21 22

155 12 0
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 21 + 22 -

قالت ريحانة في إحدى الليالي وهي تتصل بخطيبها :
- هل تعلم يا مصطفى أنني ومنذ اليوم الذي كلمتني فيه عن حياة زمن الظهور وكيف سيغدو الكون ربيعًا صرت أستشعر ذلك الربيع في أيامنا هذه!
سألها بتعجب :
- وكيف ذلك!
أجابت بلهفة :
- رغم أننا نعيش في فصل الخريف الآن لكنني أشعر بأن الفصل ( ربيع ) والهواء نقي والأجواء رائعة! .. كل ذلك لأننا حاربنا الظلم والجور في زماننا وكأننا صرنا نهيأ الطريق لصاحب الأمر روحي فداه!
منذ الصغر يا مصطفى وأنا أتمنى أن أتحول إلى فراشة تحوم حول الأزهار في فصل الربيع، وها أنا اليوم أشعر بأن حلمي ذاك قد تحقق فيكفي في هذه الثورة أن علمتني أمورًا كثيرة عن ثورة صاحب الزمان وعن روعة الحياة حين مقدمه إلينا! صرت أستشعر نفسي بأني تلك الفتاة التي وضعت يدها على أزهار الربيع قبل الجميع!
بل صرت أستشعر نفسي بأنني تلك الفراشة التي وجدت الربيع قبل أن يأتي!!
قال مصطفى باهتمام :
- سبحان الله .. منذ طفولتنا وأنا أراكِ كالفراشة التي تبحث عن الربيع ويسعدني بأني أراكِ الآن كذلك! لكن يا عزيزتي يجب أن لا تثقي كثيرًا بالأيام القادمة، يجب أن نكون حذرين حتى وإن إنتصرت ثورتنا فلا نعلم ماذا يضمر لنا أعداء العراق من مخططات! يجب أن نبقى حذرين.
كانت ريحانة تستمع باهتمام بالغ، أكمل مصطفى وهو يستشعر إهتمامها :
- العراق مسقط رأس الإمام المهدي عليه السلام فهو الإمام الوحيد الذي ولد في العراق وستكون عاصمته في العراق أيضا، وهذا يعني أن حكم العالم كله سيكون من العراق! هل تعلمين ما معنى ذلك؟
- لا!
- معناه أن العراق سيبقى هدف أعداء الحرية والعدل.
- ولكن لماذا؟
- لأنهم يتصورون أنه من السهولة القضاء على ثورة الإمام المهدي عليه السلام قبل أن تبدأ!
- وماذا تقصد من كلامك هذا؟
- أقصد بأنه قد يكون ما يزال أمامنا الكثير لتمهيد وتهيئة الدرب أمام ثورة الإمام روحي فداه.. فهل أنتِ مستعدة؟
صاحت بلهفة :
- طبعًا مستعدة! رغم أنني أشعر بأن الربيع قريب جدًا.. أقصد بذلك ربيع مقدمه المبارك.
- بإذن الله تعالى عزيزتي ، وأنا أيضا أشعر بذلك صدقيني.. إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبا.
********
في ساحة التحرير في بغداد كان أغلب الشباب ينامون في المطعم التركي الذي هو عبارة عن بناية كبيرة تطل على المنطقة الخضراء لذلك تركتها الدولة بدون إستغلال حفاظًا على أمن المنطقة الخضراء التي يسكن فيها أكبر شخصيات الدولة!
أطلق الشباب إسم ( جبل أُحد) على تلك البناية الضخمة بعد أن تمركزوا فيها، وصارت هذه التسمية رمزًا وطنيًا من رموز الثورة وصار الناس عندما يريدون التحدث عن مواقف الشباب في ذلك المطعم يقولون شباب جبل أُحد!
ولشد ما أثار اهتمام الجميع كيف حول الشباب هذه البناية المهجورة إلى متحف فني رائع جدًا بعد أن تحولت جدرانه إلى لوحات فنية تحكي بطولات النصر والشهادة في هذه الثورة الكبرى.
وكان الشباب يصورون من أعلى هذه البناية ويوثقون المواقف البطولية للشباب العراقي وهم يقفون بوجه قوات مكافحة الشغب لا يملكون غير العلم العراقي فتأتيهم قنابل الغاز المسيل للدموع في رؤوسهم لتفلق الرأس إلى نصفين!!
كانوا أغلب الشهداء فتيان تنحصر أعمارهم بين السادسة عشر والعشرون عامًا!
أما الأماكن التي كانت تحدث فيها هذه الأحداث البشعة فأغلبها عند جسور ( التحرير والسنك والجمهورية والشهداء) في قلب العاصمة بغداد.
لم يكن لدى الشباب ما ينقلون به الشهداء والجرحى إلا تلك المركبات الصغيرة التي تسمى "التكتك" حتى أن هذه المركبة صارت هي الأخرى رمزًا ثوريًا في ذلك الوقت وأطلقت تسمية ( تكتك) على أول صحيفة يصدرها شباب الثورة تثمينًا منهم لجهود الأبطال أصحاب هذه المركبات الصغيرة في نقل جرحى الثورة بشكل مجاني وسريع إلى المستشفيات القريبة من ساحات التظاهر.
*****
في الفترة التي قضتها ريحانة في المنزل ومع إستمرار الإضراب الطلابي عن الدوام كانت بحاجة أن تقرأ الكثير عن حقيقة رسول الله ( محمد) وعن حقيقة ما جاء به من دين وأحكام..
إتصلت بخطيبها وأخبرته عن حاجتها هذه فسألها أي كتاب تحبين أن أجلبه معي في زيارتي القادمة؟
أجابته بلهفة :
- أتمنى أن أقرأ كتاب للسيد التيجاني بهذا الخصوص ولكني لا أذكر اسمه!
- تقصدين كتاب ( وأكثرهم للحق كارهون)؟
- نعم.. نعم هو بالضبط! ولكن كيف عرفته مباشرة؟ فأنا لا أذكر بأني تحدثت عنه سابقا إلا في محادثاتي مع علاء؟!
تلعثم مصطفى قليلًا في الجواب ثم قال :
- عرفته لأنه أكثر كتاب لدى السيد التيجاني يتحدث فيه عن حياة رسول الله" صلى الله عليه وآله" بالتفصيل وهو اختيار موفق، أهنئكِ عليه! فلقد ذكر فيه حياة رسول الله " صلى الله عليه وآله" وأتذكر أنه قد قسمها إلى ثلاث مراحل تحت عنوان ( هل كان رسول الله محاربًا)؟
قالت باهتمام بالغ :
- وهذا ما أريد معرفته تمامًا.. سأنتظر مجيئك بلهفة كبيرة هذه المرة.
قطب مصطفى حاجبية وتغيرت نبرة صوته قائلًا باستياء :
- وهل كان إنتظاركِ لي في المرات السابقة دون أي لهفة؟
ضحكت ريحانة من كل قلبها وهي تقول :
- لا يا نور عيني صدقني لم أقصد ذلك! لكني متشوقة لمعرفة المزيد عن الرسول " صلى الله عليه وآله" وخاصة ما أثيرت عنه من شبهات ما زلنا نعيش سلبياتها وتأثيراتها إلى يومنا هذا!
جاء مصطفى حاملا معه الكتاب وبعد أن قضى وقتًا لا بأس به مع خطيبته إتجه إلى خيام المعتصمين تاركاً ريحانة مع كتابه المفضل!
*********
قلبت ريحانة صفحات ذلك الكتاب المهم إلى أن وصلت إلى بحث ( هل كان رسول الله محاربًا؟ ) وقرأت فيه :
المرحلة الأولى من حياة رسول الله ( محمد )
لم يسجل التاريخ لمحمد الطفل والشاب والكهل أي فترة من حياته أنه حمل خلالها سلاحا أو سيفا أو تلقى تدريبات قتالية ، أو شارك في غارة من الغارات التي كانت القبائل العربية تشنها على بعضها البعض قبل ظهور الاسلام .
بل كان محمد وديعًا مسالما يحب الناس ويقضي حوائجهم وخصوصًا المساكين والمستضعفين من النساء والرجال والولدان ، صادقًا في كلامه أمينًا في ودائعه حتى لقبه قومه بالصادق الأمين قبل أن يكون نبيًا رسولا .
وعندما أرسله الله سبحانه إلى الناس كافة وأمره بدعوة العباد لعبادة الخالق وحده ، كانت دعوته سلمية لم يحمل في وجوههم سلاحًا ولا أسس عصابة لمحاربة الناس وارهابهم أو لتهديدهم واغتيالهم .
إنما دعا قومه إلى :
1- ترك عبادة الأصنام وعبادة الحي الذي لا ينام .
2- تحرير العبيد من الظلم والاستبداد .
3 - إحترام الأنثى كإحترام الذكر فلا تدفن في التراب حية .
4- ترك الفواحش كالزنا والاغتصاب وشرب الخمر واكل الربا والمال الحرام والقمار .
5- إحترام النفس البشرية عندما جعل من يقتل النفس الواحدة كأنما قتل الناس جميعا .
وكانت دعوته الى ذلك كله بالحكمة والموعظة الحسنة وكان يجادلهم بالتي هي أحسن ويحييهم بتحية السلام ....
المرحلة الثانية من حياة رسول الله ( محمد )
عارضه قومه بالسب والشتيمة ورموه بكل التهم وقالوا مجنون وساحر  وكذاب ، وضربوه وسجنوه في شعاب مكة ثلاث سنوات ومع كل ذلك توجه الى ربه قائلا :
" اللهم إهدي قومي فإنهم لا يعلمون "
لم يحارب ولم يقاوم إلا بالصمود والثبات والصبر واضطر أخيرا الى مغادرة مسقط رأسه ، وهاجر الى بلد غريب عندما بايعه الأنصار هناك على حمايته والدفاع عنه لمنعه من القتل والاغتيال عندما أرادوا به ذلك .
أصبح رسول الله الحاكم الفعلي في المدينة المنورة التي كانت موطن القبائل العربية من اوس وخزرج وهم من اصول يمنية وكذلك موطن لقبائل يهودية ، وأول شيء فعله رسول الله أن عقد هدنة مع يهود المدينة تكفل حريتهم بالعيش مع المسلمين ولهم أن يقيموا شعائرهم على ديانتهم اليهودية مع ضمان المساواة والعدالة الاجتماعية ..
ثم أكب رسول الله على كتابة أول دستور يضمن حقوق الانسان ، ولنا أن نقرأ ما كتبه المستشرق الروماني ( جيور جيو ) يقول :
حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندا ، كلها من رأي رسول الله ، خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان وقد دون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده .
وضع هذا الدستور في السنة الأولى من الهجرة الموافق لعام 623 م .
فكيف نصدق بعد ذلك من يقول بأن محمدًا بعث بالسيف وأنه انتصر بالسيف وأن دينه فرض على الناس بالسيف في حين أن الذي بعثه وأرسله يقول في سورة الأنبياء - آية 107 : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "؟!
فهل الرحمة في القتل وإراقة الدماء؟!
ويخاطبه عز وجل بأنك يا محمد ليس لك أن تفرض صيطرتك على الناس لأنك ما بعثت إلا مذكرا وناصحا وذلك في قوله تعالى في سورة الغاشية الآيتين 21 - 22 :" فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمصيطر "
ويقول في سورة يونس - آية 99 : " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "
وهل أوضح من هذه الآية دليل على عدم جواز إكراه الناس على الدخول في الإسلام .
المرحلة الثالثة من حياة رسول الله ( محمد )
قد يأتي من يسأل الآن : إن كان الله قد أرسل رسوله رحمة للعباد ومنعه من اكراههم على الدخول إلى دين الاسلام فلماذا خاض رسول الله حروبا ومعارك كمعركة بدر وأحد وحنين والخندق والأحزاب وخيبر ؟؟؟؟
وما حقيقة الفتوحات الاسلامية التي قام بها الخلفاء بعد وفاة رسول الله محمد ؟!
أليس في هذا إكراه الناس على الدخول في الاسلام ؟!
ويكون الجواب كالتالي :
ان الجهاد أو القتال في سبيل الله ورد في القرآن الكريم بمعنى الدفاع وليس معنى الهجوم ، الدفاع عن النفس وهو حق مشروع في كل دساتير العالم ، وفي كل الأعراف الدولية وهو أمر طبيعي لا ريب فيه .
ومن المعلوم أن اللغة العربية تفرق بين القتال والقتل ، فالقتل هو الهجوم والاعتداء ، وهو جريمة عند الله .
وقد ركز القرآن في كل آيات الجهاد على معنى القتال دون القتل وبين بوضوح بأن القتال لا يكون إلا دفاعا عن النفس وذلك قوله تعالى :
" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " البقرة - 190
فالله سبحانه وتعالى لا يحب المعتدين الذين يقتلون الناس ظلما وعدوانا .
وقد كان رسول الله أحرص الناس على تطبيق أوامر الله سبحانه ، فلم يسجل التأريخ أنه أغار على قبيلة أو هاجم قوما أو اعتدى على من ناصبه العداوة والبغضاء ، ولم يحارب إلا مضطرا للدفاع عن نفسه وعن أصحابه المؤمنين ، وكان يوصيهم في أشد المعارك مع الأعداء بأن لا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا هاربا ولا يقتلوا أسيرا ولا إمرأة ولا طفلا ، ولا يمثلوا بجثة ، ولا يحرقوا شجرا ولا يهدموا بيتا .
وبعد هذا الطرح الموجز يتبين لنا بأنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن محاربا بل كان مسالما الى أبعد الحدود فهذا قول الله سبحانه وتعالى وهو يخاطب رسوله في القرآن الكريم يؤكد لنا هذا الطرح حيث يقول عز وجل في سورة الأنفال - آية 61
" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم "
يبقى لنا أن نعرف أن كل المعارك التي شارك فيها رسول الله بنفسه أو بجيشه كانت دفاعية وليست هجومية - حتى فتح خيبر إذ لم يتجه الى حصن خيبر إلا بعد أن ضاق ذرعا بتصرفات اليهود ومكائدهم الخبيثة التي كانوا يريدون بها القضاء عليه شخصيا - وأوضح دليل على أنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام كان مدافعا في حروبه جميعها هو موقع أول حرب قادها ( غزوة بدر الكبرى ) اذ نلاحظ أن ( بدر ) تبعد عن مكة ما يقارب 400 كيلو متر ، ولا تبعد عن المدينة سوى 80 كيلو متر ، وهذا يدل على أن المشركين كانوا قاصدين المدينة المنورة للقضاء على رسول الله بعد إعلان الحرب عليه .

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن