تنوَّعَ الأدبُ، وتعدّدت أنواعه، بدءًا مِن طور نشأته ثمّ ولادته ومرورًا بمراحلِ نموّه وتطوره، لنشهدَ في كلِّ مرحلةٍ منه تجلّي أفكارٍ وطرقٍ جديدة ومستحدثة للتعبير عنه، ولأنّ الحسنات لا تبرز دون السيئات لذا فقد استبانت وانجلت أيضًا بعضَ المشكلات التي أعاقت تطور الأدب من مرحلةٍ لأخرى، وحديثنا اليوم سيشمل آخر َمرحلةٍ من تطور الأدب، ألا وهو الأدب الحديث.
لقد كان الأدبُ العربي حتى مستهلِّ القرن التاسع عشر يعيشُ حالةً من الركود، وكان هذا خلالَ مرحلةِ سيطرةِ الدولة العثمانية على البلاد العربيّة، وقد انعكسَ هذا سلبًا على الأدب خلال تلك الفترة، فلم يكن هناك إنتاجاتّ كبيرة للأدب حينها، حيث تعرّضَ الأدبُ العربي للظلم والجحف خلالَ هذا العصر إلى أن جاء الأدبُ العربيُّ الحديث، والذي كان متميِّزًا بتنوّعه الكبير واختلاطِه بالحضارات المجاورة والاطّلاع على الآداب الأخرى، ومعه شَرع الأدب يعودُ إلى حالة الازدهار، حيث بدأ يأخذُ الأدب فيه منحنى جديد، وذلك عبرَ ولوجِ العديد من الفنون الأدبيّة العربيّة الجديدة إلى الأدب، والتي لم تكن معروفة سلفًا عند العرب، كالفنِّ المسرحيِّ النثريِّ والشعريِّ مثلًا، وفنِّ الرواية أيضًا، إضافةً إلى تغلغل النّقد الأدبيِّ إليه والبقاء ضمن أصنافه وذاك قد شكَّل نقطةً إيجابيَّةً في الأدب الحديث.
ولكن وعلى الرغم من تعدد الإيجابيات التي رافقت ظهور الأدب العربيِّ الحديث إلَّا أنه قد واجه بعض المشكلات في هذه المرحلة، وأبرزها كانت ذريعتَهُ التّداخل الكبير للأدب مع الحضارات الغربيّة، فقد كانت الأمَّة العربية في موقعِ صراعٍ من أجلِ البقاء والتّقدم، ليظهر لدينا منظومَتان ثقافيَّتان تتفاعلان في إطار تناقضاتهما المفهوميّة والقيمية: الثقافة العربيّة الإسلاميّة، والثقافة الغربيّة الرأسماليّة الاستعماريّة؛ وفي الظروف السّائدة حتى اليوم فإن الثانية هي المهيمنة، أمّا الأولى فمتعثرة الخُطا وتابعة من منظور علاقات أصحابها بالغرب.
ومع الأسف فإنَّ الأدبَ العربيَّ لم يكن يومًا في عصرنا الحديث ذا مكانة بارِزة عالميًّا، أمّا عن انتشار كتَاب «ألف ليلة وليلة» في الغَرب، فقد كان الهدفُ منه هو فائدةٌ خالِصة لهم، فبعضُ المبدعين الغرب تمكّنوا مِن الاستفادة من الكتاب لأجلِ ابتكار عوالم فنيَّة جديدة تجلّت بوضوح في أعمالهم غير العربيّة، ولأجل مُنحنى آخر كان الهدفُ منه هو المتعة السحرية، والتي قاموا بترسيخها في الكتاب على شاكلة صورة سلبيّة توقفت عند التلّذذ بعوالم النساء والتّهكم من سلوكِ السلاطين.
ومِن وجهةِ نظري أعتقد أنَّ المجتمعات تلعبُ دورًا مهمًّا في هذه المشكلات، فبدلًا من الالتفات إلى تطويرِ الأدب والثقافة، نجد اهتماماتهم متّجهة صَوب العادات الغربية، واللّهو والبذخ في إهدارِ الوقت، والعبث والاستمتاع، ويأتي ِ تطوّر الأدب في آخر اهتماماتِهم، حيثُ نجد اهتمام الشباب العرب مرتكزًا على الألعابِ الإلكترونية ومتابعةِ الأفلام الغربيّة، لتحِلَّ مَحلَّ الكتب والرواياتِ العربية، وهذا أكثرُ ما يسبب تدهورًا في تطور الأدبِ والثقافةِ العربيّة الحديثة.
إضافةً إلى كلِّ ما سبق فمِن الجديرِ ذِكر أنّ إهمال اللّغة العربيّة يعتبر واحدًا من أجسم وأعوص المشكلات التي رافَقت نموّ الأدب العربيَّ الحديث على طول مسيرتِه، فنجدُ تعلُّمَ اللغةِ العربيَّةِ غير مرتبطٍ بتعليمها، إضافة إلى عدم وجود روابط بين تعلّمها ومصادرها الأساسيّة كالقرآن الكريم، فلجأ الجميعُ إلى تلقّن لغة الغرب على حساب لغتهم العربيّة، وعدم الإكتراث الكبير المصوّب لللّغة العربيّة الفصحى في غالب المدارس حتّى، وكلُّ هذا على تمامِ اليقين ساهم بشكلٍ أو بآخر في تدهور حال الأدب العربيِّ الحديث.
فما هو المسبّب الأساسي لتراجُع العرب، والثّقافة العربيّة؟
إنَّ ظهور الثّورة المعرفيّة والتكنولوجيّة والمعلوماتيّة قد عرَّضَ العالم العربيَّ لمسمَّى «صدمةُ المستقبل» بجلِّ ما تحويه من أخطار تهدِّد الكيانَ العميق للأمّةِ العربية، ليزيد مِن هذهِ الأخطار عوامل الضعف الكبيرة التي يقاسيها الكيانُ العربيُّ نفسه، كتفشّي الأميَّة، تقاعس برامج التّربية والتّعليم عن حاجات المجتمعات العربيّة ومتطلبات العصر، نقصُ الحريات، انعدامُ المشاركة الشعبيّة الحقيقيّة والفعّالة، وسيادة الإعلام السّطحي.
وهذا دُون وجود العديد مِن العوامِل الأخرى التي ترتبطُ بالسّياسات الثقافيّة العربيّة، مِثل: ضُعف التّخطيط الثقافيّ قطريًّا وقوميًّا، ومحدوديّة الاهتمام بالثّقافةِ في النّطاق العربيّ وبميولها خارج نطاقِ العالمِ العربيّ، وارتباطها مَع الثّقافات المُعاصرة.
وختامًا نجدُ أنَّ النظام الثقافيَّ العربيَّ كان هو المُساهم إلى حدٍّ بعيد في جعلِ العرب أبعدَ ما يكون عن دائرة المشاركة الفعليَّة في النظام الثقافيِّ الكونيِّ، ليجعل أفكارهم محصورة في الثقافة الاستهلاكيّة.
وفي المقابل، الأمرُ قد حوّل الثقافة التراثيّة إلى قلاعٍ مُغلقة تحاول تسوير نفسها خوفًا من رياح التّغيير، وتعتصم وراء التّقليد وترديد مقولات السَّلف الصالح.
فلماذا لا نقف معًا؟ لمَ لا نسعى لتطوير أدبنا العربي والرُّقيِّ به؟ لنحارب ونقاوم انتشار الأميَّة في أمّتنا العربيّة، لنُصوّب اهتمامنا تجاه الأدبِ واللغة، أو على الأقل لنخصّص جزءًا من وقتنا لقراءةِ الأدب والاطّلاع على الثّقافة العربيَّة، بدلًا من اللّهو وإهدار الوقت في كل ما يهشِّمُ هذه الحضارة العريقة، والتي من الواجب علينا احترامها وتوقيرها وتقديرها بدلًا من التّفريط بها، فهي كنزٌ بين أيدينا، ولا يجبُ علينا تضييعهُ بأفكارنا التي تقيَّدت بالفِكر الغربيِّ وثقافته.
تمَّ كتابة الفصل بواسطة العضو أثر.
المراجع:
موقع المعرفة.
ويكيبيديا.
موقع الشرق الأوسط.
موقع موضوع.
موقع إيلاف.

أنت تقرأ
واحة الأدب
Non-Fictionسنُرافقكم هنا في جَولةٍ حول الواحة، حيث سنَستَنْشق رمال الأدب بين أنفاسنا، ونرتوي من لُجة أنواعه، سنُعلمكم عمَّ تخطوه خطوة بخطوة، وسنأخذكم إلى قَاعِ الواحة لنغرقكم في عالمها، ثم سننسج لِتفاصيلها ملبسًا آخر، وسنتناول الكلمات فوق طاولة كتابتنا، وسنطهو...