أجناس مضمورة

64 7 0
                                    

الأجناس الأدبية الأقل شيوعًا وتعريفها.

الأدب الشفهي: القصص والشعر الارتجالي.

صدح لحنٌ في أرجاء قاعة الفصل فأخرجني من شرودي، توقفت عن تحريك القلم مودعةً إيّاه حافظة أقلامي، مشيحةً بناظريَّ عن الكتاب نحو مكتب المعلمة إثر ذاك الصوت.

حينها أدركت حضور المعلمة التي -على ما يبدو- ألقت التحية بالفعل، أغلقت الكتاب منتظرةً ما سأسمع من المسجل الأسود الذي استقدمته؛ فبعد يومٍ دراسيٍّ مملٍ يأتي درس اللغة العربية، وككل مرةٍ كان قادرًا على إثارة اهتمامي!

«آذَنَتنَا بِبَينِها أسمَاءُ.. رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِـنهُ الثَواءُ»

أظهرتُ بسمةً عريضةً أنصتُ لكل كلمةٍ وقد علمت من هو قائلها بالفعل، بفضل الكتاب الذي أدخلته إلى درج الطاولة مخرجةً كتاب اللغة العربية من حقيبتي بدلًا منه.

«لا أَرى مَن عَهِدتُ فيها فَأَبكي الـ... ــيَومَ دَلهًا وَمـا يَرُدُّ البُكاءُ»

تمتماتٌ صادرةٌ من أحاديثٍ جانبيةٍ مزعجةٍ تخللت مسامعي بعد انقطاع الصوت الصادر من المسجل، ليُتبع ذلك بصوت المعلمة التي تحدثت حاصلةً على جُلِّ انتباهي «هل يعلم أحدكم بالصلةِ بين درس اليوم والأبيات التي سمعتموها للتو؟»

أصوات أوراقٍ تُقلب امتزج مع أصوات اللاتي أردن الإجابة وأنا منهنّ، اختارت المعلمة يدًا من الأيادي المرفوعة فصدر الجواب من فتاةٍ في آخر الفصل «إنها قصيدةٌ مُرتجلة»

همهمت المعلمة بالإيجاب مُرفقةً همهمتها ببسمةٍ راضية، ناقلةً نظرها بعد ذلك نحو كفي الوحيد الذي لم ينزل ولا حتى بعد إجابة الأخرى، فأذنت لي بالحديث.

«هذه الأبيات من معلقة الحارث بن حلزة، وهي تمتاز بكونها تعد أثرًا من آثار البديهة والارتجال، وقد ارتجلها أمام عمرو بن هند» أنهيت حديثي ببسمةٍ ودية معاودةً الجلوس تحت نظراتها الفخورة لتكمل على حديثي: «من الحديث السابق يلفتنا اقتران الارتجال بحضور البديهة، فما هو الشعر الارتجالي ولِمَ ارتبط بذلك؟»

عادت نحو طاولتها في مقدمة الفصل مكملةً حديثها

«يُعد الشعر الارتجالي جنسًا من الأجناس الأدبية وهو إنجازٌ عفويٌ مباشرٌ لفكرةٍ فنيةٍ من غير تحضيرٍ أو تدوينٍ سابقين؛ لهذا يستلزم حضور البديهة»

صمتت مجيلةً ناظريها لتسأل:

«إذًا، نظرًا للتعريف المطروح آنفًا، برأيكم ما يلزم الشاعر لتأليف شعرٍ ارتجالي؟»

اختارت طالبةً لتحصل على إجابة سؤالها والتي كانت «سرعة البديهة، تنوع الفكر، الثقة بالنفس، ولا ننسى أن يملك قدرًا من الذكاء يُمكّنه من إبداع قصيدته دون أي تحضيرٍ أو تدقيقٍ على الأوزان.»

واحة الأدبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن