27 28

137 11 0
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 27 + 28 -

في يوم 24 من شهر كانون الأول أقر مجلس النواب العراقي قانون الانتخابات الجديد الذي يضمن حق الترشيح الفردي بنسبة 100٪ وبدوائر متعددة وهو ما كان يدعو إليه المتظاهرين منذ أول يوم لقيام الثورة..
وهكذا دخل العراق مرحلة جديدة بفضل الله تعالى وبفضل إصرار الجماهير المرابطة في ساحات الاعتصام والتي شهدت في الأيام الأخيرة إضراب شباب ساحة التحرير في بغداد وباقي المحافظات عن الطعام إلا بعد إقرار قانون الانتخابات، وبفضل دماء 600 شهيد و أكثر من 16 الف جريح.
وبعد تنفيذ أهم مطلب شعبي لثورة تشرين وشعور الشباب بالانتصار المعنوي حينها صار مصطفى يفكر بإنهاء فترة الخطوبة والتهيأ للزواج وبكل بساطة ودون أي تكلف - إكرامًا لدماء الشهداء - كما صار يفكر بطريقة يستطيع من خلالها أن يكشف حقيقة علاء أمام ريحانة!
كان متردد كثيرًا في مسألة إخبارها بالحقيقة لكنه في نفس الوقت كان مجبرًا على كشف الحقيقة كاملة قبل الزواج حتى لا تكن تلك النقطة حجر عثرة تقف في وجه سعادته!
فتح البريد الالكتروني بإسم علاء وكان قد تركه منذ وفاة والده فوجد رسالة واحدة من ريحانة كتبت له فيها :
أخي في الله علاء، أود أن أخبرك بأن ديني رجع لي ناصعًا صافيًا بفضل الله وبفضل جهودك وجهود خطيبي مصطفى ولقد عادت المياه إلى مجاريها بشأن علاقتي بخطيبي وصرت اسأله عن كل ما يشغل بالي بخصوص الدين لذلك سوف لن أضايقك مرة أخرى بأسألتي الكثيرة وأشكرك كثيرًا على سعة صدرك وعلى كل المعلومات والأدلة والحقائق التي زودتني بها في الفترة السابقة.
كتب لها :
- الشكر لله عزيزتي وأتمنى لو أستطيع أن أراكِ في أقرب فرصة لأني أريد أن أحدثكِ بموضوع هام جدا.
وصلت الرسالة لريحانة وتفاجأت للمحتوى! فما الذي يريده منها علاء بعد كل هذه الأشهر التي مضت على آخر مرة تكلما فيها؟!
كتبت له وكان ما زال بريده نشطًا وكأنه ينتظر منها ردًا عاجلًا!
- ولكن ما الذي تريده مني بالضبط.. ألا يمكن أن تتكلم هنا؟
فكتب لها :
- لا.. يجب أن أراكِ وجهًا لوجه.
كتبت :
- حسنٌ.. سأدعو خطيبي للحضور أيضا فأنا أريده أن يتعرف عليك، لقد حدثته كثيرًا عنك وأنا متأكدة من أنه سيفرح عند معرفته بقدومك للجامعة!
كتب :
- ولكن هل يجب أن يكون موجودا؟ ألا يمكن أن نجلس لمفردنا!
كتبت :
- طبعا لا.
كتب :
- حسنٌ.. كما تشائين.
سأحمل كراسًا لون غلافه أزرق وعليه صورة وردة حمراء، هذا حتى تعرفينني!
كتبت :
لماذا لا أعطيك رقم خطيبي لتتصل به ساعة قدومك؟
كتب :
- لا بأس.. أعطني إياه!
******
إتصلت ريحانة بمصطفى مباشرة لتخبره بما دار بينها وبين علاء، وما كان من مصطفى إلا أن إستقبل كلامها برحابة صدر محاولاً تغيير الموضوع قدر الإمكان!
- إسمعي ريحانتي.. هل تذكرين بأنني اشتريت لكِ كتابًا في أول خطوبتنا عندما ذهبنا معًا إلى المعرض؟!
- اممم.. نعم تذكرت!
- وأين هو الآن؟
- لا أعلم حقًا، اعتقد بأني أضعته!
صمتت قليلًا ثم قالت :
- لا.. إنتظر! إنك لن تعطني إياه أصلا!!!
ضحك مصطفى وهو يقول :
- جيد إنكِ تذكرتِهِ.. هل تريديه؟!
- نعم.. نعم أليس ذلك الكتاب هديتك الأولى لي؟
- بالضبط.. سأجلبه معي اليوم مساءًا عندما آتي لزيارتكم.
*******
بعد زيارة مصطفى لها وبعد أن صار كتاب ( في قلبي أنثى عبرية) بين يدي ريحانة، اندمجت كثيرًا مع صفحاته وذكرتها معاناة بطلة الرواية ندى عند غياب خطيبها أحمد بمعاناتها هي عند غياب مصطفى!
أجمل ما كان في الرواية انها حقيقية! وأن أبطالها ما زالوا أحياءًا يعيشون معنا على وجه الأرض وقد التقت بهم الكاتبة ( خولة حمدي) شخصيًا وهم من سردوا لها مجريات حياتهم.
أخذت ريحانة ورقة وقلم وصارت تكتب أسماء الكتب التي أشارت إليها الرواية والتي شعرت أنه من المهم قراءتها جيدًا وخاصة انها تجمع أحب شيئين إلى قلبها ( الدين والعلم).. الكتاب الأول رواية ( جولتي وحيدًا عبر هذا القرن) لروجيه غارودي الفيلسوف والكاتب الفرنسي حيث قصّ فيها سيرته الذاتية ابتداءًا من الحرب العالمية الأولى، وتأرجحه بين الشيوعية والكاثوليكية، مرورًا بصراعاته السياسية والفكرية في منتصف القرن، وصولًا إلى إسلامه في أوائل الثمانينات، يقول غارودي في هذه الرواية أن المعاني التي بحث عنها طوال حياته قد وجدها في الإسلام!
الكتاب الثاني ( التوراة، القرآن والعلم) للدكتور موريس بوكاي وهو جراح فرنسي اعتنق الإسلام واهتم بدراسة الكتب المقدسة، وقد وضع في كتابه هذا خلاصة أبحاثه بخصوص ( العهد القديم والعهد الجديد والقرآن) وعلاقتها بالعلم.. وقد توصل إلى نتائج مدهشة.
أجمل المقاطع التي توقفت ريحانة عندها طويلا هو الحوار الذي دار بين ندى وميشال الذي يلومها على اعتناقها للإسلام بالقول :
- ما الذي وجدِته عند المسلمين ولم تجديه عند أهلكِ اليهود؟ الا ترين ما هم عليه من التخلف والتأخر عن بقية الأمم؟ لو كانوا على دين الحق لكان الله وفقهم وسخر لهم الإمكانيات المادية.. لكن دينهم لم يساعدهم إلا على التقهقر والانغلاق!
يستمر ميشال بتعداد كل سلبيات المسلمين وإداراتهم التي تسودها الفوضى والفساد! فتقاطعه ندى بالقول :
- ميشال.. لا تحكم على الإسلام هكذا! لا تنظر إلى ما يفعله المسلمون، بل انظر إلى ما تنص عليه تعاليم الإسلام! أنت تعلم أكثر مني أن الإسلام يقوم على الأخلاق الحميدة.. على النظام والأمانة وإتقان العمل والنظافة. الإسلام بريء من كل هؤلاء : من الكاذب والمرتشي والمحتال والظالم والمبذر! أنا اخترت الإسلام لأنني وجدت فيه ذاتي، ولم أتساءل عن بقية المسلمين!
تذكرت ريحانة هنا كلام علاء عن المسؤولين الفاسدين المتلبسين بالدين الإسلامي، فهل فساد المسؤول المسلم يعني فساد الإسلام؟ وهل تخليه هو عن دينه يفرض علينا أن نتخلى نحن أيضا عن ديننا ومبادئنا السامية؟ لماذا صرنا نقيس الدين بالرجال؟ بينما الواجب أن نقيس الرجال بالدين.. فنقول هذا رجل متدين قولاً وفعلا وذاك لا يعرف من الدين إلا اسمه!!
المقطع الآخر الذي توقفت عنده ريحانة وذرفت الدموع الحارة وهي تقرأه هو المقطع الذي تتحرك فيه شفتا ( جاكوب) بشكل لا إرادي وهو يردد :
يا الله، يا رب السماوات.. أيًّا كنت وكيفما كنت.. دلّني على الخيار الصواب، أرني الطريق الصحيح، ارشدني إلى حيث أجدك!
أريد آيةً واضحة.. أريد إشارة صريحة تخرجني من حيرتي وضياعي...
فتح كتاب الله بصفة عشوائية وقرأ الآيات الأولى من الصفحة :
( أَوْ تَقُولَ لَو أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَو أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحسِنِينَ، بَلَىٰ قَد جَاءَتكَ آيَاتِي فَكَذَّبتَ بِهَا وَاستَكْبَرتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
صعق وهو يعيد قراءة الآيات مرة أخرى، ثم لمرات أخرى، ومرة إثر مرة تزايد إحساسه بأنها تخاطبه هو دون غيره....
إنهار على الأرض وقد ذهبت قواه! لا يا الله، لا أريد أن أكون ممن يندمون بعد فوات الأوان، لا أريد أن أتحسر على تضييعي لهذه الفرصة للنجاة! اللهم اني أشهد أن لا إله غيرك، وأن محمدًا عبدك ورسولك..
وترك العنان لدموعه، تغسل ما مضى من ذنوبه.
***
كانت جالسة لوحدها عندما جاء مصطفى وسلم عليها، رحبت به وهي تقول :
- ألم يتصل بك علاء إلى الآن؟
قال لها محاولاً أن يبدي غيرته من علاء :
- ألا تلاحظين إنكِ مهتمة لأمره كثيرًا!
قالت بابتسامة جميلة :
- ليس اهتمامًا بقدر ما هو فضول! أتمنى أن أعرف بماذا يريد أن يتحدث!
ابتسم هو الآخر وهو يقول :
- دعينا منه الآن.. انظري إلى هذا الكراس لقد جذبني لونه الأزرق.. لوني المفضل، وهذه الوردة الحمراء لونك المفضل!
صعقت ريحانة وهي تشاهد الكراس بيد مصطفى، ولكن ألم يخبرها علاء بأنه سيحمل كراسًا أزرق اللون وعليه وردة حمراء؟!
ولكن ما هذه الصدفة، إنها حتى لم تخبر مصطفى بكل التفاصيل التي كتبها علاء في تلك المحادثة!
نظرت إلى مصطفى مطولًا ثم قالت :
- ولكن أصدقني القول.. هل التقيت بعلاء اليوم؟
قال وهو يخفي ابتسامة ماكرة :
- هل عدنا للحديث عن علاء؟ سوف أترككِ وأرحل إن سمعت إسمه على لسانكِ مجددًا.
قالت وقد غاضها اسلوبه :
- ولكن ما بك يا مصطفى..؟ لماذا تعاملني بهذه القسوة؟
لمح الدموع والحيرة في عينيها فضحك وهو يقول :
- من اليوم لا علاء في الوجود.. مصطفى وحده في حياتك!
نظرت إليه بدهشة وهي تقول :
- ولكن علاء لم يكن إلا شخص عابر في حياتي لجأت إليه فقط من أجل أن أوطد علاقتي بك.
- حسنٌ.. والآن وبعد أن توطدت علاقتنا إلى الدرجة التي لا نستطيع أن نتخلى بها عن بعضنا لحظة واحدة فما شأننا بعلاء إذًا؟
- ولكن ألا نعلم ما الذي يريده من رؤيتي؟
قال وهو يجيد دور الممثل :
- أظنه كان يريد مصارحتكِ بشيء، ولما رأى اصراركِ على وجودي معكما فقد تخلى عن فكرة رؤيتك!
بدى الارتباك واضحًا عليها وهي تسأل :
- يصارحني؟!
- نعم!
- وبماذا؟
- بحبه لكِ!
صاحت بدون وعي :
- ماذا؟ حبه لي! ولكن ما الذي تقوله.. وبكل هذا البرود!
أطلق مصطفى ضحكة عالية فهو غير قادر على الاستمرار في التمثيل أكثر من هذا.. قال أخيرًا :
- نعم صدقيني.. أراد مصارحتكِ وها هو الآن ماثل أمامكِ!
أدارت ريحانة عينيها حول المكان بحركة سريعة وهي ترتجف باحثة عن علاء، وهنا شعر مصطفى بالغيرة من علاء رغمًا عنه! قال وقد تغيرت ملامحه :
- هل تبحثين عن حبيب آخر غيري؟
نظرت إليه ريحانة نظرة عتاب وهي تقول :
- كفاك تلاعبًا بأعصابي يا مصطفى.. أنت تعلم جيدًا بأني لن أستبدل حبك بأي حب آخر مهما كان، فلماذا تشكك بمشاعري؟!
- حسنٌ الآن.. ما دام الأمر كذلك فهل تعدينني بأن حبي سيبقى كما هو في قلبك مهما حدث؟!
هزت رأسها ودموعها تسبق كلماتها :
- أقسم لك بذلك.
قال وهو يترقب صدمتها :
- حتى وإن ظهر لكِ بأن علاء هو نفسه أنا!
توقفت عن البكاء لوهلة، نظرت له مطولًا ثم مدت يدها نحو الكراس وهي تردد :
- لم يكن صدفة! ولا حتى ذلك الكتاب؟!
قال بفضول :
- أي كتاب؟
- كتاب السيد التيجاني! وكيف أنك عرفت إسمه مباشرة!
ضحك وهو يقول :
- أوه نعم.. لقد أفلتُّ إسم الكتاب في وقتها دون أن أشعر.. لم انتبه إلا بعد أن سألتِني عن كيفية معرفتي له! وخشيت وقتها أن تبدأي بالشك في أمري!
قالت وما زالت آثار الصدمة بادية عليها :
- لقد شككت! لكني ضحكت على نفسي وقتها وقلت لا يمكن أن يكون علاء هو نفسه مصطفى؟
سألها بمزيد من الاهتمام :
- ولماذا لا يمكن!؟
- لأنه أكثر لطفًا منك!
- هل فعلا ترين هذا؟ لقد بدأت أغار من علاء فعلا!
ضحكت ريحانة وهي ترى إحمرار أوداجه :
- وهل يغار الإنسان من نفسه؟
أجابها خافيًا ضحكته :
- عندما يتعلق الأمر بمن نحب.. نعم نغار من أنفسنا!
قالت وهي تستعد للذهاب :
- أنا لكِ يا يقين.. كيف تسمحين لنفسكِ أن تدخلي مع خطيبي في هكذا لعبة!
قال وهو يمسكها من ذراعها ليعيدها إلى الجلوس :
- جزاها الله خيرًا.. لقد سهلت عليّ الكثير من الأمور!
خفضت رأسها خجلاً وهي تسأله :
- هل فعلتَ كل ذلك من أجلي يا مصطفى ؟
غمز بعينه وهو يقول :
- لم أفعل شيء.. فقط بريد إلكتروني جديد وإسم مستعار!
ضحكت وهي تسأله بفضول :
- ولماذا لم تراسلني من بريدك؟
- لأنكِ لم تعطني فرصة لذلك أصلاً .. هل تذكرين كيف كانت نظرتكِ عني؟!
- نعم للأسف!
أكملت وهي تشعر بالامتنان الكبير له :
- لقد كانت إجاباتك جميعها شافية ووافية وجعلتني أبصر الكثير من الحقائق التي كانت خافية عني طوال هذه المدة .. أشكرك كثيرًا ومن كل قلبي!
ابتسم مصطفى قائلًا :
- الشكر لله تعالى فهو صاحب الفضل الأول والأخير.
رددت بامتنان :
- الشكر لله.. الشكر لله.

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن