[1]

996 79 70
                                    

•••

"ماذا لو لمْ يكن فاشلًا؟"

كم مرة يا ترى تردد هذا السؤال في ذهنِّه، تساءَل وهو يرمقُ بعينيه الخاليتِين من الحياة ثلاثة مراهقين اِرتدوا زيًّا موحدًا شابه الزيّ الذي يرتديه، زقاقٌ ضيق، نظرات ملِيئة بحقدٍ غير مبرر، اِعتاد هذا السيناريو حتى أنه لم يَعُد يتفاعل معه، لقد تعلم بالطريقة الصعبة، أن عدم فعل شيءٍ هو الإجابة الصحيحة. لا. بل الإجابة الوحيدة.

دفعه أحد الفتِية بعنفٍ نحو الحائط، عيناه تقدَحان شررًا، شاهد فمُه يتحرك بكلماتٍ بذيئة كثيرة لكنه لم يفقه معناها، فذهنه اِنزلق نحو ذكرى بعيدة-قريبة، تلك المرة اليتيمة التي حاول فيها الدفاع عن نفسِه، صحيح أنه تسبب لهم بأضرارٍ شفت غليله لكنه نال النصيب الأكبرَّ من الضرر، ما تزال صافرة سيارة الإسعاف عالقة في ذاكرتِه، هلع المسعفين وهم يحاولون بيأس إيقاف نزيفه، كانت دماؤُه تفر منه باستماتة، كما لو أنها لا ترغب بالبقاء معه، حالها حال كل شيءٍ آخر في حياته. ظل وعيهُ يتنقل بين عالم النوم واليقظة، بين الدفء والبرود.

ستكون بخير. لاتقلق، فقط حاول أن تبقى معيّ.

شدد عليها المُسعف محاولًا إبقاءه يقِظًا، لكنه هز رأسه، ثم ابتسم، ابتسامة خالصة، خارجة من القلب. ما إن شاهدها المسعف حتى تجمد لوهلة، راعته تلك الفكرة المرعبة حين إِلتَفت حول عقله، هذا الفتى الصغير، الروح الهشة التي لم تتعرف إلى الحياة كما يجب بعد.

يرغب في الموت.

هز رأسه مبعدًا هذه الفكرة التي جعلته يفقد هدوءَه المعتاد، تابع حركته بسلاسة وهو يقوم بتعقِيم جراحه وتضميدها بخبرةٍ شحذتها الأعوام، صمت برهة لينظر في عمق عينِيه الزرقاويّن قائلًا بثقة أكبر من سابقتها: ستكون بخير.

نبرة بها وعدٌ صامتٌ بأنه سيحرصُ على ذلك.

لكنه لم يكن يعلم، أنه لم يَعرِف الخير يومًا، وربما هذه اللحظات قد تكون أول خيرٍ عَرِفَه في حياته.

بعدها، اِستسلم أخيرًا واِنزلق في غياهب الظلام منتشيًّا بأمل أن هذه هي النهايَّة، أخيرًا سيصمتُ كل شيء. لمرةٍ لعينةٍ واحدة، يمكنه القول أن الحياة ابتسمت في وجهه، حين أفلتت -بعد عمرٍ من العناء- يده!

لكن هذه السعادة لم تدمْ طويلًا فقد أدرك أن ذلك لم يكن سِوى غياب مؤقت، مجسَّات الألم في جسده أخبرته بكل وضوح وهو يستعيد في وعِيه، أنه ما يزال بكل ما للكلمة من معنى -على قيدِ الحياة.

ترامى إلى مسامِعه صوتُ كعبها العالي، اِكتسح الغرفة عطرها قبل أن تدخل حتى. متكِئًا في وضعيَّة بين الجلوس والاستلقاء، ظل يراقب الباب ببصيص أملٍ برق من عينِيه، هاهو ذا قرر أن يمنيّ نفسه بعود ثقابٍ صغير قبل أن ينطفِئ بالكامل.

«Blue, Dark & Sad | أزرق، داكن وحزين»حيث تعيش القصص. اكتشف الآن