[3]

329 51 46
                                    

•••

كانت السَّاعة الفسفوريَّة تلمعُ في الظلام، عقاربها تدور مصدرةً صوتًا خفيفًا، جلسَ فوق طاوِلة المطبخ منتظرًا أن ينضج الحساء المُعلَّب، رمق الڤيلا المُظلِمة والخاليَّة من أي علامةٍ للحياة بنظراتٍ خاويَّة، أحنى رأسه للخلفِ محدقًا بالسقف المُظلِم فوقه، فهذا الوقت من اليوم كان المفضل بالنسبة له. لا مدرسة، لا أشخاص، لا أصوات، بالتأكيِّد عدا الصوت الذي لا يصمت إطلاقًا في رأسه. تلك المحكمة الصاخبة التي لا فرَار منه، حسنًا، ربما طلقة في الرأس ستكون الحل، لكنه لم يحبذ هذه الطريقة الوحشيَّة، ليس بعد على الأقل. إثر هذه الفكرة، أخرج نفسًا حارًا من جوفه وأغمض عينيه وما إن فتحهما ببطء وجد عينيّن خضراوين تنظران إليه من فوقه صرخ صاحبهما بـ : بُووووووو.

وعندما رمشَّ عِدة مرات دون إبداء أي ردة فعل تُذكر، لوى الآخر شفتيه ليدور حول طاولة المطبخ ويقف أمامه، هاتفًا بتذمر:

- لا شيء يُرعبك إطلاقًا، كنتُ أود سماع صراخك!

الخوف للأحياء.

أراد أن يقول له، لكنه اِكتفى برفع حاجبٍ تجاهه ثم السؤال:

"لماذا ما تزال مستيقظًا تريستيَّان؟"

رفع تريستيان غطاء الحساء وألقى عليه نظرة مُتمتِمًا (برائِحته ذكيَّة) ليعود بناظريه لأخيه الأصغر الذي بدا ظريفًا وهو جالسٌ فوق الطاولة.

- كنت أعمل على بحث طلبه منّا مدرس العلوم، وتعلم...ما إن فتحت يوتيوب حتى نسيت الوقت وهدفي الأساسي.

أضاف الأخيرة مُحرِكًا كتفيه ورافعًا يديه بعجز.

همهم الآخر بتَفهُّم دون قول شيء بينما راقبا في هدوءٍ شعلة النار المُتراقِصة أسفل القدر.

- لماذا الحساءُ المُعلَّب؟ تعلم يمكنك أن تطلب من غريغ أو مارتينا أن يعدا لكَ شيئًا.

"إنها الثانية صباحًا."

عندما رمقه تريستيان بنظرة وما-المشكلة؟ تنهد بيأس وهو يشيحُ بوجهه بعيدًا.

لطالما كانا كخطيين متوازيين، لا يلتقيَّان في نقطةٍ أبدًا.

"أنا أحب الحساء، لا تشغِل بالك."

قالها ثم قفزَّ من على الطاولة وتناول ملعقةً معدنية كبيرة حرك بها الحساء الذي بدأ يغليّ.

- هيهيهي لا تحاول! أذكر أنك كنت تمقته بشدة منذ كنا صغارًا! اِعترف أنك لا تجيِّد صنعَ غيره لذا--نعم نعم.

قطب تريستيان بعدم رضا حين لم يستطع استفزازه، ليُردِف:

- كارثيّ مع الهواتفِ المحمولة، خزانتُّك دومًا متداعية، ولا تجيّد سلق بيضة!

«Blue, Dark & Sad | أزرق، داكن وحزين»حيث تعيش القصص. اكتشف الآن