زاجل الأدب

49 6 0
                                    

«أما بعد، أيها المصاب بعقله، المورّط بجهله، البين سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب، فإن العجب أكبر ومعرفة المرء نفسه أصوب، وإنك راسلتني مستهديًّا من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك»

هذا جزءٌ مما أرسلهُ الشاعر ابن زيدون على لسان ولادة بنت المستكفي إلى ابن عبدوس والمعروف عنه أنه ينافسه على حبه لولادة، وتميزت هذه الرسالة بالأسلوب التهكمي الساخر، كما احتوت على الكنايات والتشبيهات والإشارات التاريخيّة، وتضمّنت العديد من الأبيات الشعرية والأمثال الغريبة.

هذه الرسالة من التاريخ، وإنما في حياتنا اليومية نسمع كثيرًا أن فلان أرسل رسالةً إلى علان، أو أنك أنت أرسلت رسالةً لصديقٍ ما.

فما هي الرسالة؟ وما أنواعها؟

هذا ما نحن في صدد الغوص في غماره خلال هذا الفصل، كونوا معنا لينجلي الإبهام وتتضح صورة الأدب الترسلي الحقيقيّّة والصريحة.

إن أدب الترسُّل یعتبر فرعًا من أھم الفروع للنثر العربي، وقد نما قديمًا بتقدم الكتابة وازدھار السیاسة عند العرب، وھو عبارةٌ بليغةٌ تقوم على ترجمة ما يدور في الذّهن من كلامٍ حول موضوعٍ معينٍ إلى رسالةٍ مكتوبة، ومن ثم ترسل إلى الشخص المنشود.

ويعرف الترسل بأنه مصطلحٌ أدبيٌّ قديم، يقوم الكاتب من خلاله بتحويل ما يدور في ذھنه من المفاھیم والأفكار حول موضوعٍ معين إلى رسائل؛ أي أن الكاتب یظھر أفكاره بكلماتٍ متتابعةٍ يألّف بھا جملًا وفقرات بأسلوبٍ فیه تؤدةٌ ورفقٌ من المرسل إلى المرسل إليه.
وبعض الأدباء قاموا بتعريفه بأساليبٍ مختلفةٍ لنطرح منها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:

١. یقول حسین غالب في كتابه المشهور «بیان العرب الجدید»:  «إن الترسل ھو فنٌّ  قائمٌ على خطابٍ یوجھه شخصٌ إلى آخر، أو یوجھه مقامٌ رسميٌّ إلى مقامٍ رسميٍّ آخر».

٢. أما محمد التوتنجي صاحب المعجم المفصل بالأدب فقد قال: «الترسل ما یكتبه المرء إلى صدیقه أو إلى أھله وتكون موجزةً محدودة الموضوع سھلة الأسلوب، خالیةً من التأنق اللفظي غالبا».

٣. والمؤرخ الأدبيُّ العربيُّ الشهير جرجي زيدان قد عرفه على أنه إنشاء المراسلات على وجه الخصوص؛ لأنھم یریدون به معرفة أحوال الكاتب والمكتوب إليه، من حیث الأدب والمصطلحات الخاصة الملائمة لكل طائفة، وهو الذي یتغیر مع العصور ويشمل المراسلات والخطب ومقدمات الكتب؛ كون أسالیبھا متشابھة».

ويمكن لنا أن نلخص تعریفات الأدباء في العبارة التالیة: الترسل ھو عبارةٌ وجيزةٌ أو طویلةٌ یكتبھا المرء إلى أھله أو صدیقه مُفصحًا عن أفكاره التي تدور في قلبه، أو یوجه مقامًا رسميًّا إلى شخصٍ آخر مبيّنًا بالإرشادات والتوجیھات التي یتناولھا المكتب الرسمي بمصالح الأمة.

واحة الأدبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن