«عصفورٌ في اليد ولا عشرةٌ على الشجرة»، «عادت حليمة لعادتها القديمة»، «مسمار جحا»، «أمنا الغولة»، و«ليلى والذئب». كثيرًا ما نسمعها ونستخدمها بطلاقة عندما تناسب الموقف. الأمثال والقصص الشعبية جزء لا يتجزأ من أحاديثنا اليومية، نلجأ إليها للتعبير عن المواقف أو السخرية منها، بل بعضهم يستخدمها كدليل وبرهان على آرائهم. لكن، هل يكفي الاستشهاد بمثل أو قصة شعبية لإثبات صحة رأي ما؟
المثلُ الشعبيُّ هو اختصارٌ لحضارةٍ وثقافةٍ كاملة، يعكس حكمةً وخبراتٍ إنسانية فردية وجماعية. هو مرآةٌ لعادات وتقاليدِ شعبٍ ما، وموروثات الأجداد. فمن خلاله يمكنك التعرُّف على طبيعةِ حياةِ هذا الشعب وتقاليده. كما قال «توريانو»: «إنَّنا نستطيع أن نكتشفَ بسهولةٍ طبيعة الشعب وذكاءه عن طريق الأمثالِ الشعبية، فهذه الأمثالُ تمثل فلسفة الجماهير». وقال ابن المقفع: «إذا جُعِلَ الكلام مثلًا كان ذلك أوضح للمنطقِ، وأبينَ للمعنى، وأنقَ للسمع، وأوسعَ لشعوب الحديث».
اختصر أبو إسحق النِّظام ميزاتِ الأمثالِ الشعبيَّة بقوله: «يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجازُ اللفظِ، وإصابةُ المعنى، وحُسنُ التشبيه، وجودةُ الكتابة، فهو نهايةُ البلاغة». وكثيرًا ما تُضاف له عناصرُ بلاغيَّة أخرى وأبرزها السجع، مثل «يا جوع يا موجوع».
-ألديكم فكرةٌ عن هذا المثل؟-
المَثَل هو مِرآة لخبرة فردية، ولذلك نرى أحيانًا تناقضًا في الأمثال مثل «الأقارب عقارب» وبالمقابل «الأقارب والدواء تحتاجها في الضراء». كون المثل موروث الأجداد لا يعني وجوب التمسك به، فهو في النهاية نتيجة تجربة فردية قد تصادف الآخرين، لكن ذلك لا يجعلها صحيحة. كمثل «خيرًا تعمل شرًا تلقَ» وبالمقابل «اعمل الخير وارمِه بالبحر».
تتأثر الأمثال بجغرافية الموقع والعادات والتقاليد، فنرى الموروث الفلسطيني يَحمل في طياته المقاومة والغربة نتيجة ما يمر به: «الي ببيع أرضه ببيع دينه»، «الغربة كربة وهم للركبة». والمناطق الصحراوية تتأثر أمثالها وتأخذ طابعًا خشنًا، ونرى بكثرة استخدام عناصر متواجدة فيها، كبيت الشَّعر والحيوانات، وتتأثر كثيرًا بطبع البدو، فتتحدث عن الكرم بكثرة. فكما قلنا، الأمثال هي انعكاس لثقافة المنطقة.
تعكس الأمثال الحالة السياسية التي يعيشها الناس، مثل «الحيطان لها آذان» والتي بدأت في بريطانيا أثناء شائعة تَنَصُت الملكة على الشعب، وانتقلت للعالم بأجمعه نتيجة التجربة المشتركة في أغلب المناطق.
الأمثالُ الشعبيةُ لها آثارٌ إيجابية، فلها دورٌ مهمٌّ في المحافظة على هُويةِ الأمةِ، فهي تراثٌ إنسانيٌّ عريق؛ فأمةٌ بلا تراثٍ كشجرةٍ بلا جذورٍ، والأمةُ التي تفقدُ تراثها من السهل أن تفقدَ وطنها. قد تكون الأمثال مضحكةً وممتعةً تُعبر عن مواقفَ عديدةٍ مثل «العمة إذا حبت الكنة إبليس يدخل الجنة»، «طنجرة ولقت غطاها»، «إجيت يا عبد المعين تعين، قام بده حد يعينك».
أنت تقرأ
واحة الأدب
غير روائيسنُرافقكم هنا في جَولةٍ حول الواحة، حيث سنَستَنْشق رمال الأدب بين أنفاسنا، ونرتوي من لُجة أنواعه، سنُعلمكم عمَّ تخطوه خطوة بخطوة، وسنأخذكم إلى قَاعِ الواحة لنغرقكم في عالمها، ثم سننسج لِتفاصيلها ملبسًا آخر، وسنتناول الكلمات فوق طاولة كتابتنا، وسنطهو...