الغبار عليها ، حتى العصافير التي كانت جميعها بلون ذهبي يميل للإحمرار عكس ما وصفت فوزية التي يبدو انها تعاني من مرض أخر غير الزهايمر وهو عمى الألوان .

شكرت ياسمين فوزية وحملت الاقفاص واتجهت الى الباب وقبل ان تغادر بادرتها فوزية بهذه الكلمات

_ يا ابنتي لقد كلفتني العناية بهذه العصافير الكثير وأنتي لم تعطيني المال الذي وعدتني به عندما شربتي الشاي قبل قليل ، ابتسمت ياسمين ابتسامة بسيطة وقد ادركت ان المرض والعمر والوحدة والبخل  قد أخذت مأخذها من هذه العجوز فقال

_ صحيح . انا أسفة يا خالة لقد نسيت .

فأخرجت نقود من جديد واعطتها لفوزية وغادرت بسرعة قبل ان تنسى من جديد وتطلب المزيد من المال ........

يتبع ...............

اعطوني رأيكم ......

الكاتب ضياء عسود تحياتي ...

الجاحدة .....حيث تعيش القصص. اكتشف الآن