8

143 18 2
                                    

فتـــــاة الربيع |💙🕊️
حلقة - 8 -

في المساء وعلى مائدة العشاء سألت مروة إبنتها :
- مالي أراكِ حزينةً حبيبتي؟
- آه يا ماما.. ماذا أقول؟ إنه مصطفى..
- مصطفى؟ وما به؟
- لا يتركني بحالي مطلقًا!
- لكن يا ريحانة هو ما زال زوجك شرعًا.. أم نسيتي بأنكما معقودان لبعضكما؟!
- لا يا ماما لم أنسَ ذلك .. لكنه طوال شهر كامل يتصرف وكأنه لا يعرفني، فلا أعلم ما الذي حدث له اليوم! لقد أخبرني بأنه يغار عليّ ويتمنى أن لا أرتدي ملابس ضيقة ولا أضع الماكياج!
- هذا جيد جدًا، فلولا حبه لكِ لما طلب منكِ هذه الأمور.. صدقيني يا بُنيتي!
- لكن يا ماما.. هذا أكبر دليل على أنه شاب معقد يريدني له فقط وكأني حاجة من حاجياته الشخصية التي إشتراها بأمواله! أنا في النهاية فتاة لي تطلعاتي في هذه الحياة.. لي شخصيتي، لماذا يريد أن يفرض رأيه على حياتي منذ البداية؟!
صمتت الأم فهي تعلم أنه ليس من السهولة مناقشة إبنتها في هذه الأمور، لكنها في سرها كانت سعيدة لتطور الأمور إلى هذه الدرجة بين مصطفى وريحانة فهذا يدل على أن مصطفى ما زال يريد أن يرتبط بإبنتها!
قضى مصطفى تلك الليلة وهو يتقلب في فراشه وبين لحظة وأخرى يفتح الهاتف لعل هناك رسالة وصلت من ريحانة لصفحته الثانية والتي كانت بإسم علاء، ولكن دون جدوى!!
في صباح اليوم التالي ذهب مباشرة إلى قاعة ريحانة ليطمئن على أحوالها فتفاجأ بملابسها التي كانت أكثر ضيقًا عن يوم أمس، أما المكياج فكان أكثر وضوحًا وأكثر جاذبية!!
خفض رأسه وهو يشعر أن الدم صار يغلي في عروقه، إنسحب من قاعتها بهدوء لكنها تبعته بعد أن رأت تواجده..
- مصطفى قف لحظة!
وقف ودون أن يلتفت إليها قال بأدب :
- تفضلي أختاه!
- ماذا ؟أختاه! هل هذا آخر ما توصلت إليه؟
- نعم للأسف! يوم أمس عندما ناديتك عزيزتي وغاليتي لم تقبلي، والآن يجب أن تقبلي بهذه الكلمة فليس بيني وبينك إلا رجوع والدي، صدقيني بعدها سينتهي كل شيء، عنادك وعدم إحترامك يجعلني أتأكد من مصير إرتباطنا معًا.. نعم فمصير هذا الإرتباط الفشل صدقيني.
تركها ومضى بينما هي تفاجأت من حرارة دموعها التي صارت تلفح وجهها، ذهبت إلى المغاسل وأزالت تلك الاصباغ الكيمياوية من وجهها وهي تردد :
- اللعنة عليكِ أيتها الدموع ، دائمًا تفضحين أمري، ليتني لم أكن عاطفية إلى هذه الدرجة!
قالت ليقين وهي تتمشى معها في أروقة الجامعة :
- اليوم سأعود لمحادثة علاء، أريد أن أتكلم معه عن خطيبي.. أنا أرى علاء أكثر فهمًا وتعقلًا من مصطفى وسأستشيره في أمر خطبتي.. ماذا تقولين ؟
- لقد قررت أن لا أتدخل بينكما يا ريحانة، لذلك لا تأخذي رأيي في موضوع خطبتك مرة أخرى إن كنتِ تريدين لصداقتنا أن تدوم.
- حسنٌ حسنٌ.. على راحتكِ!
بعد أن أكمل مصطفى فرضَي المغرب والعشاء وبينما كان ساجدًا يدعو الله أن يهيأ له من أمرهِ رشدا سمع صوت رسالة من هاتفه النقال، لملم سجادته بهدوء وإتجه نحو الهاتف فتحه فإذا بها رسالة من ريحانة لعلاء كتبت فيها:
- أخي علاء عندي سؤال مهم  : من يقول أن الدين الذي وصل إلينا إلى الآن هو نفسه الدين الذي دعى إليه محمد وأهل بيته؟
ألا ترى أن العلماء يعقدون علينا كل شيء من خلال تحريم الكثير من الأمور التي لا داعي لتحريمها؟
ما بها الأغاني مثلًا؟
أو أدوات المكياج التي تزيد من جمال المرأة؟
أوليس الله جميل ويحب الجمال؟
أليس هذا من الحديث الشريف؟
كتب لها :
- إن ديننا الحنيف لا يحرم شيئًا إلا وفي هذا التحريم مصلحة كبيرة للإنسان، فالغناء أو تبرج المرأة وغيرها من المحرمات كلها ثابتة الحرمة في كتاب الله وبالأدلة القطعية!
ولم يكن للعلماء دور في هذه الأحكام إلا في إيصالها لنا وإيضاحها بعد استنباطها من القرآن الكريم والسنة الشريفة.
- أنا ليس لدي مشكلة مع القرآن يا علاء، مشكلتي مع سنة الرسول وأهل بيته من قال إن هذه الأحاديث كلها صحيحة؟ قد تكون موضوعة من قبل أناس لهم مصلحة في وضعها!؟
- لقد أوضح لنا أهل البيت عليهم السلام الطريقة الصحيحة لمعرفة ما إذا كان الحديث صحيح أم لا؟
- وما هي هذه الطريقة برأيك؟
- نعرضه على كتاب الله فإن وافقه فسنأخذ به وإن لم يوافقه فسنضرب به عرض الحائط!
- حسنٌ جدًا إن أمكن هل أستطيع أيضًا أن أستشيرك في أمر مهم بالنسبة لي؟
كتب لها وهو يشعر بالإضطراب مما تريد أن تتكلم به خطيبته :
- نعم أختاه تفضلي.. في خدمتك إن شاء الله.
- أنا مخطوبة من شاب قبل فترة ليست بالطويلة، والآن نحن ندرس سوية في نفس الكلية، هو يفرض عليَّ أن ألبس الجبة الإسلامية أو أي ملابس على أن تكون واسعة وفضفاضة وأن لا أضع المكياج، حقيقة هو يريد أن يفرض عليَّ ذلك فرضًا دون قناعة مني؟!
شعر مصطفى بأن أعصابه لم تعد تحتمل وقاحتها، حاول أن يكون هادئًا وأن يسحبها في الكلام إلى النقطة التي يريد معرفتها، فكتب لها :
- إعذريني يا آنسة ريحانة إن كنت سأتعدى حدودي بالتدخل بينكما لكن هل خطيبكِ هذا إنسان جاهل لا يعرف النقاش؟ لماذا لا يتناقش معكِ قبل أن يفرض رأيه؟!
صدمت ريحانة وهي تقرأ هذه الحروف التي سطرها علاء بحق خطيبها، الأمر ليس كذلك! وهي لم تتعلم الكذب منذ الصغر بل لا تحب النفاق والدجل مطلقًا، لذلك عليها أن تقول الحقيقة كاملة ولا تبتر منها شيئًا..فكتبت بأنامل مرتجفة :
- حقيقة يا أخي هو إنسان مثقف ولكنني لا أعطيه فرصة للنقاش، لا أعلم لماذا لا أريد أن اتناقش معه بأمور الدين!
تنفس مصطفى الصعداء فلو أنها تكلمت بغير هذا لما إستطاع أن يكمل معها حواره الهادئ هذا، كتب وقد عاد إليه هدوءه :
- أكثر الناس لا يحبون سماع النصيحة من المقربين منهم في حين أنهم يحبون سماعها من غيرهم!!
- لا أعرف فعلًا، قد يكون الأمر كذلك!
- حسنٌ أختي.. ما هو المطلوب مني الآن؟
- أتمنى أن أعرف أين نجد الدليل على أن مفاتن المرأة يجب أن لا تظهر للرجال ما عدا الزوج؟!
وكما إتفقنا دليلك من القرآن لا غير.
- تجدين ذلك في قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن..) النور-31
- وهل الزينة هنا هي مفاتن المرأة؟
- وأين تكمن زينة المرأة برأيك؟
طبعا في جسدها! لذلك فرض عليها الدين أن لا تظهر من زينتها إلا الوجه والكفين، وحتى هذين الجزأين يجب أن لا تجعلهما في مقام الفتنة والزينة بإستخدام أدوات ومساحيق التجميل وإلّا أصبح عليها محرمٌ إظهارهما كباقي أجزاء الجسد!
- ولكن يا أخ علاء ألا ترى أن هذا إجحاف في حق المرأة؟
فلو كان الله يريدها أن تستر نفسها لسترها هو سبحانه ولم يعطها كل هذه الفتنة والجمال!
- ولكن يا أختاه ألا ترين معي أن لولا فتنة المرأة وجمالها بالنسبة للرجل لما إستمرت الحياة ليومنا هذا؟!
- وكيف هذا؟ لم أفهم!
- إنما أودع الله هذا الجمال والفتنة في المرأة لتكون مصدر إعجاب الرجل ومحل سكينته وإطمأنانه، وبالتالي سيختارها شريكة لحياته وسيكونان معًا عائلة وينجبان الذرية التي بإمتدادها يمتد النسل البشري ولا ينقطع.
شعرت ريحانة بشيء من الإحراج عندما تطرق علاء لهذه الأمور الدقيقة في حياة كلا الجنسين وتفاجأت من جرأته من الحديث معها دون حواجز!!
أما مصطفى فلم يكن يشعر بشيء من هذا لأنه في قرارة نفسه كان يعلم بأن من تستمع لكلماته الآن ما هي إلا إمرأته شرعًا، ولو كانت غير ذلك لما جازف بدخول هذه المحادثة أصلًا!
كتبت ريحانة بعد أن وجدت نفسها مجبرة لإكمال المحادثة وفهم كل شيء عن هذه المسألة :
- حسنٌ ما دام على المرأة أن تجذب إليها الرجل - لغرض الزواج وإستمرار النسل البشري - فلماذا يمنع الدين أن تبرز المرأة جمالها ومفاتنها للمجتمع؟! أليس في هذا تناقضًا واضحًا؟!
- لا.. لا يوجد تناقض بالمرة، فالمرأة يجب أن تكون فاتنة في عين زوجها فقط لا في أعين الرجال جميعهم!
- ولكن كيف تنال إعجاب الرجل الذي سيكون زوجها المستقبلي إن كانت تخفي أبرز مظاهر جمالها عنه؟!
- نحن نعرف أن الوجه هو أجمل ما يمكن أن يصف الإنسان، والله سبحانه وتعالى لم يأمر المرأة بحجب وجهها عن الأنظار ولا حتى يديها، كما يمكن للرجل أن يختار الزوجة على أساس شخصيتها كإنسانة ستشاطره العمر كله، أما أن يعتمد على جمال جسدها وما تملكه من مغريات ومفاتن فهذا الزواج لن يدوم طويلًا خاصة إن كانت طباع تلك المرأة غير جميلة، وأفكارها لا تقارب أفكاره، وصفاتها الروحية لا تشبه صفاته!!
- حسنٌ.. إن كان بالإمكان للمرأة أن تظهر للآخرين وجهها فما الضير إن إهتمت به وذلك بزيادة جماله وجاذبيته؟!
لماذا حرم الدين إستخدام أدوات الزينة والتجميل؟
- لأن زيادة الفتنة والجاذبية سينعكس سلبًا على حياة المرأة، فشهوة الرجل والنفس الأمارة بالسوء ووجود الشيطان في حياة البشر كل هذا سيستغل تلك الفتنة الزائدة لإلحاق الأذى بالمرأة عندما يطمع كل من يراها بالتقرب إليها وخاصة أصحاب النفوس المريضة الذين قد يؤذونها ، لذلك أراد الله أن يحفظ لها كرامتها ومكانتها في المجتمع، وحتى تسير بين الجميع (بأنسانيتها لا بأنوثتها).. لذلك كله أمرها بالحجاب! قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَنْ يُعرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ..)
- أشكر لك تحملك لكثرة أسئلتي وحسن إجابتك عليها.
- الشكر لله.. أختاه.
تنفس مصطفى الصعداء وأطلق زفرة قوية تدل على مدى إضطرابه وارتباكه خاصة في نهاية المحادثة حينما كتب لها ( الشكر لله.. غاليتي) ولولا فضل الله الذي جعله ينتبه في اللحظة الأخيرة لكان قد إرتكب خطأً كبيرًا!!
فهي إما ستعتبره إنسانًا متلونًا كحال بعض المتدينين اليوم فحاول إستمالة قلبها بهذه الكلمة! وإما ستشك في أن من يحادثها هو نفسه خطيبها!
صحيح أن الإحتمال الثاني ضعيف جدًا، ولكن الاحتمال الأول لو حصل فسيخرب عليه خطته كلها!
أخذ مسبحته بيده وصار يدير خرزاتها بهدوء وهو يشكر الله على توفيقه له في إتمام هذه المحادثة على خير.

#يتبع...💙✨

فتاة الربيع رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن