الحلقة الرابعة

44 5 0
                                    

اتجه الأستاذ أحمد إلى عيادة الجامعة وما أن دخل العيادة حتى سمع صوت بكاء .. حاول أن يفهم ما كانت تقوله تلك الفتاة لكنه لم يكن باستطاعته تمييز كلماتها الغريبة!


مشى خطوات متجهًا نحوها.. ولكن ماذا يرى؟!


إنها طالبته ميساء!


ابتعدت الطالبات من حولها وهن يرددن : أستاذ أرجوك.. ميساء.. ميساء!


سألهن بذهول : ولكن ما بها؟!


قالت إحداهن وهي تبكي : إنها على هذه الحالة منذ أن عادت إلى وعيها.. فلقد أغمي عليها في المكتبة!


اقترب منها أحمد محاولًا تهدأتها :


- أرجوكِ يا ابنتي حاولي أن تهدأي لنفهم ما هو الموضوع.. فقد نستطيع مساعدتك!


قالت وقد لطمت وجهها بقوة : أخي خالد.. أخي خالد!


قال أحمد وقد تغيرت ملامحه:


- هل تقصدين أنكِ قد رأيتِ أخاكِ الراحل؟!


تلعثمت الفتاة بالإجابة ثم قالت:


- لا أعرف.. لا أعرف.. فأخي مات قبل ستة أشهر!!


ثم رجعت لتلطم وجهها وتصيح:


- من يكون هذا يا أستاذ .. لا تقل أنه يشبه أخي؟ فلا يمكن أن يكون شبيهًا له لهذه الدرجة! إنه هو.. أخي خالد.. صدقوني!!


تأثر كل من كان في العيادة لذلك الموقف، وكان أحمد أكثر من تأثر لمعرفته بحقيقة الأمر!


وأخيرًا وجد مؤمل أحد أفراد أسرته! هكذا تحدث أحمد مع نفسه وهو يهم بالخروج من الغرفة، التفت نحو ميساء قائلًا :


- أرجو أن تكوني أكثر تماسكًا يا ابنتي، فأنا أعرفكِ طالبة مؤمنة ومهذبة ، وتصرفاتك هذه ستخرجكِ عن طورك!


خجلت ميساء من كلامه، مسحت دموعها واتكأت على ذراع صديقتها لتقوم.. شعرت بالضعف ،لكنها واصلت الوقوف على قدميها وهي تقول : اللهم.. قوة!..


رجع أحمد إلى المكتبة حيث وجد مؤمل وقد أسند رأسه وذراعيه إلى المكتب كمن أصابته مصيبة!


قال أحمد :


- ما بك يا مؤمل.. كن قويا يا فتى!


رفع رأسه وهو يقول:


- أبي!! أخبرني بربك.. من تكون هذه الفتاة!؟


لمح مؤمل الدموع في عيني أحمد.. قال الأخير بصوت تخنقه العبرة:


- إنها.. إنها أختك يا خالد!


قال مؤمل وقد أذهلته الإجابة:


- خالد! هل هذا هو اسمي الحقيقي؟!


- نعم يا ُبُني.. وتلك هي ميساء.. أختك!


- أختي؟! رحماك يا رب! هل.. هل فعلًا ما تقوله؟!


- هكذا أخبرتني هي.. إنها طالبتي ميساء، هنيئًا لك على هذه الأخت، إنها انسانة مؤمنة ووقورة وما حدث لها الآن ليس إلا نتيجة الصدمة التي وقعت لها أثناء رؤيتها لوجه أخيها الذي مات قبل نصف عام!


- هل يعني هذا أن أهلي يعتقدون بأنني الآن من الموتى؟


- نعم وهذا هو سبب عدم بحثهم عنك طوال هذه الفترة.. الظاهر انهم قد اقتنعوا بموتك، ويبدو من كلامها أنهم استلموا جثتك!!


- جثتي! ولكن ماذا تقول يا أبي؟


- هناك اشتباه في الموضوع يا مؤمل.. الله أعلم جثة من هي؟ يبدو أنها كانت مشوهة من جراء الحادث فاعتقدوا إنها لك!


- ولكن هل الأمر هيّن إلى هذه الدرجة؟ لماذا لم يبحثوا أكثر عن حقيقة تلك الجثة!؟


- إصبر يا ولدي وستكشف لنا الأيام كل شيء .


- هل يعني هذا بأنك لم تخبرها بحقيقة وجودي؟!


- لا.. لقد خفت على الفتاة يا ولدي.. فهي رقيقة ولا تتحمل صدمة كهذه! فأي إنسان مهما كان مؤمنًا وقويًا فإنه سينهار ما أن يكتشف بأن عزيزهُ الذي من المفروض أنه قد مات قبل شهور فجأة يرجع إليه حيًّا معافى!!


لا أظن بأن أي أحد مهما كانت قوته وصلابته سيتحمل هذه الفكرة أبدًا..!!


وعند الظهيرة من ذلك اليوم إجتمع الثلاثة على مائدة الطعام ..قالت كريمة بعيونٍ حبلى بالدموع - هل يعني هذا بأنك ستتركنا يا مؤمل.. اقصد يا خالد!


قال مؤمل وقد توقف عن الطعام :


- إن إسمي "مؤمل" يا أم مؤمل! فخالد هذا كان اسمي في الماضي وقبل أن اتعرف على وجوهكم الطيبة، أما الآن فأنا مُصِر على أن إسمي مؤمل!


حاول أحمد أن يهدأ من روعه قائلًا :


- والآن يا مؤمل .. ما الذي قررت فعلُهُ بخصوص أختك ميساء؟ لم ينبس مؤمل ببنت شفة!


أكمل أحمد : هل تعرف يا ولدي بأنه في تلك الفترة التي وجدناك فيها كان قد انتشر في الجامعة خبر وفاة شقيق الطالبة ميساء بحادث سير لكني لم أربط بين موضوع أخيها وبين قصتك رغم الشبه الكبير بينكما!!


لا أعرف ما هي الحكمة في أن الله جعلني أغفل عن هذا الأمر المهم؟!


قال مؤمل هازًا رأسه وهو يؤيد كلام أحمد :


- نعم يا أبتي.. أنا أيضًا أشعر بأن هناك حكمة من كل هذه الأحداث الغريبة.. لذلك سوف لن أكشف لأختي عن هويتي في الوقت الحالي!


قال أحمد مستغربًا :


- ولكن ماذا تقصد بهذا الكلام؟


- أقصد بأنني يجب أن أعرف أكثر عن وضعي السابق؟ فلطالما فكرت مع نفسي بهذا الأمر ..


كيف كنت أعيش مع ربي أولًا؟ ومع نفسي ثانيًا ومع مجتمعي ثالثًا؟


إن عرفت كل هذا قد أتوصل عندها للحكمة من إخفاء هويتي كل هذه الفترة؟ فأنا أشعر بأن هناك سر غريب في قصتي!!




وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن