بسم الله الرحمن الرحيم |؛
ظلام.مامن ضوء في الغرفة إلا شعاعا أبيضا ساطعا يصدر عن مصباح وضعه الضابط على الطاولة تماما أمام كرسي يمان الذي كان متأكدا من أن الضابط فعل هذا ليحرمه من النوم فقط،وليس ليتأمل في جدران هذه الغرفة المتفسخة المليئة بخطوط سوداء متفرقة حزر يمان بأنها آثارٌ لكراسٍ وطاولات قد كانت ملتصقة بالجدران يوما ما.إنها غرفة في مدرسة قديمة،لقد عرف هذا فور أن رفع الضابط العصابة عن عينه وأدخله إلى هذه الغرفة بعد مشيهما في ممرات كثيرة.
كانت عيناه قد احمّرتا،بالكاد يتنفس،لقد ملأ هذا الضابط المتوحش جسده بأنواع الشروخ والثقوب،لو لم يقيّده بحبل قوي ويداه مضمومتان خلف ظهره لشعر بأنه تحول إلى سلطة من لحم ودم،حقّا،هذا العم لا يعرف المزاح أبدا.
الشيء الوحيد الذي يُبقي يمان مطمئنا رغم كل هذا العذاب،أنه لم يفتح فمه بكلمة واحدة،إنه لم ينسى وعد كايين قطّ،وقد أقسم بينه وبين نفسه على أنه لن ينطق بكلمة أو يعترف إلا إذا شعر بأنه يحتضر،ولو لم يتمسك بهذا القسم،وقال كل شيء واعترف،لربما كان الآن ميتا في قبره،فما فعله ليس هيّنا،ولو عرف العم المتوحش الغاضب الحقيقة،حتى ولو كان ضابطا يجب عليه أن يعمل تحت إمرة العدالة،لقتله بيده العاريتين ودفنه في باحة المدرسة الخلفية.البقاء ساكتا وتحمل هذا العذاب والعطش أهون،وربما،ربما يرسل إليه كايين أحدًا لينقذه.فكّر يمان بأمل،وفي تلك اللحظة نفسها،سمع صوت أزيز قريب،والتقطت عينه اليسرى من الجانب شذرة ضوء فضية،لقد كان ذلك صوت النافذة " أهو الموت ؟ أم الإنقاذ " تساءل يمان فزعا،أحد ما قفز من الخارج إلى الغرفة عبر النافذة بعد أن فتح درفتيها،لقد كانتا خشبيتين ومهترئتين،لم يكلف فتحهما الشخص الذي دخل سوى دفعة واحدة.ارتبك يمان،هاهو يرى ظل الشخص وهو يخطو نحوه،وأخيرا،عندما بلغه،همّ بالالتفات إلى جهته،لكن الشخص فاجئه بدورانه من خلف الكرسي ليقابله من الجانب الآخر،وتحت نور البدر الفضي،ظهرت قسمات وجهه ليمان قريبة وواضحة،تماما،شلّت الصدمة لسانه،وكأن العطش لا يكفي لفعل ذلك،إن هذا الوجه . . إن هذا الوجه.سعل يمان،واتسعت حدقتاه أكثر،ولم يستطع التفكير بعد،تأمّلته عينا الشاب الخضراواتين بحنوّ،مدّ يده وأراحها على رأسه ثمّ تكلّم بصوت
لم يتوقع يمان أبدا أن ترتشفه أذناه بهذه النبرة :
- مرحبا،لقد أتيتُ لإنقاذك.
تمتمة متلكأة وخافتة،ذلك كل ما استطاع يمان أن يرد به عليه.حدقتيه المتعبتين الحمراوين متسمرتان على الوجه الأبيض المبتسم،والذي سرعان ما اختفى عن ناظريه إذ التفت صاحبه إلى الوراء أكثر وانهمك في فكّ وثاق يمان.سعل الأخير قليلا،ثم أطرق برأسه،وتكلّم أخيرا وقد استعاد تنفسه المتعب البطيء إلا أنه لم يستطع أن يتخلص من العجب والاستثارة التي تعم جسده كله :

أنت تقرأ
العَجَلة الدّوّارَة
Mistério / Suspenseبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . هذه روايتي الثالثة كِتابةً ، الأولى حقيقةً ، لأنها تقريبا أول رواية أعلّق بها آمالًا كبيرة إلى حدٍّ بعيدٍ نوعًا ، آمالا لا تتعلق بالضرورة بالنشر وما إلى ذلك ، إنما تتعلق أكثر التعلق بما ست...