ياسمين بقيت في حالة استنفار ولم يغمض لها حفن في تلك الليلة ، كلما انقضت خمس دقائق كانت تتلصص من النافذة الصغيرة على باب العناية لكي تتأكد اذا ما كان نوار قد استفاق ، كانت كعادتها عنيدة واذا ما ارادت شيء لا بد لها من تنفيذة بأي وسيلة وبأي طريقة ، بقي نوار نائمة بفعل الحقن المخدرة التي أعطاه إياها الطبيب كي يخفف من حالة الهياج التي ضهرت عليه بعد سماعه لصوت ياسمين ، كانت ياسمين تريد ان تدخل وتكلم نوار هي تنتظر تلك اللحظة منذ أشهر طويلة ، كانت تخاف ان يموت على ذاك السرير البارد قبل ان يسمعها ، هي ايقنت بقرارة نفسها انه في النهاية سيموت وخصوصا انها طبيبة واضطلعت على كل تقارير حالته لكنها ارادت ان يسامحها ، او ان تسكب في اذنيه ما كان يخالجها من مشاعر خلال كل تلك الاشهر الطويلة التي ادركت بها فداحة خطأها بمعاملتها القاسية لقلب احبها كقلب نوار ، كانت تعلم ان مفعول المخدر سيزول عند الفجر ، راقبت الممرضتان وهما يتبادلان نوبات المراقبة ، وفي لحظة ما استطاعت اقتناصها ، تسللت ياسمين الى غرفة العناية المشددة واغلقت الباب خلفها بإحكام ، دخلت من جديد الى تلك الحجرة التي حفظت كل اجزائها وكل تفاصيلها حتى اكثر من كل الغرف التي مرت عليها طيلة حياتها ، السرير وسطها والكرسي بجانب السرير واجهزة القلب وقياس الضغط والخراطيم الطبية التي تدخل وتخرج من جسد نوار ، الستائر البيضاء واجهزة التكييف ، جلست على الكرسي الذي كانت تجلس عليه الممرضة البدينة والتي ملت المكوث عليه فخرجت تبحث عن ثرثرتها المحببه مع صديقتها النحيلة ، امالت راسها وهي تجلس على الكرسي وتضع يديها الاثنتين على فخديها ، امالت رأسها وكأن عينيها حوامة تعدل من تحليقها لتجد افضل مكان للهبوط ، اخذت نفساً طويلا اتبعته بزفير بطيء وهي تتفرس وجه نوار ، ثم رفعت يديها اليمنى لتتلمس راسه وذقنه ، وما ان اقتربت يديها من انفه حتى اشتم نوار رأحتهما المميزة ففتح عينيه ليجدها أمامة ، ياسمين المراة الناضجة يا سمين المراة الفولاذية ذات الشخصية المتقدة ، وليست ياسمين الطفلة اليتيمة الضعيفة التي تحولت بسرعة الى الطفلة المدلله الناعمة ، اهتاج قليلا وبدا كأنه سيصرخ وهو يفتح عينيه بكل اتساعهما ولكن ياسمين الساحرة بادرته بحركة سريعه وخبيثه .
وضعت اصابعها الثلاثة على فم نوار وقالت بهمس ارجوك اسمعني
لكنه قاومها واراد ان يصرخ وينادي اخرجوها ولكنها اسرعت الى شفتيه لتطبع قبلتها الاولى ولربما ستكون الاخيرة على فمه ، فكانت اكثر تأثير من كل حقن البنج والتخدير التي اعطيت لنوار طوال حياته ، للمرة الاولى يرى عيناها على بعد سنتمترين من عينية ، للمرة الاولى يشم رأحة انفاسها الخارجة من انفها ، للمرة الاولى يشعر انها انثى وعاشقة ملتهبة المشاعر وليس طفلة ، كانت تلك اللحظة هي اسعد لحظة في كل حياة نوار اللحظة الفارقة التي طالما انتظرها والتي كان يريد ان تأتي بغير هذا المكان والزمان .
كانت مدتها الحقيقية ثانية او اثنتين ولكن مدتها الروحية قد تزيد عن ساعة او اثنتين تلاطمت المشاعر والاحاسيس والافكار بعقلة المتعب ياسمين تقبلني ، ياسمين هي اخر من اشاهد وانا اصارع الموت يا سمين موجودة وتبكي بجواري .
هي لم تكن قبلة الحياة كما يحدث في القصص الخيالية وهي لن تشفيه من اسقامة وامراضة ولكنها بالمعنى الروحي القبلة العمر او قبلة العمر التي تختصر كل حياة هذين الشخصين ، استطاعت ان تهدئ من انفعالاته واستاعت ان تجعله ساكنا مستسلما دون حراك استطاعت بحركة واحدة دون ان تنطق بنصف كلمة ان تصرعه كالفريسة المستلسمة لمفترسها .
هي الانثى يا اصدقائي ذلك المخلوق الضعيف بالعظلات والشدة ولكنه يمتلك اسلحة من نوع اخر اسلحة اكثر فتكا من العضلات اسلحة يصنعها من الرقة والعذوبة والدلال ، ويال تلك اللحظة التي ابعدت فيها ياسمين شفتيها عن شفتي نوار وكأنها طائرة تغادر ارض الوطن وتلك الدمعة الحارقة التي اسقطتها على خدي نوار قبل ان تعود الى كرسيها وتكفكف دمعها بيديها ذات اليمين وذات الشمال ، وكأن كل شيء انتهى في تلك اللحظة نوار الممدد على سرير ابيض يصارع الموت ينتظر لحظاته الاخيرة ، وياسمين تجلس الى جاره لا تتكلم ولا تنطق باي كلمة وكأنما هربت الكلمات من شفاهها واستبدلت بتلك الدموع الغزيرة التي تحفر خدها من الاعلى الى الاسفل كالاخدود في صحراء مقفرة ، ترى ماذا ستقول له ، وماذا سيقول هو لها ، هل سيغفر لها ما اذنبت بحقة وهل ستتضرع له ليغفر لها ، نوار وياسمين حكاية من زمان الخيال والتناقض حكاية لا تعرف الا الدموع والوجد و الانتظار ، ياسمين تعرف انها مهما قالت ومهما بكت فإنها لن تصلح شيئا ولكن تكفر عن ربع ربع ذنبها ، ولن تعيد شيء الى ما كان عليه وهذا ما كان يحز بقلبها ويقتل قلبها ، ونوار ايضا ما كان يهتم بما سيسمع لانه لن يغير شيء فكما كان يقول دوما الشيء الذي ينكسر قد يصلح ولكنه ابدا لا يعود كما كان ، فلننتظر للفصل القادم ونستمع لما سيدور بينهما من حديث قد يكون الاهم في علاقتهما كلها ، حديث التصارح والتصافي والتصارع بين جبلين ولكن بصورة ادمية ، فليست الجبال فقط من جماد فقد تكون الجبال أيضا بشر .....يتبع
تشجيعكم وتشجيعكم و تشجيعكم هو ما يجعلني استمر واكمل بتميز ، شاركو القصة واخبروا اصدقائكم عنها فهذا فقط ما قد يجعلها تأخذ حقها في هذا المكان
اخوكي الروائي
ضياء عسود
أنت تقرأ
الجاحدة .....
Romansaملحمة رومنسية ، قصة متخيلة لطفلة في الثانية عشرة من عمرها تجد نفسها فجأة في أحضان رجل ثلاثيني ، كزوجة ولكن المفاجئة كانت تعامل ذلك الرجل مع تلك الطفلة التي تزوجت ولا تزال تمسك بدميتها التي لم تعرف من الحياة صديق غيرها....