17

134 12 0
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 17 -

أغمض مصطفى عينيه وهو يحاول أن ينام لكن ضجة وأصوات قوية في الخارج صارت تقترب منهم!
خرج من خيمته فرأى مركبة تابعة للقوات الأمنية تقف قريبة منهم وإذا بمجموعة من الشباب يتجهون نحوها ويضرمون فيها النيران! كل ذلك حدث في دقائق! فما كان من تلك القوات إلا أن اتجهت نحو خيام المعتصمين وصارت ترمي فوق رؤوسهم الرصاص الحي!
ركض مصطفى نحو خيمة النساء بعد أن سمع صراخهن وطلب منهن الخروج واللجوء إلى الأفرع القريبة من الساحة، وكذلك فعل باقي الشباب الى أن هدأت الأوضاع قليلا فعادوا إلى الخيام وهم لا يعرفوا من قام بحرق تلك المركبة!
قالت صفا وهي تهم بدخول الخيمة :
- هل هذا ما كنت تخشاه يا ولدي؟
قال مصطفى بأسى :
- نعم يا أماه.. ألم أقل لك بأن المخربين لم يتركوا المظاهرات تتمتع بسلميتها!
- وهل المخربين بين المتظاهرين أم بين القوات الأمنية؟
- الله أعلم..!
قضت النسوة تلك الليلة بين الصلاة والدعاء للشباب إلى أن حان الفجر.
كان الشباب في حالة من التوجس والقلق فهل ستتخذ الحكومة من حرق تلك المركبة حجة لفض الاعتصامات بالقوة!
في تمام الساعة الثامنة صباحًا تفاجأ المعتصمون بالأعلام العراقية والحشود الغفيرة من طلاب المدارس الثانوية وهي تتجه صوب ساحة الاعتصام والجميع يهتف بصوت واحد : لبيك يا عراق!
دمعت عيون المعتصمين بل وبكى الكثير منهم إذ لم يستطيعوا السيطرة على مشاعرهم الجياشة التي صارت تزداد مع كل هذه الحشود القادمة نحوهم والمساندة لهم!
لم تكن الأعداد بالأمس هكذا لكنها تزداد اليوم بسبب ما حدث ليلة أمس من إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وكأن الطلاب يقولون للحكومة نحن من سيقود هذه المظاهرات وليحدث ما يحدث!
كانت ثورة بيضاء بتلك القمصان البيضاء والأوراق البيضاء التي يحملونها ولم يكتبوا عليها غير كلمتين : نريد وطن!
إستمرت المظاهرات منذ الصباح حتى وقت متأخر من الليل، وشعر المعتصمون بالتعب الشديد أكثر من أي يوم مضى!
في الأيام الماضية كانت المظاهرات تبدأ تمام الساعة الثالثة ظهرًا أما اليوم فلقد بدأت منذ الصباح بعد أن أعلنت جميع المدارس والجامعات عصيانها المدني لتلتحق بالمعتصمين!
نسى مصطفى ما كان قد وعد به ريحانة من القدوم إليها وأخذها هي ووالدتها إلى حيث هو والشباب في ساحة الاعتصام، رنّ الهاتف وكان اسمها!
- هلو ريحانتي!
-أنت إنسان كاذب.. لو كنتُ ريحانتك فعلًا لما إرتحت هكذا لإبتعادنا عن بعض.
- ماذا؟ لا.. لا! ليس الأمر كما تصفين صدقيني، سنلتقي غدًا أعدكِ عزيزتي، وسأخبرك بكل ما جرى اليوم!
- بل ستخبرني الآن!
- حسنٌ.. كما يحلو لكِ.
بدأ مصطفى بسرد كل أحداث الليلة الماضية بعد اتصالها مباشرة ثم ما جرى اليوم من حضور أعداد غفيرة من طلاب المدارس الثانوية والجامعات الكربلائية وما كان عليه هو وباقي الشباب المعتصمين من أعمال كالترحيب بهم وتقديم الماء والطعام وإعداد أماكن الاستراحة لكل هذه الأعداد!
تلهفت ريحانة أكثر وهي تستمع لحديثه، قالت وهي تقسم عليه بروح والده :
- أقسم عليك بروح عمي الغالي أن تأخذني إلى حيث أنت أرجوك ، وأعدك بأني لن أضايقك أبدًا بل سأبقى بجانب خالتي وتقوى وأساعدهما في أي شيء يحتاجانه.. أرجوك يا مصطفى!
أنهى مصطفى حديثه معها بأن وعدها بكل ما أرادت ثم أغلق الهاتف..
قام مصطفى ليتمشى قليلًا بإتجاه منزل المحافظ والذي كان مقابلًا لساحة المعتصمين حيث أن اتصال خطيبته قد اطار النوم من عينه، وهناك سمع نداءًا يأتي لقائد الفرقة العسكرية من شخص أعلى منه بأن يقوموا بتفرقة المعتصمين حالًا وبأي طريقة فالخطر قادم نحوهم عن طريق قوات مجهولة!
حاول مصطفى أن يتجه نحو أصحابه لإخبارهم لكنه لم يستطع بسبب قنابل الغاز المسيل الدموع والتي صارت تُرمى عليهم من كل جانب!
هل هذه هي الإستجابة لأمر ذلك القائد الأعلى؟ هل هذه هي الوسيلة التي يفرقون بها المعتصمين خوفًا عليهم من القوات المجهولة! وهل هناك قوات مجهولة فعلا أم أنها مجرد خطة قذرة لإنهاء الاعتصام؟! من المؤلم أنك تعيش الأحداث أولًا بأول ولا تعرف ماذا يحصل بالضبط في حين أنك في وسط الحدث!
صار الشباب يسقطون أرضا من شدة الألم والاختناق! لم يكن غازًا مسيلًا للدموع كما يدعون بل كان غازًا ضاربًا لأعصاب الجسم!
بدأوا بسماع صوت إطلاق النار من بعيد ثم صار يقترب منهم فبدأت القوات - التي كانت بحماية المعتصمين والتي أطلقت عليهم الغاز قبل قليل - بالرمي الحي باتجاه تلك القوات المسلحة وكان المعتصمين بينهما بين مشلول الأعصاب وبين مختنق وبين من يركض ولا يعرف إلى أين؟
دخل مصطفى خيمة النساء بعد أن استدعته والدته لما اصابهن هن أيضا من حالات اختناق، فأخذهن بعيدًا عن مكان الغاز، وقد صاروا يركضون لمسافات طويلة حتى وجدوا سيارات الإسعاف.
احترقت سماء كربلاء في تلك الليلة - الليلة الثالثة للاعتصام - ولا أحد يعرف من أين جاءت تلك القوة المسلحة والتي صارت تطلق النار بشكل كثيف!
سقط في تلك الليلة شهيد واحد مع عشرات الجرحى!!
خرج مصطفى صباحًا مع المشيعين لتشييع ذلك الشهيد وسط هتافات بإقالة الحكومة، ثم توجه إلى منزل ريحانة ليضعها في الصورة وكان يظن بأنها سترفض الذهاب معه لكنه تفاجأ بازدياد لهفتها إلى الالتحاق بالمعتصمين!

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن