29 30

149 12 5
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 29 + 30 -

أغلق الهاتف وهو يشعر بأنه أسعد إنسان في هذا الكون فأخيرًا سوف يجمعه بريحانة منزلٌ واحد!
رن الهاتف مجددًا.. شاهد إسمها! شعر بشيء من القلق، هل ستؤجل الموعد بعد أن إتفقا بأنه سيكون الأسبوع القادم؟
- أهلا بكِ ريحانتي!
- مصطفى.. نسيت أن أخبرك..
- خير ان شاء الله؟
- أتمنى أن أذهب معك لزيارة المرقد الشريف قبل زواجنا.. ما رأيك؟
- ولماذا لا يكون بعد زواجنا؟ أعدك بأنني سآخذك لزيارته في اليوم التالي لزواجنا مباشرة، فأنا يوم أمس كنت هناك ودعوت الله أن يهيأ لنا من أمرنا رشدا بخصوص الزواج، كما نذرت إن سهل الله أمر زواجي فسيكون المرقد الشريف أول وجهة لنا بعد الزواج بإذن الله تعالى.
**********
وكما وعد الخطيب خطيبته فبعد زواجهما كان المقام الشريف أول وجهة لهما..
دخلت ريحانة إلى ذلك المكان المقدس ومباشرة فرشت سجادة صلاتها في إحدى زواياه وسجدت لله سجدة طويلة بكت فيها كثيرًا على تفريطها في أمر نفسها كل تلك السنوات، وشكرت الله الذي سخر لها مصطفى والذي أوضح لها ما إختلط عليها من أمور كثيرة في مسألة دينها وآخرتها.
أدارت عينيها في ذلك المكان الجميل والذي شعرت فيه بأن روحها وأخيرًا قد عادت إليها! كانت تأتي إليه مع والدتها وكانت تستأنس فيه كثيرًا ثم تاهت روحها لفترة من الزمن وها هي تعود إليها من جديد، ذلك الشعور بالأنس والراحة قد عاد إليها كما كان بل وأكثر!
هي تتمنى أن تبقى هنا لفترة طويلة.. تقضي وقتها بين الصلاة والدعاء وقراءة القرآن الكريم.
سمعت صوت زوجها يأتي من خلف اللوح الزجاجي الفاصل بين النساء والرجال..
- ريحانة ؟ هل أنتِ هنا؟!
قالت وهي تمسح دموعها :
- نعم مصطفى.. أنا هنا.
- هل تريدين البقاء أكثر؟
- نعم.. إذا أمكن!
- حسنٌ.. سأذهب لشراء الساندويشات لنتناولها في حديقة المقام.. أنتظركِ هناك.
- نعم.. جيد.
عادت إلى المصحف الشريف، صارت تقرأ بصوتٍ خاشع :
( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعدِهِ وَأَصلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
بكت كثيرًا وهي تردد :
إلهي كنت غارقة بجهلي فاغفر لي.. إنك أنت الغفور الرحيم.
***
في الحديقة المطلة على النهر الصغير الذي كان يجري بالقرب من المقام الشريف لصاحب العصر والزمان جلست ريحانة مع مصطفى وهي تتأمل جمال الربيع!
قالت وهي تمسك بفراشة كانت تحوم فوق أزهار الحديقة :
- ما أجمل أن يبقى الربيع إلى نهاية العمر!
قال مصطفى وهو يأخذ منها الفراشة ليحررها في الهواء الطلق :
- تحدثنا بهذا الأمر مسبقًا.. اتذكرين؟
- نعم.. وكيف لي أن أنسى؟ قلت لي حينها : عندما يأذن الله للمنتظر الموعود بالظهور.. ستكون أيامنا كلها ربيعا!
- أتذكرين أيضا عندما قلت لكِ بأني أعتبر الأوضاع التي مرَّ بها العراق والتي عشناها لحظة بلحظة هي بإذن الله تعالى ممهدة لظهور المنتظر الموعود الذي بشرت به جميع الأديان السماوية ليملأ الأرض قسطًا وعدلا بعد ما ملأت ظلمًا وجورا؟!
- نعم.. أذكر.. لكني الآن أتمنى أن أعرف كيف يمكن ذلك؟
- إسمعي عزيزتي.. إن الجيل الذي يواكب ظهور الإمام عليه السلام يجب أن يتمتع بصفتين..
سألته باهتمام :
- وما هما؟
أجابها باهتمامٍ أكثر :
- الشجاعة والعقيدة.. واليوم اكتشفنا من خلال هذه الثورة بأن صفة الشجاعة تأصلت في المجتمع من خلال هذا الجيل القوي الذي ولد في زمن لا يعرف الخوف أبدًا وكأن نبوءة محمد مهدي الجواهري قد تحققت حين قال :
سينهض من صميم اليأس جيلٌ.. مريد البـأسِ جبـارٌ عنيد!
ورأينا بأم أعيننا هذا الجيل الذي نهض من بين أكوام اليأس والخنوع ليقول كلمته ويقف بوجه الظلم والفساد بصدرٍ مفتوح ويدٍ خاوية إلا من العلم العراقي!
دمعت عيون ريحانة وهي تتذكر تلك البطولات قائلة :
- أذكر جيدًا أولئك الشباب وهم يواجهون قوات الأمن بكل صلابة وشجاعة وحتى عندما تقوم الجهات المسلحة بتصويب الأسلحة اتجاههم لا يتحرك منهم ساكنًا!!
قال مصطفى مؤيدًا لكلامها :
- نعم يا حبيبتي هؤلاء الشباب مع من سقط من الشهداء والجرحى خطوا للأجيال القادمة قصة رائعة بطلها العزم والشجاعة وحبهم لوطنهم لا غير!
سألت ريحانة :
- وبعد الشجاعة؟
أجابها وهو ينظر للمستقبل القريب :
- بعد الشجاعة علينا أن نعود لزرع العقيدة في قلوب الجيل القادم فلقد زعزعت تلك الحكومات ثقتهم بعقيدتهم السمحاء، وهذه المسؤولية تقع على عاتق المصلحين الذين يعرفوا الدين على أنه دين الحب والتسامح والإصلاح.. لا دين التعقيد والغش والخداع!!
قالت ريحانة وقد حطت فراشة أخرى على يديها :
- هل فعلا إن الإمام المهدي عليه السلام لا يظهر إلا عندما ينتشر الفساد في الأرض؟!
أجابها مبتسماً :
- إن كان الأمر كذلك فمن سينصره إذًا؟ صحيح انه روحي فداه سيظهر لينشر العدل والصلاح بعد أن يعم الجور في الأرض لكن هل ترين معي بأنه في ذلك الوقت يجب أن يكون هناك جيل قوي ومتدين لينصر صاحب زمانه؟!
- نعم بالضبط..! فإن كانت الأرض جميعها فاسدة.. من سينصره إذًا؟
- لذلك قلت لكِ بأننا وخاصة - في العراق - يجب أن نعد جيلًا يتمتع بكلا الصفتين لنصرة إمام الزمان.
- ولماذا في العراق بالذات؟
- لأن العراق ( مسقط رأس الإمام ومحل سكناه وعاصمة دولته العالمية الموعودة) حسب ما تؤكد لنا الروايات الموثوقة.
مدت ريحانة يدها وكأنها تريد من تلك الفراشة أن تطير قائلة :
- ما أعظمك يا عراق حتى صرت مسقط رأس المهدي الموعود الذي ينتظره جميع البشر ومختلف اديانهم ، وما أعظمك حين ستكون أرضك مصدر جميع القوانين والتشريعات العادلة التي يجب أن يطبقها البشر يومًا ما.. وأرى ذلك اليوم قريبًا جدًا.
أجابها مصطفى مبتسمًا :
- سنعمل على جعل العراق قاعدة سليمة لانتظار ذلك اليوم بعد أن خط شعبه أنشودة الحياة بدماءه الزكية.
صار يردد ودموعه تسبق كلماته أنشودة ( موطني) وعندما وصل إلى أحب مقاطع الأنشودة إلى قلبه تذكرت ريحانة تفاصيل ذلك الحلم الغريب الذي رأته قبل أشهرٍ كثيرة ! أمسكت بيده وصارت تردد معه بعيون تلمع بالدموع :
الشباب لن يكل.. همه أن يستقل أو يــبيد.. أو يــبيد!
نستقي من الردى.. ولن نكون للعِدا كالعبيد.. كالعبيد!
لا نريد.. لا نريد.. ذلنا المؤبدا.. وعيشنا المنكدا..
موطني.. موطني

                           ** النهايــــة **
الكاتبة: أ.رويدة الدعمي ❤️

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن