1

810 18 12
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

العَجلة الدّوّارَة 

01

سبّابة نحيلة ليد معروقة شاحبة،تعبث بحبل طويل خرج من طرف ياقة السترة الثقيلة التي غاص فيها جسد الشاب النحيل،كل نظره كان مركزا على يده هذه.الهواء بارد،رغم كل ذاك الصراخ والغضب الذي ينبعث من محدثه، ذلك الرجل الواقف على مقربة منه،بدا الشاب صامتا،لا يشعر بشيء،لكن الحقيقة أن الخوف والقلق من الداخل كانا ينهشانه.

هدأت نبرة الرجل أخيرا،غير أن عيناه وملامح وجهه المتجعدة لم يزدادا إلا غضبا واتقادا،عقد ساعديه وتكلم :

- هكذا إذا،لا تودّ أن تفتح فمك بكلمة أيها المراهق ؟

تناثر صوته في الهواء كشفرات حادة صغيرة،لكن الشاب لم يحرك ساكنا.تأمله الرجل لثوان،ثم انقلبت سحنته وأظلم وجهه القمحي أكثر :

- حسنا،عرفت منذ البداية أن الكلام لن يجدي معك شيئا.

صرخ ملتفتا نحو الباب :

- كلارك،ائتني بالأدوات،لقد حان إعداد السلطة.

انقبض شيء في صدر الشاب،ضم قبضته وأدخلها خلف السترة وقاوم ابتلاع ريقه

"لن تتكلم يا يمان،لن تفعل هذا،أنت تعرف أنه مهما بلغت وحشية أدواته فلن تفوق وحشية الأخ،أبدا "

أخذ نفسا عميقا،إنه رغم خوفه لا يريد أي بادرة للاستسلام تبدو عليه،سيتحمل ولن يجعل هذا الضابط يتغلب عليه،لقد كان يعلم منذ البداية أن هذا ماسيحصل أخيرا،سيقع بين أيديهم،وكان يعلم أيضا أن إدراكه هذا لن يغير شيئا،وإن كان من ملامة فلن يلوم أحدا غيره،لقد رضي بأن يركض نحو العجلة ويركب فوقها،وستسمر العجلة بالدوران حتى تكسر الريح أضلاعها.

-

- سكر ؟

سألت المرأة بهدوء يعكس مزاجها الرائق،ومضت عدة ثوانٍ ومازال سؤالها يسبح في الهواء،رفعت حاجبها المرسوم متعجبة،وحركت أناملها قليلا فاصطدمت الملعقة اللامعة الصغيرة بطرف الكوب،وأخيرا،خرجت الفتاة من شرودها،وتنحنحت ثم رفعت عينيها المحمّرتين بعض الشيء إلى المرأة التي استرخت بجلستها :

- أعتذر إليكِ نِهال،تعرفين أنّي أرقتُ بالأمس ولم أستطع النوم حتى الآن،انتباهي يتسرب ببطء.

العَجَلة الدّوّارَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن