الفصل التاسع

646 42 26
                                    

عادت سلمى إلى منزلها، و ما إن دلفت إلى الشقة حتى وجدت داليا تجلس بأريكة الصالة و هى تبكى بشدة، فاضطربت سلمى و أسرعت إليها تسألها عن سبب بكائها فأجابتها من بين شهقاتها:
ــ خالو أحمد اتصل بـ ماما من شوية و قالها إنه جايبلى عريس من عندهم من اسكندرية و قالها نجهز علشان جايين يوم الخميس الجاى يطلبوا ايدى رسمى، و طبعا لما ماما قالتلى رفضت و هى المرادى صممت و اتعصبت عليا لدرجة إن الأزمة رجعتلها تانى، بس أنا لحقتها بالأدوية و نامت بعدها... سلمى أنا مش هتجوز غير سفيان... أنا بحبه و مش قادرة أتخيل نفسى مع حد غيره...
انتهت من كلماتها الأخيرة ثم انخرطت مرة أخرى فى بكاء أشد، فجذبتها سلمى إلى حضنها و أخذت تربت على ظهرها بحنان و هى تقول:
ــ و بعدين يا داليا... يعنى هنخليه يتجوزك بالعافية يعنى؟!.. انتى عارفه انه بيحب ملك و مافاتش على موتها غير ٣ شهور بس، ثم انه كمان لسة بيدرس، انتوا الاتنين من سن بعض، بس معروف ان البنت بتتجوز الأول بغض النظر عن دراستها، انما الشاب لازم يخلص دراسته و بعد كدا يشتغل و يجهز شقته و مووايل كتير.... و طبعا ماما مش هترضى تخليكى تستنيه دا كله و فى الآخر مش عارفين بردو هيتقدملك و لا لا.
ردت عليها بعصبية:
ــ ملك و خلاص ماتت، و الدراسة فاضلها شهرين و تخلص، و شقته موجودة و مش ناقصها غير حاجات بسيطة، و الشغل أهو شغال فى محل عمو ابراهيم غير الدروس الخصوصية اللى بيديها لمعارفه، ها عندك حجة ايه تانى؟!
ــ يا حبيبتى المشكلة مش عندى... هو يا داليا... هو مش مستعد يخوض علاقة رسمية و يتحمل مسؤلية بيت و قلبه مع واحدة تانية..
هبت داليا من جلستها و كفكفت عبراتها ثم قالت بإصرار و جدية:
ــ أنا مفيش قدامى وقت.. و مش لسة هستنى لما ينسى ملك و بعدين أشوف ان كان هيطلب ايدى و لا لا..
نهضت سلمى هى الأخرى و وقفت قبالتها تسألها بترقب:
ــ انتى ناوية على ايه يا داليا؟!
سلطت نظرها على نقطة بعيدة ثم ضيقت عينيها قائلة بتصميم:
ــ أنا هروحله يا سلمى.. سفيان لازم يفوق بقى.. لازم يفوق و ينتبهلى أنا... استحالة هيقابل واحدة بتحبه قدى... أنا أكتر واحدة أحق بيه..
طالعتها سلمى بملامح مشدوهة و عينين جاحظتين ثم قالت:
ــ انتى اتجننتى!!.. انتى عايزاه يقول عليكى ايه؟!
أجابتها بلامبالاة:
ــ يقول اللى يقوله يا سلمى... مش أحسن ما أضيع أنا فى الرجلين...
قبضت على كتفى شقيقتها قائلة برجاء:
ــ سلمى... علشان خاطري سيبينى أروحله و اتكلم معاه و أعمل اللى عليا علشان ما اندمش بعد كدا.. بس اوعى تقولى لـ ماما... ماشى؟!.. مش هتأخر..
لم تنتظر ردها و غادرت سريعا من المنزل متخذة طريقها إلى منزل سفيان و دقات قلبها تتسارع فى صدرها، تدعو الله أن يسدد خطاها و يهدى سفيان لها و يخضع لرغبتها و إلا حتما ستخسر حلاوة الدنيا إن خسرته.
فتحت عفاف باب الشقة للطارق فوجدتها داليا، انتباتها حالة من القلق خشية أن يكون قد أصاب أحداهن مكروها، فـ وجه داليا الباكى لا يبشر بخير أبدا، سألتها داليا قبل أن تدخل:
ــ سفيان موجود يا طنط..
قطبت جبينها باستغراب ثم قالت بدهشة:
ــ ايوة يا بنتى موجود..كان فى درس و لسة راجع حالا..ادخلى يا حبيبتى..
دلفت بخطى مترددة و جلست على أقرب كرسى لها، بينما عفاف دخلت غرفة سفيان تخبره بأن داليا تريده فى أمر هام، خرج لها بعد دقائق و جلس قبالتها بعدما ألقى عليها السلام ثم بدأت هى الحديث بسرد قصة العريس و بعدما انتهت أجهشت فى بكاء مرير و هى تقول:
ــ ملك و ماتت و معادش ليها رجوع...و انت عارف انى بحبك و استحالة هقدر اعيش مع حد غيرك...مستنى ايه يا سفيان؟!..ماما المرادى مصممة، و انا متأكدة اللى مخليها مصممة كدا اللى حصل لسلمى، زى ما تكون عايزة تعوض فرحتها بيا أنا، سفيان أنا حياتى هتكون جحيم من غيرك...ذنبى ف رقبتك..ماما بتتحسر على حظى شوية و حظ سلمى شوية لما هتموت بسببنا.
بينما سفيان كان يستمع لها مطرق الرأس، بملامح منكمشة من الأسى، لا يدرى ماذا عليه أن يفعل، بعدما انتهت سكت مليا ثم رفع رأسه لها و طالعها بعينين محتقنتين قائلا:
ــ زى ما انتى مش هتقدرى تعيشى مع حد غيرى، أنا كمان مش هقدر أعيش مع واحدة غير ملك.
جحظت عيناها من كلماته الجارحة و كتمت غضبها ثم قالت بوجه متجهم:
ــ معنى كلامك ان انت مش هتتجوز أبدا؟!
شرد بعينيه بعيدا عنها و بعد برهة من الصمت قال بجدية:
ــ معنى كلامى إنى لو اتجوزنا هظلمك معايا و مش هيكون فى راحة، و أكيد هيكون فى بينا مشاكل كتير بسبب الشك لأنك عارفة ان قلبى فيه غيرك..
أجابته سريعا بلهفة:
ــ اوعدك يا سفيان إنى هتحملك لحد ما تنساها، و أنا واثقة إنها فترة و هتعدى و مسيرك هتحبنى و انا هساعدك على كدا...ها قولت ايه؟!
سكت و هو يزدرد لعابه بتوتر و قلق من ذلك القرار السريع و المتهور فى ذات الوقت، إلى أن دلفت إليهما عفاف و بيدها صينية بها ثلاثة أكواب من الشاى وضعتها على الطاولة و جلست ثم قالت:
ــ و احنا يا حبيبتى مش هنلاقى عروسة أحلى منك لـ سفيان، هو هيلاقى فى جمالك و ادبك و تدينك و تربيتك فين، دا انتى تربية ايدى و بينا عشرة و عيش و ملح..
اتسعت ابتسامة داليا بينما سفيان نظر لأمه بصدمة، فقد قررت عنه دون الإلتفات لرأيه، و لكنها تجاهلته و استرسلت حديثها بسعادة:
ــ اشربى الشاى و روحى يا حبيبتى و انتى مطمنة و بكرة بإذن الله هتلاقينا عندكم بنطلب ايدك من ام سلمى حبيبتى..
ردت عليها بسعادة غامرة:
ــ بجد يا طنط؟!..
أومأت لها بابتسامة و هى تقول:
ــ طبعا يا حبيبتى بجد.
نهضت داليا ثم قالت:
ــ طاب انا همشى أصل ماما متعرفش ان انا هنا...سيبتها نايمة و جيت و انا خايفة تصحى و متلاقينيش..
ردت عفاف:
ــ ماشى يا حبيبتى مع ألف سلامة...و أنا لما الحاج ييجى من برة هخليه يكلم مامتك و ياخد منها ميعاد على بكرة..
هزت راسها عدة مرات بموافقة بسعادة بالغة و فتحت باب الشقة و انصرفت..
بينما سفيان مازال جالسا بصدمته، لا يصدق الحديث الذى دار أمامه منذ قليل، لقد فرضت عليه أمه الزواج بها بطريقة مفاجئة لا يمكنه الفرار منها، و ما إن خرجت داليا حتى صاح بها بغضب:
ــ ايه اللى انتى عملتيه دا يا ماما..بتجوزينى بالتدبيس؟!..ليه كدا يا ماما؟!..ليييه..
اقتربت منه كثيرا ثم قالت بنبرة حانية:
ــ يا حبيبى كل كلمة داليا قالتهالك عندها حق فيها...مسيرك هتتجوز يا سفيان، لو مش دلوقتى هيبقى بعدين، و انت مش هتلاقى واحدة تحبك و تتمنالك الرضا ترضى زيها...و بعدين يبنى كفاية اللى حصل لسلمى، و البنت طلعت جدعة و سابت أخوك و ضحت بحبها و سعادتها عشانه و علشان متحرمهوش من الخلفة، مش كفاية كسرة قلبها، يبقى هى و أختها كمان؟!..اعتبر جوازك منها جبر خواطر و رد جميل لسلمى...انت فكرك يعنى انى كنت هكون مبسوطة لو كان ريان اتجوز منها بعد اللى حصلها؟!..انا حمدت ربنا إنها طلعت بتفهم و جات منها هى..فهمتنى يابنى؟!
زفر بعنف و هو يمسح على وجهه بكفيه ثم نظر لها بحيرة قائلا:
ــ كلامك مظبوط يا ماما...بس الموضوع صعب عليا أوى.
ربتت على فخذه بحنان قائلة:
ــ قوم يا حبيبى صلى صلاة استخارة و اتوكل على الله و ان شاء الله ربنا هيسهلك الصعب.

ما لىَ لا أنساكِ (لـ/دعاء فؤاد) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن