الهارب

جیش الظلام، الظالم

كان كسار یجلس بملل أثناء ذهاب جنزیر، أما مریع فلم یعر ذلك اهتماما وظل
جالسا فوق شجرة قریبة، وهذا جعل كسار یشعر بالنبذ الذي أحسه منذ كان
طفلا، وبدأ یتذكر كیف كان الأولاد یهربون منه ومن زملائه الغیلان بسبب
أشكالهم المخیفة.
فجأة نهض وهو یقول لنفسه بصوت خافت:

- یجب أن أحاول التفاهم معه، إلام سیظل العالم هكذا ؟
ثم صاح بمریع:

- هیي أیها الزمیل، لماذا تجلس هناك فوق؟ أنا أشعر بالملل لوحدي وأرید من
أتحدث معه.
نظر إلیه مریع بنفس نظرته المعهودة المیتة ثم أعاد نظره إلى النجوم بشرود.
صاح كسار بنبرة امتزجت بالحزن:

- إذا كان شكلي یزعجك فأستطیع أن أضع قناعا.
تلفت إلیه مریع بنظرة حزینة، ثم قفز إلى الأرض وتقدم نحو كسار بهدوء،
وعندما أصبح قریبا جدا منه قال:

- هناك أمر یجب أن تعرفه.
تساءل كسار بقلق:
- ما هو ؟

أجاب مریع وقد طغت نبرة حزن واضحة على صوته:

- إن أكثر مخلوق أحببته واحترمته في هذا العالم كان من صنفك. وكان خیر من
عرفت حتى الیوم.
تساءل كسار بدهشة عارمة:

- كیف ؟ لماذا ؟
أجاب مریع وهو یجلس وینظر إلى الأرض:

- كان هذا قبل سنتین فقط.
جلس كسار أمام مریع باهتمام فبدأ مریع یروي:
** عندما كان مریع في الثامنة، هاجم جیش الظلام القریة التي كان یقطن فیها
بینما كان بعیدا عن المنزل یلهو مع أصحابه من أطفال مدینته، واختطفوه مع
عدد من أصحابه ورموهم في عربة من الحدید استعدادا لبیعهم في سوق العبید.
وعندما حل اللیل توقفت القافلة، وفتح فارس مدرع باب العربة وهو یقول بلهجة
فظة:

- هیا اخرجوا وأعدوا لنا العشاء وجهزوا فراشنا، ستجدون اللازم في العربة
الزرقاء.
نزل الأطفال من العربة والخوف یملؤهم وتوجهوا بخطى مرتجفة نحو العربة
الزرقاء.
عندما اقتربوا منها رأوا طفلا في مثل جیلهم ینزل قطعا من الحطب وكان یدیر
ظهره لهم، ولكن لون یدیه الخضراوین كان یعني شیئا مهما للأطفال، إنه غول،
غول في مثل سنهم خطف لیباع معهم كالعبید، بدأ الأطفال بالتراجع والتهامس
في خوف وذعر، ولكن مریع كان لدیه رأي آخر، وهمس لنفسه ( إنه صغیر
ومخطوف مثلنا ربما یكون مخیفا ولكن..)

ولم یكن یدري ما هذه الـ(لكن)، ولكنه تقدم نحو الغول وبینما ینزل الغول حزمة
أخرى من الحطب تناولها منه مریع وهو یقول: