6

160 16 1
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 6 -

تحدثت تقوى مع يقين عند أول فرصة جمعتهما لوحدهما، وما كان من يقين إلا أن رحبت بالفكرة وهي تدعو الله في سرها أن يوفقها لإنقاذ مصير صديقتها ولإنقاذ خطوبتها من الفشل.
لم توافق ريحانة في البداية على مقترح يقين إلا أنها رضخت أخيرًا بعد أن هددتها يقين بتركها إلى الأبد!!
وفي المنزل وبعد أن أخذت قسطا من الراحة، فتحت شبكة الانترنت الخاصة بهاتفها فإذا برسالة تصلها على موقعها الشخصي :
- السلام عليكم أختاه، أنا علاء إبن خالة يقين، لقد طلبت مني يقين أن أتحدث معك حول حقيقة الدين الإسلامي فهل أنت موافقة على ذلك؟
كتبت بشيء من البرود :
- نعم مستعدة، تفضل!
- في البدء هل فعلًا إنكِ كنتِ من الملتزمات جدًا بالدين وبالتحديد قبل عامين من الآن؟
- نعم فعلاً.
- وما الذي حصل أخيتي حتى حصل لكِ هذا التغيير المفاجئ؟
- ليس مفاجئاً بل هو ردة فعل طبيعية لكل ما رأيته أمامي!
- وما الذي رأيته بالضبط؟
- رأيت أناسًا يعتنقون الدين كذبًا وزورًا، رأيت أناسًا قد إستخدموا الدين لأجل مصلحتهم الشخصية ولأجل الحصول على السمعة الطيبة لا غير، في حين إنهم بعيدون كل البعد عن تعاليم الدين!
رأيت أناسًا يُحرِّمون كل شيء على الآخرين بينما يُحلِّلون كل شيء لأنفسهم!!
رأيت أناسًا جاءوا إلى بلدنا بلباس الدين ففرحنا، فإذا بهم ممسوخين ليس من الدين فحسب بل من الانسانية جمعاء!!
رأيت أناسًا متدينين يسرقون خيرات وطنهم وحقوق شعبهم ثم يعطونها لأولادهم وبناتهم ليستمتعوا بها خارج البلاد دون أي مخافة من الله!!
هذا هو الدين يا أخي الكريم، فكيف تريد مني بعد ذلك أن أبقى من المتدينين؟!!
كان مصطفى يقرأ ودموعه تجري على خديه فلقد ذكره منطق خطيبته بمنطق صديقه عماد والذي أدت به حيرته وصدمته بأهل الدين إلى الإنتحار وخاصة أنه كان من عائلة تقدس الدين إلى أبعد الحدود!!
أغلق هاتفه ومسح دموعه وهو يردد :
رحمك الله يا عماد، لقد حاولت أن أوضح لك خطأ تفكيرك لكن صدمتك كانت كبيرة، وها هي خطيبتي تفكر الآن بنفس تفكيرك الخاطئ وكأنك نفضت تراب قبرك لتعود إلى مراسلتي من جديد.. يا إلهي ماذا أفعل؟
قام من سريره واتجه إلى سجادة صلاته وفرشها ثم هوى ساجدًا باكيًا وهو يتوسل إلى الله بالقول :
- إلهي ماذا إن كان مصير ريحانة كمصير عماد؟!
حينها ستخسر هذه الفتاة الطيبة دنياها وآخرتها؟!
إلهي ساعدني أرجوك لأساعد هذه الفتاة، إلهي لين قلبها لدينك، إبعد عن عينيها الغشاوة التي فرضتها الظروف القاسية، كن بعونها يا الله وكن بعون جميع الشباب الذين لديهم آباءًا مؤمنين يتمنوا أن يكون أولادهم قرة أعينٍ لهم في الدنيا والآخرة.
قام من سجادته وإتجه نحو السرير عاد ليفتح جهاز الهاتف فوجد أن بريد ريحانة ما زال في حالته النشطة وهذا يعني أنها ما زالت موجودة على الهاتف، كتب لها :
- كل ما كتبتِه صحيح وهؤلاء الذين شوهوا صورة الدين الحنيف هم من سيحملون أوزارهم وأوزاركم لأنكم بسببهم تركتم دينكم السمح وتمردتم على تعاليمه المقدسة، لكن هذا لا يمنع أن تكونوا محاسبين أمام الله لأنكم صرتم تقيسون الدين بالرجال بينما الصحيح أن نقيس الرجال بالدين!!
فها أنا أسألك أختاه : إذا إنحرف المسؤول عن خط الإسلام الصحيح فهل يجب أن ننحرف نحن أيضًا بحجة أن المسؤول إنحرف؟!
لماذا ننتقده إذن؟!
لماذا لا نبحث عن أهل الدين الحقيقيين وندرس صفاتهم وطباعهم ومبادئهم؟
هل هم كالمسؤولين في بلادنا؟
هل هم يشبهون أولئك الذين تلبسوا بالإسلام زورًا وكذبًا؟
جاءه ردها :
- طبعًا هم ليسوا كذلك!
- إذن لما إنحرفنا عن خطهم؟
لماذا تركنا ما يدعوننا إليه وصرنا نحاربهم ونحارب الدين الذي دعوا إليه بحجة أن هناك من استغلوا الدين لمصالحهم، ما هو ذنب الدين إن كان قد ابتلي بأناسٍ منافقين إلى هذه الدرجة؟!
- لو ألقينا نظرة إلى تاريخ الإمام علي عليه السلام في فترة حكمه.. ماذا يمكن أن نرى؟
- لا أعلم بالضبط.. ماذا يمكن أن نرى؟
- سنرى حاكما ينام جائعًا خشية أن يكون هناك في دولته من هو جائع! تعالي معي لنقرأ في كتاب ( نهج البلاغة) الذي جمع أشهر خطب مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام ففي إحداها عندما يسأله أصحابه عن زهدهُ في الدنيا رغم أنه يملك بيت مال المسلمين يقول : " أأقنع من نفسي بأن يُقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟ "
ثم يقارن بين نفسه وبين حكام الدنيا بالقول :" فما خُلقتُ ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهائم المربوطة همّها علفها! "
- ولكن يا أخي إن كان هذا هو منطق الإمام علي عليه السلام أفليس من الصحيح أن يكون حكامنا التابعين له يحملون نفس صفاته ويفكرون بنفس المنطق! لماذا نراهم على عكسه تمامًا؟!
كتب لها :
- وهذا ما شوه صورة المذهب الجعفري لدى عامة الناس أختاه، لأنهم صاروا يرون ديننا ومذهبنا متمثلًا بهؤلاء الحكام والساسة والحقيقة أن هؤلاء الذين يدعون انتمائهم للمذهب الجعفري وولائهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام أنما يعتبرون الاتباع والولاء في الكلام فقط! فأنا عندما أحب الإمام علي عليه السلام يعني أنني أملك صك الشفاعة منه وسأدخل الجنة على رغم أنف الجميع مهما كانت أفعالي سيئة وقبيحة! وهم بهذا التفكير حالهم حال أولئك المتصوفة الذين يدعون حبهم لله تعالى ويفعلون أنواع المعاصي والذنوب بحجة أن حبهم لله سيشفع لهم في دخول جنته رغمًا عن أنف الجميع!
********
قضت ريحانة ليلتها تلك وهي تفكر في كلام علاء عن الحكم الديني العادل المتمثل بحكم الإمام علي عليه السلام والفرق الكبير بينه وبين من هم يدعون اليوم موالاته لكنهم لا يحملون ذرة من عدله وحكمته ورحمته!
عادت لتتذكر ذلك الحلم الذي يبشرها بقرب الثورة على هذا الحكم الظالم، تذكرت ذلك الشاب الذي كان يمسك بيدها بقوة وسط حشود المتظاهرين، لقد توقعت انه مصطفى بعد أن امسك يدها في أول يوم لعقد قرانهما، أما الآن فهي لا تصدق أن يكون هو!
سحبت الغطاء على وجهها في محاولة لإبعاد الأرق عنها والاستسلام للنوم، قالت وقد غطت وجهها بالكامل وأغمضت عينيها : من المستحيل أن يكون ذلك الشخص هو نفسه مصطفى! فإن الذي رأيته كان إنسانًا ثوريًا بمعنى الكلمة، أما مصطفى فمن غير الممكن أن يثور على هذه الحكومات الدينية لأنه يحمل نفس أفكارها الزائفة!
جاءها صوت الضمير مؤنبًا : ومن يقول إنه يحمل أفكارها الزائفة؟ قد يكون إنسانًا متدينًا وفي نفس الوقت محبًا للعدل والمساواة مقتديًا اقتداءًا فعليًا بذلك الحاكم العادل علي بن أبي طالب؟!

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن