عظيمةٌ هي لُغتُنا إذ فيها ظَهرت ألوانٌ عدّة بزوايا مختلفة كانت أنواعًا وخَفايا مختلفةً تأسرُ قلبَ مُتلقّيها، فدومًا ما تكون جذّابةً وموقعةً بالفِكر قبلَ الفؤاد، وفي عالمِ الأدَب سُجّلت حقولٌ متنوِّعةٌ غلّفها سحرٌ أخّاذ، منها ما سنتطرّق إليه في موضوعنا اليوم، ألا وهو النّثر.
عُرف النّثر وبالأخصّ النّثر الفنّي منذُ الجاهلية، حيثُ تنوّعت فنونه وضروبه، وقد تطوّر النّثر مِن العَصر الجَاهلي حتّى العصر الحديث، وفي مسيرةِ تطوّره شهِدَ بروزًا لأنواعٍ نثريّةٍ خاصّةً بعصرٍ دونَ آخر لم تَكُن معروفةً مِن قبل، وتميّزت هذه الأنواع بخصائص مختلفة مميّزة لكل نوعٍ على حِدة، وتناولت موضوعاتٍ متعدّدةً ومتنوّعة، وللتّعمّق في معرفةِ الأنواع النّثرية وخصائصها وموضُوعاتها، لا بدّ مِن معرفةِ تعريف النّثر لغةً واِصطلاحًا أولًا.
النّثرُ لُغةً مأخوذٌ مِن المادّةِ الّلّغويّة نَثَر، أي رَمى الشّيءَ وألقاه على نحوٍ مُتفرّقٍ ومُبعثَر، ونَثرُ الكلام: أي أرسلَه بلا قافيةٍ أو وَزن.
يُعرف النّثر بأنّه إرسالَ الكلام أيضًا بما لا يجعلهُ خاضعًا لوزنٍ أو قافية.أمّا النّثرُ اِصطلاحًا كما عرّفه الكاتب حنا الفاخوري في كتابه «الجامع في تاريخ الأدب العربي » فهو الكلام المُرسل على نحوٍ تلقائيٍّ وعفويٍّ دونَ تقيّده بوزنٍ عامّةً إلا فيما يُسمّى «السّجع» والذي يتميّز بوجود القافيّة، كما أنّ كلام الشّعر يختلفُ عَن النّثر في اِحتوائه على الوَزن والقافيَة ضِمنَ إطارٍ واحد. ويجب الإشارةُ إلى أنّ النّثر بالإضافةِ إلى أنّه كلامٌ فهو أحَد أشكال الكتابة التي تعتمدُ على السّرد الطبيعيّ، مِثل المُحادثات بين النّاس، والمقالات المَنشورةِ في الصُّحف، والكُتب المدرسيّة، وغيرها مِن مظاهر الكتابة التي لا ترتكز على وزنٍ مُتعمَّد، ومِن الجدير بالذِّكر أنّ للنّثر العديد مِن الأشكال المُتعارف عليها، مثل: القِصص بأنواعها، الرّوايات بأنواعها كذلك، القَصائد النّثريّة وغيرها مِن أشكالِ النّصوص غير الُقفّاة.
النّثرُ هو الكلامُ الفنيّ الجميل، المنشور بأسلوبٍ جيّدٍ لا يحكمه النّظم الإيقاعي -كما هو الحال مع الشعر- تميّزه اللّغة المنتقاة والفكرة الجليّة، والمَنطق السّليم المُقنِع، المؤثّر في المتلقّي.
النّثرُ يكثُر بِه اِستخدام المحسّنات البديعيّة، ولهُ العديد مِن الخصائص الجماليّة، ويكثرُ في مُعظم الأعمال الأدبيّة. وتأتي الكِتابة النّثرية نتاج تجرُبة شعوريّة أو فكريّة، يرغبُ الكاتب بالتّعبير عنها، فيتّجه إلى اتّخاذِ أسلوبٍ فنيٍّ لغويّ، وجنسٍ أدبيّ محدّد للكتابة مِن خلالِه.وبعدَ هذا التّعريف، إنْ أمعنّا النّظر في الموضوع سنجدُ سؤالًا آخر يطرُق عقولنا، وينتأ شامخًا قبالتنا؛كونَ النّثر يحوي أنواعًا عدّة، فما هي؟
أنت تقرأ
واحة الأدب
Non-Fictionسنُرافقكم هنا في جَولةٍ حول الواحة، حيث سنَستَنْشق رمال الأدب بين أنفاسنا، ونرتوي من لُجة أنواعه، سنُعلمكم عمَّ تخطوه خطوة بخطوة، وسنأخذكم إلى قَاعِ الواحة لنغرقكم في عالمها، ثم سننسج لِتفاصيلها ملبسًا آخر، وسنتناول الكلمات فوق طاولة كتابتنا، وسنطهو...