4

184 15 3
                                    

فتــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 4 -

طوال الطريق لم ينبس أي منهما بكلمةٍ واحدة، كانت ريحانة تبكي من غير توقف فلقد صدمها موقف خطيبها!
أما مصطفى فلقد كانت سرعته في السياقة توحي لها مدى تأثره ومدى صدمته هو أيضًا!
نزلت من السيارة وصفقت الباب خلفها بقوة، نست أن تأخذ كتبها فصاح خلفها :
- إنتظري يا آنسة.. لقد نسيتِ العلم والثقافة!
مدَّ يده من نافذة السيارة وناولها الكتب بينما ابقى كتاب ( في قلبي أنثى عبرية) في مكانه، ألقت نظرة أخيرة إلى عينيه فقرأت فيهما الكثير من الإستياء.
إبتعدت عن السيارة وهي تردد بغضب :
- لتذهب أنت وأفكارك إلى الجحيم، أشكر الله الذي فضحك أمامي منذ البداية فأنت لست إلا إنسان متخلف ومتشدد لا تعرف معنى التمدن والتحضر والإنفتاح.
قاد مصطفى سيارته بكل سرعته فلم تكن إلا ربع ساعة حتى وصل البيت ودخل صافقًا الباب خلفه بقوة، دهشت أسرته من هذا التصرف، فلقد اتجه مباشرةً إلى غرفته من غير أن يلقي عليهم التحية والسلام!
خلع خاتم الخطوبة ورماه على الطاولة، إستلقى على سريره وأطلق العنان لدموعه، هل هذه هي الفتاة التي كان يتمنى أن يرتبط بها منذ سنوات!!؟
كيف تغيرت بهذا الشكل؟
كيف صارت تنظر إلى المتدينين على أنهم مصدر التخلف في المجتمع؟!
لماذا لم تخبرني تقوى بكل هذا؟
أليست صديقتها؟
ثم لماذا لم تخبرني أمي بافكارها وطباعها الجديدة؟
ألم تكن وما تزال الصديقة المقربة لوالدتها؟! ولكن من يدري؟ فلعل أمها لا تعلم بأفكارها أيضًا!!
تلاحقت كل هذه الأسئلة في فكره ولم يتوقف عن طرحها على نفسه إلا حينما سمع صوت طرق خفيف على الباب..
- تفضل!
- زادك الله فضلًا يا ولدي، ولكن ما الذي حصل؟ هل لي أن أعرف!
- لا شيء يا ماما!
- ولكن كيف لا شيء؟ لقد إتصلت مروة الآن وقالت بأن ريحانة منذ أن قدمت إلى هذه اللحظة هي في حالة من البكاء والنحيب!
-لقد أخطأنا الاختيار.. هذا كل شيء!
- ولكن ما الذي تقوله؟ لقد تم عقد قرانكما!
- أماه أرجوك إفهميني، لقد توهمت بأن ريحانة ما زالت تلك الفتاة التي تحب دينها أكثر من أي شيء آخر في هذا الكون!
- وما الذي تغير الآن؟ وهل إكتشفت أمرًا آخر!؟
-نعم للأسف.
- ولكن ما الذي تقوله!؟
-هل تذكرين نقاشنا قبل أيام عن نظرة شباب اليوم للدين الإسلامي؟!
-نعم اتذكر!
-للأسف يا ماما.. ريحانة من هؤلاء الشباب الذين أصبحوا ضحية الأفكار السوداوية عن الدين.. إنها لا تحب أن أتحدث معها عن الأمور الدينية، فهي تدعي إننا لا نفهم الدين على حقيقته الناصعة!
- ولكن ما هي حقيقته؟
-تقول أنه دين الحب والسعادة، دين الانفتاح والسهولة، وأن المتدينين أمثالي جعلناه دين التعقيد والتخلف والرجعية عندما جعلناه يحارب التطور والعلم والتمدن!
- ولكن أنت قبل قليل قلت بأنها ضحية لهذه الأفكار! فلماذا لم تناقشها بهدوء يا ولدي؟ العصبية هذه لا تأتي بأي نتيجة!
-لقد حاولت أن أتناقش معها يا أمي صدقيني، لكنها لم تعطني أي فرصة!
- والحل؟
-الحل هو الانفصال!
- أبهذه السهولة؟
-أفضل من أن تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، أمي أرجوكِ أنا لا أشعر بأني سأكون مصدرًا لسعادتها، ولا هي ستكون مصدرًا لسعادتي.. أرجوكِ إفهميني!
-حسنٌ يا ولدي، لكن والدك مصاب بالجلطة الدماغية وأنت تعلم ما هو تأثير هذا الخبر عليه وعلى صحته!
-وما هو المطلوب مني؟
-المطلوب منك أن تؤجل فكرة الانفصال إلى ما بعد عودته من الهند، العملية التي سيجريها هناك ستحسن من صحته بإذن الله تعالى، حينها ممكن أن نخبره بما جرى ونستشيره قبل أن نتخذ أي موقف قد يضر بصحته لاحقًا!
غدًا سيسافر مع عمك ولا نعلم متى يعودان من هناك، فإلى ذلك الحين لا ندري ماذا سيكتب الله لنا، فلعل الله سيكتب لك ولتلك الفتاة الخير والتوفيق!
طأطأ مصطفى رأسه وهو يردد :
- إن كنتِ تقصدين أن علاقتنا مع بعض ستدوم وتنتهي بالزواج فأنا لا أظن ذلك يا أماه!!
قامت الأم من مكانها وقد اختنقت بعبرتها، هاتفت صديقتها وصارت تتكلم معها بصوت منخفض لئلا يسمع زوجها :
- السلام عليك حبيبتي مروة
- وعليك السلام يا صفا، أبشري حبيبتي، هل علمتِ ما الذي جرى بينهما؟
- نعم لكني لن أخبرك الآن، غدًا صباحًا عندما نلتقي في الدوام سأخبركِ بكل شيء.
*******
اجتمعت الصديقتان المهندستان صفا ومروة في مكان عملهما وجرى بينهما هذا الحديث :
- بربك يا صفا أخبريني، لم أنم ليلة أمس من شدة التفكير!
- لا أعرف من أين أبدأ يا حبيبتي، لكن ريحانة لم تعد كما كانت.. هذا كل ما أستطيع أن أقوله الآن، عودي إلى المنزل وخذي ابنتك إلى صدرك، افتحي لها قلبك لتفتح لك قلبها هي أيضًا فالظاهر أن المسافة بينكما صارت كبيرة جدًا فبتّما لا تتحدثان كالسابق!
- ولكن ما الذي تقوليه يا صفا؟ ما بها إبنتي أرجوك!
- لم تعد ريحانة ابنتك كما السابق، انها اليوم ابنة الإنترنت والكتب الغربية، العامان الماضيان كان لهما كل التأثير في تغيير أفكار ريحانة.. هي الآن تتفادى الحديث عن الدين والعقيدة، لا تربطها برسول الله واهل بيته الكرام أي رابطة، لا تشعر تجاههم بشيء على الإطلاق، حبها وعشقها بات للكتب والصديقات ومواقع التواصل الاجتماعي، لقد اتهمت مصطفى بالتخلف وعدم التحضر والتمدن لمجرد أنه أراد مناقشتها حول حقيقة الدين والخطأ الذي وقعت به عندما فصلت الدين عن العلم والحياة!
وضعت مروة يديها على وجهها وإنخرطت بالبكاء، حاولت صفا تهدأتها فلقد انتبه باقي الموظفين لهما، أخذتها إلى حديقة المصنع وهي تسير معها وتسندها من ذراعها، وهناك باحت مروة لصفا بكل ما كانت تخفيه طوال العامين الماضيين :
- ها أنا اعترف لكِ يا صديقتي بأن إبنتي تغيرت كثيرا، فما عادت تلك الفتاة المتدينة التي تبكي عندما تخبرها والدتها بأنها قد تخلع العباءة عند السفر للشمال! لم تعد تلك الفتاة التي تخبر أمها بأن وجهها دون المكياج أجمل وأحلى!
لم تعد تلك الفتاة التي تتسابق مع أمها لأداء الصلاة في وقتها!
لقد تغير كل شيء يا صفا، لكني في سري كنت أدعو الله أن تعود ابنتي لطبيعتها ولمبادئها الأصيلة، وعندما تقدمتم لخطبتها توقعت أن الله قد استجاب دعوتي وأرسل لريحانة من سيعيدها ملاكاً كما كانت من قبل!
- ولكن كيف تغيرت ريحانة بهذا الشكل يا مروة؟
- الخطأ خطأي تركتها مع الهاتف وصديقات العالم الافتراضي، ثم صارت تطلب مني أن آخذها للمكاتب ومعارض الكتب وكنت ألبي طلبها بحجة حبها الشديد للقراءة، ويومًا بعد يوم صرت أراها تؤخر صلاتها، ثم تضع المكياج وعندما صرت أحاسبها كانت تردد على مسامعي دائما : الدين ليس كما فهمتموه يا ماما!!
الدين هو الحياة هو الحصول على السعادة هو الحب.. نعم الحب لا غيره!
وعندما أتى شهر الله كانت تصوم يومًا وتفطر يومًا آخر وهي تقول إن الله لا يريد أذيتنا.. إنه يحبنا!
في الفترة الأخيرة تركت صلاتها نهائيا وعندما سألتها عن ذلك قالت إن الصلاة ليست تلك الحركات الظاهرية الفارغة من المحتوى، صلاتنا هي صلتنا بالله وهي معناه حبنا له وتعلقنا الشديد به!
كانت صفا تستمع لكل هذا وهي مطرقة الرأس، وبعد أن أنهت مروة كلامها وكأن دموعها قد انتهت أيضًا وجفَّ منبعها قالت :
- لا عليكِ يا صفا، هذه الأفكار إنتشرت بشكل كبير بين الشباب بل بين كل فئات المجتمع وليس غريبًا أن تصل لابنتك في غفلة منكِ غير متعمدة، لا تلومي نفسكِ كثيرًا فاللوم الأكبر يقع على أولئك الذين تلبسوا بالدين وجاءوا إلينا على شكل أحزاب دينية سياسية، هؤلاء هم من لعبوا الدور الأكبر في تشويه صورة الدين في أذهان الشباب المسلم.
استمري في الدعاء لها فإن أساسها الديني متين وستعود بعد فترة إلى سابق عهدها من التمسك بالمبادئ الإسلامية.. صدقيني!
- هل تعدينني بأنك ستساعديها في ذلك يا صفا؟ فهي لا تقبل النقاش معي مطلقًا، وكلما فتحت الموضوع معها أغلقته بحجة أن هذا النقاش عقيم!!
- كيف أساعدك في ذلك ومن يقول بأنها ستسمع مني؟
- ليس منكِ.. بل من خطيبها، نعم مصطفى إنسان مثقف ومعتدل في مسألة الدين ليس متعصبًا ومعقدًا في مسألة الحلال والحرام وليس منفتحًا إلى درجة ترك حدود الله، وهو صاحب أخلاق عالية، متأكدة من أنه لن يترك الأم وابنتها وحيدتين في هذه الدوامة والحيرة والضياع!

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن