الحلقة الأولى

170 7 0
                                    

فتح عينيه فوجد نفسه في مكان يجهله ! أدار رأسه في أرجاء الغرفة فلم يرَ سوى أشياء غريبة !


كان هناك صوت منتظم يطرق سمعه في كل ثانية، حاول أن يتعرف على مصدر ذلك الصوت.. رفع رأسه فإذا بها ساعة جدارية قد عُلقِّت على الجدار الذي يستند عليه سريره.. ما هذا المكان؟ وكيف وصل إليه؟


أسئلة كثيرة تدور في رأسه الذي يبدو شبه فارغ إلا منها!!


نعم لا يوجد في رأسه غير تلك الأسئلة الُمُحيرة : من أنا؟ ما هو إسمي؟ ما هذه الأشياء الغريبة التي حولي؟ أظن أنني أراها لأول مرة في حياتي!


ووسط هذه التساؤلات الكثيرة التي ما عاد رأسه يسعها سمع صوت الباب ُيُفتح بهدوء ..


حاول الجلوس تهيئًا منه لاستقبال القادم المجهول.. لعلهُّ يملك إجابات واضحة لاسئلته المبهمة!!


فتُِحَت الباب ودخل رجل في الخمسين من عمره، الشيب الذي ملأ شعره وابتسامته الجميلة أدخلا شيئًا من الطمأنينة إلى قلب ذلك الشاب..


بادرهبادرهُ الرجل الخمسيني بالحديث قائلًا :


- أهلًا بك في بيتك الثاني يا ولدي..


شعر الشاب بأنه وصل إلى جزء من الحقيقة الغامضة.. نعم فهذا ليس بيته.. كما إعتقد هو بالضبط منذ البداية!!


حاول التكلم بأدب:


- عفوًا يا عم.. ولكن من تكون أنت؟ بل من أكون أنا ؟!


تغيرت ملامح الرجل بعد سماعه لهذا السؤال! فقد عرف من خلاله بأن هذا الشاب الذي أنقذ حياته ليلة أمس قد فقد ذاكرته!


حاول أن يبدو أكثر تماسكًا ليجيب عن تساؤل الشاب، قال وقد تغيرت نبرة صوته عن الأول :


- أنت.. أنت.. أنت "مؤمل" يا ولدي .





- مؤمل! حسنًا.. ومن تكون أنت؟ تلعثم الرجل في الإجابة؟ فماذا يقول له؟!


هل يكذب عليه ويدّعي بأنه والده؟!


هل هذه فرصة ارسلها الله إليه ليحقق أمنيته في أن يسمع ولو لمرة واحدة في حياته كلمة " أبي"؟!


هذه الكلمة التي طالما حلم بأن هناك من سيناديه بها في يومٍ ما.. والآن وبعد مرور عشرات السنين على زواجه.. هل ستتحقق تلك الأمنية؟!


لا.. أبدًا.. لم يمارس أحمد الزيف والخديعة في حياته مطلقًا، فكيف يضعف الآن أمام هذا الاختبار الإلهي؟ وكيف يمكن له أن يخدع هذا الشاب المسكين الذي قد تعود إليه ذاكرته بين لحظةٍ وأخرى؟!


أبعدَ هذه الوساوس من رأسه وصار متهيئًا لقول الحقيقة بالكامل.


- إسمع يا ولدي.. لقد وجدتك ليلة أمس أسفل الجبل وقد أغمي عليك.. أظنك قد وقعت بسيارتك من تلك المنطقة الجبلية بعد أن تساقطت الثلوج عليها بكثافة فأصبح الطريق غير ملائم للسياقة مما أدى إلى حصول ذلك الحادث المؤسف!


- وكيف عرفت يا عم بأن إسمي مؤمل؟


ابتسم أحمد ابتسامة باهتة قد تركت وراءها حزنًا طويلًا صار مرسومًا على ملامح وجهه ..قال بأسى:


- هذا ما كنت أتمنى أن أسمي به ولدي.. أما اسمك الحقيقي فلم أعثر في جيبك على أي شيء يدلنّي عليه!


- وهل يعني هذا بأنني الآن مجهول الهوية؟ ابتسم أحمد بحزن وهو يقول: تقريبًا!


وضع مؤمل يده على رأسه وهو يقول:


- ليس تقريبًا يا عم.. بل قل إنني مجهول الهوية فعلًا!


قطع حديثهما صوت طرق الباب ..





قال أحمد بصوتٍ شجي :


- ادخلي يا أم مؤمل!


شعر الشاب بأن دقات قلبه تزداد بعد أن سمع هذه الكنية من الرجل .. ) أم مؤمل( هل هي أمه؟! أم إنها زوجة هذا الرجل الطيب؟


لا.. إنها حتمًا زوجة هذا الرجل، فهو ليس فعلًا " مؤمل " حتى تكون هذه المرأة أمه!!


فتحت المرأة باب الغرفة بهدوء ثم دخلت، نظر إليها الشاب وقد شعر بأن قلبه سيخرج من صدره!


ما أشد حزن وجه هذه المرأة وما أكثر عطفها؟ هذا ما شعر به الشاب حين التقت عيناه بعيني تلك الانسانة.. قال في نفسه:


- ما أجمل أن تكون هذه المرأة هي " أمي" في الحقيقة!!


ثم أدار بصره نحو الرجل الذي جلس بجانبه.. وتكلم مع نفسه ثانية:


- وما أجمل أن يكون هذا الانسان الطيب هو أبي حقًا!


قام أحمد من مكانه متجهًا نحو زوجته وهو يقول لها:


- سلمّي على" مؤمل" يا أم مؤمل!


دُهشت المرأة وبنظرات سريعة أرسلتها نحو زوجها قالت :


- هل إسمُهُ مؤمل يا أحمد ؟ إبتسم زوجها قائلًا :


- لا يا زوجتي.. بل أنا من أسميته كذلك، إلى حين وصولنا لمعرفة اسمه الحقيقي .


ثم أمال برأسه نحو زوجته وهو يهمس إليها:


- الحادث جعله فاقدًا للذاكرة!


سأل مؤمل وما زالت الحيرة باديةً على ملامحه :


- ولكن يا عم.. ألم تعثر على شيء ما في ملابسي يجعلني أعرف بعضًا من حقيقتي ؟





قال أحمد هازًا رأسه :


- نعم.. لقد عثرت على شيء واحد لا غيره!


قال مؤمل بلهفة:


- وما هو يا عم.. أسعفني!؟


وقبل أن يجيب أحمد أسرعت زوجته إلى القول:


- إنها صورة لفتاة محجبة ذات وجه نوراني!


ثم مدّت يدها تحت حافة الوسادة وأخرجت تلك الصورة، مدَّ مؤمل يده ليأخذ الصورة منها ، وقد لاحظ كلا الزوجين ارتجاف أناملُهُ وهو ُيُمسك بالصورة!


أغمض عينيه بعد أن أطال النظر إلى تلك الملامح الملائكية، حاول أن يتذكر أي شيء عنها ..


لكنه لم ُيُفلح!


ردد مع نفسه : من تكون يا ترى؟!


وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن