19

137 12 0
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 19 -

الإعتصامات تستمر في كل محافظات الوسط والجنوب!
تزداد حدتها في بغداد وكربلاء والنجف وذي قار والبصرة!
أغلق المتظاهرون في البصرة ميناء أم قصر كوسيلة للضغط على الحكومة في تلبية مطالبهم، وفي بغداد كانت هناك محاولات للمتظاهرين لعبور الجسور التي تؤدي إلى المنطقة الخضراء لكن الطلق الناري الحي والغاز المحرم دوليًا لهم بالمرصاد!
فكان الشهداء يسقطون مضرجين بدمائهم واحدًا تلو الآخر، والحكومة ما زالت مصرة بأنها لا تحمل السلاح أمام المتظاهرين!!
في الوقت نفسه كان هناك من يريد أن يحرف المظاهرات عن مسارها الحقيقي.. في إحدى الليالي جلس الشباب يتسامرون كما في كل ليلة، قال زيد :
- المخربون لا يريدون ترك المظاهرات بحالها!
قال عبد الله :
- الغناء والرقص صار ينتشر بكثرة رغم سقوط عشرات الشهداء يوميا! وكل هذا بفعل المخربين الذين يريدوا تشويه المظاهرات وحرفها عن مسارها الصحيح.
قال ماجد :
- لنكن واقعيين فليس كل الظواهر السلبية سببها العناصر المغرضة، فثورتنا تجمع كل فئات المجتمع وبتنوع توجهاتهم وطباعهم والبعض يحتاجون إلى وعي أكثر.. أعتقد أن بعض الشباب إنجرّوا وراء تلك الظاهرة السلبية لأنهم يريدوا تغيير الجو ليس إلا، أو أن فرحتهم بهذه الأجواء الوطنية والتكاتف غير المسبوق يجعلهم يعبرون عن ذلك الفرح بالغناء والرقص!
قال حسنين :
- لكن الغناء والرقص يؤذي عوائل الشهداء.. أم ماذا تقولون؟
ردد الجميع :
- نعم فعلا.. يؤذيهم كثيرًا.
قال مهند :
- خاصة بعد أن استغل المخربون هذه الظاهرة فقاموا بإرسال الفتيات للرقص بشكل مخجل وسط المتظاهرين، وهذا ما حدث معنا قبل أيام في كربلاء بالذات!
قال محمد :
- ما رأيكم أن نقوم غدًا بتوزيع أوراق نكتب عليها نداءنا بترك ظاهرة الغناء والرقص الجماعي مع ذكر الأسباب المقنعة التي ذكرناها الآن.. فالوعي هو الذي يقود مظاهراتنا ويجب أن ننشره بشكل أوسع وبين الجميع.
صاح حيدر بحماس :
- نعم أحسنت.. وسأقوم أنا بطباعة ما تريدون كتابته.
تكلم مصطفى اخيرا :
- أحسنتم يا شباب يجب أن نكون حذرين وأن نحافظ على الصورة الناصعة لثورتنا هذه.
في اليوم التالي نفذ الشباب فكرتهم وكانت الفكرة نفسها قد طبقت في جميع المحافظات ولاقت قبولًا واسعًا من قبل الشباب فتوقفت حفلات الرقص والغناء - إلا حالات نادرة - وصارت مجالس العزاء والشموع ومحافل القرآن تنتشر في ساحات الاعتصام أكثر من أي أمر آخر وخاصة بعد تزايد عدد شهداء العراق إلى أكثر من 300 شهيد في غضون اسبوعين فقط!
أما تقوى وريحانة وباقي الناشطات من طالبات الجامعة والإعلاميات فقد كن يستقبلن النساء في الشارع القريب على ساحة الاعتصام ( شارع الثقافة) وقد نصبن هناك خيمة خاصة بالمتظاهرات اللواتي يأتين الى ساحة الاعتصام فيقدمن لهن الطعام والشراب وأماكن الاستراحة كما يعقدن محفلًا قرآنيًا في كل ليلة يهدى إلى أرواح شهداء العراق وتُضاء فيه الشموع في أجواء روحانية مباركة.
من أجمل ما يميز ثورة أكتوبر العراقية أنها وحدت جميع طوائف العراق وجميع أبناءه بكافة توجهاتهم!
قالت ريحانة لمصطفى وهم يتوجهون إلى ضريح أبي الفضل العباس عليه السلام في إحدى الليالي :
- الوحدة العراقية التي أستشعرها في ساحة الاعتصام تجعلني أعجز عن التعبير عن مشاعري!
فبعد أن حاولت الطائفية تمزيق هذه الوحدة من خلال بث التفرقة بين الشعب نراهم اليوم يدًا واحدة للوقوف بوجه الظلم!
- نعم فعلا ريحانتي.. لقد رأيت الغني والفقير، والمتدين والعلماني، وحافظ القرآن والموسيقي، والمعلم والطالب، والأب والإبن.. فئات وتوجهات وأعمار مختلفة.. الكل اجتمع لتلبية نداء العراق دون أن يهتم أحدهم لاختلاف الآخرين! فهل تعلمين ماذا تسمى هذه الظاهرة؟
- لا.. ماذا تسمى؟
- إنها ( التعايش السلمي) والتي دعى إليها رسول الله صلى عليه وآله وكذلك جميع الأئمة عليهم السلام بأن نحترم الآخرين مهما كانت أفكارهم وكما يقول إمامنا علي عليه السلام ( الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
- أظنه قصد بأن الذي لا يشابهك في الدين فهو يشابهك في الخلق فكلاكما - إنسان - ويجب أن يُحترم لأجل إنسانيته!
- نعم أحسنتِ عزيزتي.. لكن من يطبق هذا الكلام؟!
- اليوم تم تطبيقه في بلادنا، أنا رأيت ذلك بأم عيني ففي نفس ساحة الاعتصام هناك من يقرأ القرآن وهناك من يسمع الغناء وهناك من يمسك كتاب الدعاء ليلهج بالتضرع إلى الله وهناك من يجلس هو وصديقه يلعب الدومينو!!
- هل رأيتِ أن أحدهم إستاء من الآخر؟!
- لا أبدًا!
- بل بالعكس رأيت إحترام البعض للبعض الآخر ففي وقت المغرب يطفأ الشباب هواتفهم ليبقى فقط صوت الأذان يصدح وسط ساعة الاعتصام!
- هل تصدقين يا ريحانة بأنني أعرف شباب هنا لم يكونوا من المصلين لكنهم عندما رأوا الدين على حقيقته وكيف أن هناك شباب ملتزمين بدينهم وغيورين على بلادهم ويتصفون بأخلاق عالية جدا مع الجميع فإن أولئك الشباب الذين لم يجربوا الصلاة يوما قد قاموا فتوضأوا ووقفوا ليصلوا بل وصاروا ملتزمين بأداء الصلاة في وقتها مع باقي الشباب!
دمعت عينا ريحانة وهي تقول :
- وأنا منهم يا مصطفى! صدقني لقد وجدت هنا دينًا يُطبق تطبيقًا رائعًا، هل تصدق بأن النساء اللواتي يأتين كل يوم مع بناتهن لتقديم المساعدة للشباب كن يدخلن للخيمة وقت الصلاة وبعد ادائهن للصلاة يبدأن بالدعاء والبكاء والتضرع إلى الله بحفظ الشباب ونصرهم على الظالمين، كن ملتزمات هن وبناتهن بكامل الحجاب الشرعي وكن يشجعن أولادهن على تنظيف الساحة بشكل مستمر!
رأيت كيف يأتين بالأموال لأجل التبرع بها وكذلك بالطعام هن وازواجهن بشكل مستمر ويومي! بينما كنت أنا أنظر للعوائل المتدينة وخاصة في هذه المدن المقدسة على أنها عوائل متكبرة ومنعزلة عن المجتمع ولا رحمة لها ولا إنسانية!!

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن