الفصل السابع والثامن

132 15 14
                                    


((الفصل السابع))

خرجت زينب من المطبخ وهي تجفف يديها بفوطة قديمة بعدما سمعت صوت إغلاق الباب الخارجي ، نظرت الى البهوّ الصغير و المغلق حيث كان يجلس الشابان ، اقتربت حتى رأت ابنها جواد يقف أمام النافذة ويبدو شاردا، تقدّمتْ نحوه حتى وضعت يدها على كتفه ،فانتبه لها حينما سألته بتوجّس: مابك جواد ؟؟ هل حصل أمرٌ ما بينك و بين براء؟؟

استدار نحوها مجيباً: لا أمي بتاتاً، لقد تعب من الحديث فقرر الاكتفاء بهذا لليوم، وسنتابع غداً.
ابتسمت باطمئنان وتنهدت براحة، بينما هو بدا مُتردداً في سؤالها عن أمر ما، دققت النظر فيه وسألته بعين ضيّقة ونبرة حازمة: أهناك ماتُخبأه عني جواد؟؟

تنحنح بحرج ليتحدث بتردد وهو يدلّك عنقه من الخلف: أمي، أريد أن أسألك عن شئ ما.
تراجعت زينب للخلف وهي تحدّق فيه، ليتابع وهو مقطب الجبين: لقد رأيت تواً فتاةً استقلت السيارة مع براء،ويبدو انها خرجت من المبنى.

حدّقت زينب فيه وهي تحاول التعرف عمّن يتحدث، فتابع جواد : هي ذات شعر اسود طويل وبهية الطلّة و قد تحدثت مع براء لثوان ثم صعدت في سيارته.
ارتخت ملامحها وهي تهتف: تقصد ليليا؟؟؟
- هتف جواد باستغراب: ليليا؟؟ من تكون؟؟

- جلست زينب على الكرسي بأريحية وهي تتحدث: ليليا ابنة السيّد رضوان ، جارنا في الطابق الرابع.
رفع جواد حاجباه متفاجأً وقد تذكر تلك الصغيرة ، فقال باندهاش: نعم نعم، لقد تذكرتها.
رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يردف: آخر مرة رأيتها قبل أن أسافر بثلاث سنوات على ما أظن.

حركت زينب رأسها موافقة وهي تضيف: نعم صحيح، لقد اخذها والدها ووالدتها عندما كانت تبلغ من العمر أحد عشر عاماً وسافروا جميعهم إلى مدينةٍ أخرى من أجل عمل أبيها، ثم عادوا إلى هنا بعد وفاة والدتها، أي بعد سفرك بعدة أشهر فقط.
شعر جواد بالأسى لأجلها، زمّ فمه بتفكير وهو يتذكرها في صغرها، كان شعرها قصيراً مُجعداً وجسدها ضئيلاً ووجهها نحيلاً.
أما الآن ،وبرغم بُعدِ المسافةِ من منزلهم الذي يقطن في الطابق الثالث الى الشارع، إلا أنه استطاع تمييز شعرها الحريري الطويل ولونه الاسود الحالك.

استطاعت زينب بنباهتها أن تُدرِكَ انشغال ابنها بالتفكير في ليليا، فتابعت وهي تصطنع عدم المبالاة: من المؤكد انّها طلبت من براء أن يوصلها إلى منزل عمّها حيث تعيش الآن بعد وفاة والدها العام الماضي.
رفع جواد أنظاره نحو والدته مستغرباً، فاستقامت من مكانها متجهةً نحو المطبخ وهي تتمتم ،مُتجاهلةً نظرات جواد : أعتقد أنني يجب أن ادعوها لتناول الشاي والكعك معي قريبا.
توقفت عند الباب قبل أن تتابع بمكر: أو ربما غدا.

رفعت كتفيها مصطنعةً عدم الانتباه لولدها، ثم تابعت مسيرها لتدخل إلى المطبخ وهي تكتم ابتسامة بسيطه ارتسمت على شفتيها، يبدو أنها ابنها اخيراً اُعجِب بفتاةٍ ما، بعدما كادت تفقد الأمل فيه، وهو الشاب الذي اقترب من حافة الثلاثين ولمَّ يزل اعزباً.

أشلاء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن