18

136 14 1
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 18 -

إلتحقت ريحانة ووالدتها مع بقية النسوة في ساحة الاعتصام بعد أن إزداد عدد النساء المعتصمات مع أولادهن وإخوانهن في ساحة الاعتصام، مما أدى إلى تهدئة وقتية للأمور.
فرشت ريحانة فراشها قريبًا على باب الخيمة لتستمع إلى مصطفى وبعض الشباب الذين كانوا يجلسون بالقرب من خيمة النساء لحمايتهن.
كانت تستمع بلهفة :
مصطفى : الأيام تمضي والحكومة لا تنوي الاستقالة!
أحمد : سترضخ لنا في النهاية.. صدقني.
محمد : النقابات أعلنت إضرابها المفتوح حتى نيل المطالب.. وكوادر العتبات المقدسة نزلت معنا إلى ساحات الاعتصام والتظاهر.. ماذا نريد أكثر من ذلك؟
علي : المرجعية الدينية تصف المتظاهرين بالأحبة، وتطلب من القوات الأمنية أن لا يتعرضوا لنا نهائيا ورغم ذلك ما زال هناك عشرات الشهداء يوميًا وفي كل مناطق العراق!
حسين : الحكومة التي تدعي التدين لم تستمع لكلام المرجعية!
أحمد : لو كانت هذه الحكومة دينية فعلًا لأخذت بكلام المرجعية الدينية في النجف الأشرف ولقامت بتلبية طلبات المتظاهرين بأسرع وقت دون وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات العامة
مصطفى : بسبب هذه الحكومات المتعاقبة والتي تدعي التدين خرج الناس من الدين أفواجًا أفواجا!
صمت الشباب وقرروا تفويض أمرهم لله فهو وحده القادر على نصرتهم في هذه الظروف الحرجة.
قررت ريحانة هي الأخرى الإستسلام للنوم بعد أن انقطع عنها حديث الشباب وقد بقى صوت مصطفى يرن في أذنها : بسبب هذه الحكومات خرج الناس من الدين أفواجًا أفواجا!
في الصباح إستيقظت ريحانة قبل الجميع وقد سمعت صوت مصطفى في الخارج ينادي على تقوى، رفعت الخيمة وهي بكامل حجابها وألقت التحية عليه لتخبره بأن تقوى ما زالت نائمة، فجاءها صوته :
- حسنٌ.. أخبري أمي أن تعد الفطور للشباب وهذا الخبز الحار قد أعدته الخالة ( أم صلاح ) جزاها الله خيرًا لم تتركنا منذ اليوم الأول وإلى الآن!
أعدت ريحانة الفطور دون أن توقظ أي من النساء وتفاجأ مصطفى لكل هذا الحماس الذي كانت تتمتع به خطيبته وحمد الله الذي جعل علاقته بها تستمر رغم ما كانت تتصف به من توتر.
قالت ريحانة وهي تأخذ الأواني الفارغة من مصطفى :
- هل تريد الذهاب إلى حضرة الإمام الحسين عليه السلام قبل أن تأتي الحشود المتظاهرة إلى هنا!
- نعم.. ولكن من أخبركِ بهذا؟!
- تقوى، قالت لي بأنك صرت تستغل قرب ساحة الاعتصام من ضريح الإمام الحسين لتزور الإمام كل يوم صباحًا.
- أهاا.. نعم صحيح هل تريدين مرافقتي؟
- أتمنى ذلك.
- هيا أسرعي إذن، واسألي البقية إن كن يردن أن يأتين معنا!
- لكنهن إلى الآن نائمات، ساعدهن الله على التعب طوال هذه العشرة أيام! سأوقظ أمي وأخبرها حتى لا تقلق علي إن لم تجدني.
وفي صحن الإمام الحسين عليه السلام قالت ريحانة لخطيبها وهما يجلسان أمام الضريح المقدس :
- الجملة التي أخبرت بها أصحابك ليلة أمس!
- أي جملة؟ وهل كنتِ تتنصتين علينا؟!
ضحكت وهي تقول :
- نعم تعمدت أن يكون فراشي بالقرب من باب الخيمة حيث تجلسون انتم!
- وما كانت تلك الجملة؟
- الأخيرة.
- أعرف إنها الأخيرة.. ذكريني بها!
- سمعتك تقول : بسبب الحكومات المتعاقبة والتي تدعي التدين خرج الناس من دين الله أفواجًا أفواجا!
- أهاا.. تذكرتها.
- ماذا كنت تقصد بها بالضبط؟
- لقد شوهت هذه الحكومات صورة الدين الحقيقي في نظر الناس فصار الكثير يكره دين الله بسبب التصرفات اللامسؤولة من قبل أعضائها كسرقة خيرات البلاد والتناحر فيما بينهم لأجل الكراسي والسلطة وعدم الإلتفات للفقراء من الشعب.. ألم تخبريني في بداية خطوبتنا بأنكِ لا تحبين الحديث عن الدين بسبب هؤلاء الذين ينتمون إليه ويتحدثون بإسمه؟!
- نعم صحيح!
- تركوا الشعب يمارس طقوسه الدينية بحرية وإنشغلوا هم بعمليات السلب والنهب، كما أنهم مستعدون أن يتركوا البلد بلا موازنة ولا تنفيذ مشاريع ولا حكومة فعلية إن لم يحصلوا على ما يرضيهم من الحصص البرلمانية..
و عندما تتم الطبخة على ذوق الجميع بعد مرور سنة أو سنتين على الانتخابات يبدأوا بعقد جلساتهم لأجل إقرار وسن القوانين التي تنفعهم وتضمن لهم ولأبنائهم مستقبلًا زاهرًا في بلدان الخارج!
وهذا ما حدث منذ ستة عشر عامًا وإلى الآن!
هذه الحكومات الاسلامية والدينية التي تدعي الانتماء لدين الله ولرسول الله ولعلي بن أبي طالب ولعمر بن الخطاب لم نرَ منهم موقفًا موحدًا يصب في مصلحة البلاد والشعب!
كانت ريحانة تستمع لخطيبها وهي تنظر إلى عينيه مباشرة فلقد ادهشتها تلك الدموع وذلك الصوت الحزين الذي امتلأ عبرة وغصة!
قالت وهي تخرج منديلا من حقيبتها :
- إمسح دموعك يا مصطفى فنحن عند سيد الشهداء الذي يأبى لأنصاره الذل والضعف، يجب أن نبقى أقوياء إلى آخر رمق فينا.
رفع مصطفى رأسه نحو قبة ضريح الحسين وهو يقول :
- ليس ذلًا ولا ضعفًا لكن العبرة تخنقني يا ريحانة، أتمنى أن أصرخ بأعلى صوتي لأشكو للحسين( عليه السلام) كل ما فعله بنا أولئك الذين يدعون حبهم وانتمائهم لرسول الله وعلي والحسين!
أريد أن أخبره بأن هؤلاء كانوا السبب الرئيسي في إلحاد مئات الشباب اليوم!
صار الناس كارهين لدينكم يا أبا عبد الله لأنهم - للأسف - قاسوا الدين على أساس أولئك الرجال وما هم برجال! لو كانوا رجالا فعلًا لاحترموا المبادئ التي تكلموا عنها في حملاتهم الانتخابية من الاصلاح والمساواة والعدالة.. أما الآن فتعال يا ( حسين) لترى تلك الحكومات كيف صارت تتناحر فيما بينها لأجل الدنيا لا غير!
هل تعلمين يا ريحانة بأن خالي استشهد على يد الطاغية صدام منذ أكثر من ثلاثين عامًا بسبب انتمائه الديني والمذهبي ونشاطه الإصلاحي؟ أما اليوم فأنا أحمد الله الف مرة أن إختار خالي لينال الشهادة فلو كان ما زال حيًا لا أعرف ماذا كان قد حصل له ولأفكاره ومبادئه حاله حال هؤلاء الذين استلموا الحكومة الآن في حين أنهم كانوا - ظاهريًا - معه في ذلك الوقت!
قالت ريحانة محاولة مواساته :
- ليس شرطًا أن يتغير لو كان حيًا إلى الآن، الانسان الذي يكون أساسه الديني قوي لا أظنه سيتغير بسهولة!
لكأت هذه الجملة جراح مصطفى فقال بأسى :
- وهل برأيك أن الأساس الديني القوي يجعل الإنسان ثابتًا على مبادئه الحقة؟
- نعم بالتأكيد.
- لكن أساسكِ أنتِ وصديقي عماد - رحمه الله - كان أساسًا قويًا فلماذا تغيرتما؟ ولماذا إبتعدتما عن الدين إلى الدرجة التي صرتما فيها لا تطيقان سماع هذه الكلمة؟
طأطأت ريحانة رأسها قائلة :
- نحن حالنا حال مئات الشباب اليوم صرنا ضحية لزيف المخادعين فصدمتنا هذه الحكومات الدينية! بل صرنا نقيس ديننا على أساس أولئك المتلبسين بالدين.. لكني الآن نادمة يا مصطفى ولو كان عماد حيًا أيضًا وشهد أيامنا هذه وسمع كلامك هذا فحتمًا إنه سيعلم أن الدين الحقيقي ينأى بنفسه عن كل تلك الجهات المنافقة.
ولأن أساسي قوي - ولله الحمد - فلقد عدتُ بقوة وصرت أبصر الحقيقة كما هي، فعلًا أن ديننا بريء من كل هذه التصرفات والأفعال الدنيئة للمتلبسين به زورًا وبهتانًا.

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن