°°°كان السيد بيلارد جالسًا خلف مكتبه، أمامه فُرِشت عدة ملفات وقد عقد حاجبيه في تركيزٍ جليّ، إحدى عاداتِه التي لازمته لمدة ثلاثة عشرة عامًا قضاها في بيوت الضيافة حريصًا على التعامل مع الأطفال بطريقةٍ تضمن مواجهتهم للمجتمع بشكلٍ جيد حين يبلغون سن الثامنة عشرة.
كل شهر يقوم بإخراج ملفات الصبيَّة في عُهدَتِه ومطالعتها حتى يحفظها عن ظهر قلب، يحاول فهمهم على مستوى أعمق، فهو لم يكن رجلًا عاديًا شغرَّ هذه المهنة بسبب حوجته للمال أو الوظيفة الثابتة، لقد اِختارَها عن رغبة اِنبثقت منذ أن كان طالبًا في الثانويَّة، اِستهجن حينها المعاملة السيئة التي كان يتلقاها زملاؤه من بيت الضيافة، هكذا سمَّاه لم يكن يحب أن يطلق عليه المَيتَّم، بل بيتٍ للضيافة ريثمَّا يجهزون لمُجابهة أعباء حياة الراشدين لاحقًا...وفي ذلك العمر اليافِع عقد بداخله عقدةً لم تُحل، رغبته في أن يصير مسؤولًا عن الأطفال وتوجيههم لينالوا الرعايَّة التي يستحِقونها، خصوصًا أن معظمهم يأتون لبيوت الضيافة بعد قضائِهم أوقاتًا صعبة في منازلهم، سواء بسبب المعاملة السيئة أو موت أهلهم...فتلك السِمة الوحيدة المُميِّزة لجميع الصبية بلا استثناء، أنهم جميعًا يأتون إلى هنا برفقة أوجاعٍ يجرونها خلفهم، تختلف في مدى ثُقلِها من طفلٍ لآخر.
وهاهو يجد نفسه أمام وجعٍ لم يستطع أن يتلمسَّ مدى عمقه، صبيٌّ بدا له كأحجية يَصعُب حلها، رونان دِياز. منذ أن تم نقله إلى هنا قبل ثمانيَّة أشهر بسبب موت المسؤول السابق المُفاجئ وهو لا يعرف كيف يتعامل مع هذا الشاب اليانع بالذات، كلما حاول تقليبه يمينًا ويسارًا بدا له مثل صخرةٍ ثابتة ترفض التزحزُّح أو الإفشاء عن الأسرار أسفلها.
تنهد من أعماقِه وهو يطالع الملف الخاص به. ليقرأ الاسم المكتوب أعلى الأوراق بصوتٍ عالٍ: رونان برادفورد.
بالرغم من أن الجميع ينادونه برونان دِياز إلا أن الكُنيَّة الحقيقية لرونان كانت برادفورد، أمر للمرة المِئة جعله يعقد حاجبيه فقد كانت الأوراق بداخل ملف رونان ناقصة، لم يعرف قط القصة الكاملة وراء هذا الاسم وعلم أن سؤاله للمعنيّ نفسه لن يكون ذا جدوى، فيبدو أن رونان وعصابته قرروا منذ مدةٍ كونه عدوهم اللدود، بالرغم بأن كل ما يفعله يفعله دائِمًا لمصلحتِهم فقط. تنهد من أعماقه وهو يمسد جسر أنفه، قام بتعديل النظارة وقرب إحدى الأوراق إليه، كُتِب عليها بخطٍ مطبوع:
تم إحالته للعلاج النفسي من قبل.
دون مزيدٍ من التفاصيل، بدا له أن أيًّا كان من كتب هذا الملف فقد حرص على إخفاء الكثير من الحقائِق عمدًا، لمح خربشاتٍ بخطٍ مألوف فضيق عينيه وهو يحدق بتركيزٍ شديد في محاولة لتذكر أين رآه من قبل، فرقع أصابعه وهتف: جيرارد هاملتون.
أنت تقرأ
«Blue, Dark & Sad | أزرق، داكن وحزين»
Ficção Adolescente"هنا، يُوجد الماضي الذي يصنعنا والحاضر الذي لا ننفك نتهرب مِنه بالنظر إلى المستقبل، بالتوق إليه. لحظات الحياة المتسربة من بين أيدينا ودروسها التي لا نعِيها إلا متأخرين. هذه القصة عن أرواحٍ لم تيأس، مهما بدت لها الحياة مُعتمة ولا تطاق. مهما ألقيّ به...