السّيرة والسّاج

36 6 0
                                    

ليسَ في النّاسِ مَنْ يَكرهُ التَّحدّثَ عن نفسِه، حتّى الّذين يَقولُونَ ذلك بألسِنَتِهم إنّما يُعانونَ ألمًا شديدًا لكَفِّ أنفُسِهم عَمّا تَشتهِيه، إذا استَطاعوا ذلك.

وإذا كانَ الحدِيثُ عنّ النّفسِ بِطريقةٍ شفويّةٍ عامَّة خطأً شائعًا بينَ أبناءِ الإنسانيّة، فإنّهُ أيضًا يَختصُّ بالأديبِ أو الفنّان؛ لأنّ «الأنا» حاضرةٌ لديه وإن كانَت مُتواريةً أم مكشوفة، ولأنّ صَاحِبها يُحبُّ أنّ يَخلقَ المَرايا وينظُرَ إلى نَفسِهِ فيها، وهي مكشوفةٌ إن كان يُترجِمُ ذاته ويتحدّثُ عن سيرةِ حياته.

كلُّ ما سلفَ يصفُ جُزءًا من موضوعِنا لليوم ألا وهو السّيرةُ الذّاتيّة.

إذًا ما هو فَنُّ السّيرةِ الذّاتيّة؟

السّيرةُ فِي الاصطِلاح هي بحثٌ يُقدِّمُ فيهِ الكاتبُ حياتهُ أو حياةَ أحَدِ الأعلام المشهُورين، ويُبرِزُ فيه المُنجَزاتِ الّتي تَحقّقتْ في حياته أو حياةِ المُتحدَّثِ عنه.

أمَّا السّيرةُ في التّعريفِ الأدبيّ هي نوعٌ مِن الأدبِ يَجمعُ بين التَّحرِّي التّاريخيّ، ويُرادُ به مسيرةُ حياةِ إنسانٍ ما ورسمُ صورةٍ دقيقَة لشخصيّته.

وكأيِّ شيءٍ فِي أدبِنا لا بدَّ مِن مميّزاتٍ وعيوبٍ له، دعونَا نَتَعرّفُ على أهمِّ ما يُميّزُ فنَّ السّيرة، وأهمِّ ما يُعيبها.

إذًا مَا هي مميّزاتُ فَنِّ السّيرة؟

أوّلًا: كُتّابُ السّيرةِ الذّاتيّة يَكونونَ قريبينِ إلى قُلوبِنا؛ لأنَّ الكاتِبَ يكتبُ هذهِ السّيرةَ مِن أجلِ أنَّ يُوجِدَ رابطًا ما بيننا وبينه، وأن يُحدِّثَنا عنْ دواخلِ نَفسِه وَتَجارِب حَياتِه، ويُثِيرَ فِينا رَغبةً فِي استِكشافَ عالمٍ نَجهلُه، ويُوقِفنَا مِن صاحِبه مَوقِف الأَمِين عَلى أسرَارِه وخَبايَاه؛ وهَذا شيءٌ يَبعَثُ فِينا الرِّضَى.

ثانيًا: السّيرةُ الذَّاتيّة تَجعلُ الكِبارَ الّذِينَ يَشتَاقونَ للمَاضِي يَتركُون الحاضِرَ ويُسافِرون إلى المَاضِي وَذِكرَياتِه، والشّبابُ الّذِينَ لَم يَروا ذَلك المَاضِي يَستَطِيعُونُ مِن خِلال السِّيرةِ الذّاتِيّة أنْ يُحيوا حَياة أبَاءِهِم وأجدَادِهم.

ثالثًا: تَتَطلَّبُ السِّيرةُ لِرواجِها أنْ يَكونَ بَطلُها شَخصًا ذَا تَميُّزٍ فِي نَاحِيةٍ مِن النَّواحِي فَيؤثِّرَ عَلى القَارِئ بِشكلٍ إِيجابِيّ ويَقتَدِيَ بِه.

رابعًا: لِتكُونَ هُناكَ سيرةٌ ذاتِيّة يَكُونَ هُناكَ تَطابُقَ بَيِن المُؤلّف والسّارِد والشَخصيِة، فَتَشعُرُ بالتَوافِق بَينَ جَمِيع أجْزاءِ السِيرة.

إذًا مَا هِي عُيوبُ السِّيرة؟

أوّلًا: تَهتَمُّ السِّيرةُ بالجَانِبِ الإنسَانِيّ والجَانِب الفَنٍّيّ وأيُّ تَقصِيرٍ فِي جَانبٍ مِنهُما؛ تَموتُ السِّيرةُ الذَاتيةْ لأنَها لا تَستَطيعُ أنْ تَحيا فِي نُفوسِ النّاس.

واحة الأدبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن