الفصل الحادى عشر

633 42 34
                                    


بينما فى منزل إبراهيم...
اعتادت سلمى على مساعدة شقيقتها فى الأعمال المنزلية بعد انتهائها من عملها، نظرا لتعب داليا الشديد بسبب الحمل، فطلبت منها داليا أن تساعدها فى تحضير الغداء للعائلة بمناسبة زيارة ريان لهم، فوافقت شريطة أن تنصرف قبل قدومه حتى لا تصطدم به و تراه.
و لكن لسوء حظها وصل ريان قبل أن ينتهيا من اعداد الطعام بالكامل، حبست سلمى نفسها فى المطبخ فاضطرت لأن تجلس داليا معها، بينما ريان يجلس مع والديه و سفيان فى الصالون الكائن بالصالة، فإن خرجت من المطبخ حتما سيراها..
بينما ريان أخبرهم بحمل سيرين، و تبادلوا التهنئة و المباركات، و لكنه يجلس على غير هدى، يريد أن يراها بأى طريقة، فاستأذن للدلوف إلى المرحاض المجاور للمطبخ، و ما ان اقترب من المطبخ حتى سمع الحوار الدائر بين الأختين حين قالت سلمى ببكاء:
ــ مش قادرة أنساه يا داليا...مش عايزة أشوفه علشان حاسة إنى هنهار قدامه من كتر شوقى ليه...أنا عايزة أمشى من هنا بسرعة.
ربتت على كتفها بحنان و شفقة ثم قالت لها باقتراح:
ــ بصى اصبرى شوية كدا و بعدين اطلعى فوق هتلاقى مفتاح الشقة فى الباب من برة افتحى و ادخلى اهدى كدا و ريحى أعصابك و بعدين روحى...علشان ماما متشوفكيش و انتى منهارة كدا...ماشى؟!
أومأت لها بموافقة فقد استحسنت رأيها و عزمت على تنفيذه، أما ريان عاد سريعا مرة أخرى لمجلس عائلته قائلا:
ــ بعد اذنكوا يا جماعة أنا هطلع أريح شوية فى شقتى فوق أصل صاحى بدرى و مرهق..
ردت عفاف باستنكار:
ــ.طاب اتغدى الأول يا حبيبى..
ــ لا يا ماما ماليش نفس دلوقتى...لما انزل هبقى اتغدى..
رد إبراهيم بتفهم:
ــ ماشى يا بنى اللى يريحك.
ــ عن اذنكم..
صعد سريعا إلى شقته المقابلة لشقة سفيان و دلفها و هو يكاد يُجن مما سمع منها، إذن هى مازالت تُكِن له حباً فى قلبها و تشتاق إليه و تحاول نسيانه و لم تستطع، مثلها كمثل حاله تماما...إذن لماذا الفراق من الأساس..
استخرج سيجارة محشوة من سترته، ثم نزعها و ألقى بها بإهمال، و أخذ ينفث دخانها بتفكير و حيرة إلى أن بدأ يقل وعيه تدريجياً بسبب تلك السيجارة، و ما إن انتهى منها حتى سمع باب شقة سفيان يُفتح و يُغلق، فخرج من شقته و خطى لشقة شقيقه ثم فتحها بحذر فوجد سلمى فى وجهه.
طالعته بصدمة ألجمتها، بينما هو ينظر لها بعينين مُسْبَلَتين بسبب المخدر، اقترب منها قاطعا المسافة التى تفصلهما فى خطوتين و قبض على رسغها دون أن يتفوه بكلمة، و سحبها خلفه و خرج من الشقة و أغلقها و سار بها إلى شقته و دفعها برفق إلى الداخل و أغلق شقته، و كل ذلك و سلمى فى حالة من الصدمة و الذهول.
وقف فى مواجهتها ثم قال بنبرة جليدية قاتلة:
ــ لما انتى بتحبينى سيبتينى ليه؟!
جحظت عيناها و انحبست أنفاسها من التوتر، ثم ازدردت لعابها بصعوبة قائلة بارتباك:
ــ كـ..كنت بحبك...و من اللحظة اللى فارقتك فيها و انت خلاص بقيت عادى بالنسبالى..
صرخ بها بوجه محتقن من الغضب:
ــ كدااااابة.
اقترب منها حتى قبض على خصرها و قربها منه للغاية تحت ذهولها و استنكارها من فعلته، انحنى عليها قليلا حتى اختلطت أنفاسه بأنفاسها و هو يقول بهمس موجع:
ــ أنا كمان لسة بحبك...أنا بقيت بكره نفسى علشان لسة بتحبك..أنا بعشقك يا سلمى.
اشمئزت ملامحها من رائحة أنفاسه الغريبة و أخذت تدفعه عنها و هى تقول بصراخ:
ــ ريان سيبنى...انت مش طبيعى..انت أكيد شارب حاجة..
امتعضت ملامحه و ضغط على خصرها بقوة حتى آلمها، و صاح و هو يضغط على كلماته بغضب:
ــ أنا شارب المُر و الحنظل بسببك...مش عارف أعيش حياتى زى الناس..خيالك بيطاردنى فى كل مكان و فى كل مناسبة حتى و أنا مع مراتى..أنا بقيت مدمن مخدرات بسببك.
طالعته بعدم تصديق و هزت رأسها بنفى و هى فاغرة الفاه، فذلك الذى أمامها الآن لا يمكن أن يكون ريان الذى أحبته، ريان الرجل الخلوق الملتزم الناضج بما يكفيه درئ أذى تلك السموم عن نفسه، و فى خِضم تأملها له فى هيئته الجديدة، إذ به ينزع ححابها و يحرر شعرها ثم يدس أصابع يده فى خصلاته و يقرب وجهها من وجهه حتى كادا أن يتلامسا و لكنها أبعدت وجهها سريعا قبل أن يتهور و يُقبِلها، فجذبها عنوة إلى حضنه و هو يهذى قائلا:
ــ نفسى أحضنك..سيبينى أحضنك يا سلمى...عايز أحس بيكى..
بينما هى تدفعه بعيدا عنها بكل ما أوتيت من قوة و تضرب ظهره عله يستفيق من هذيانه و يعود لوعيه و هى تصرخ باسمه و تقول:
ــ ريان..فوق يا ريان...سيبنى..اللى انت بتعمله دا حرااام..ريااان.
و لكنه متمسك بها بقوة و كأنه غاب عن الدنيا و لم يعُد يسمعها، بدأت نواقيس الخطر تدق برأسها حين شعرت بأنامله تتحس ظهرها صعودا و هبوطا، و عند هذا الحد و بدأت تهاجمها صورة مشوشة لرجل ضخم ملثم يهجم عليها عنوة و ينتهك جسدها بقسوة و بلا أدنى رحمة، فازدادت وتيرة تنفسها للغاية و تسارعت دقات قلبها و انهمرت العبرات من عينيها بغزارة ثم أطلقت صرخة مدوية فقدت وعيها على إثرها فى الحال.
أعادته تلك الصرخة قليلا إلى الواقع، و هوى قلبه فى قدميه حينما ثَقُل جسدها بين ذراعيه، و بدأ يعود لوعيه رويدا رويدا، فصُعِق من وضعه معها و أخذ يسب و يلعن ذاته أن وصل به الأمر للتحرش بها، التقط حجابها الملقى على الأرض ثم حملها و خرج بها من شقته إلى شقة سفيان المقابلة و وضعها برفقٍ بالغ على أريكة الصالون ثم أخذ يهزها برفق و يضرب بخفة على وجنتيها و جبهتها و لكن بلا جدوى، أحضر كوب من الماء و نثره على وجهها إلى أن بدأت تهز رأسها بضعف و فتحت عينيها ببطئ إلى أن رأته ينظر لها بذعر فانتفصت من نومتها و هى تصرخ به:
ــ أنا بكرهك...بكرهك...انت مش ريان اللى أنا عارفاه...لا انت واحد تانى أنانى و سرسجى.
نظر لها بخذى و شعور الإنحطاط مسيطر على جوارحه ثم قال باعتذار:
ــ أنا آسف يا سلمى...أنا...أنا مكنتش فى وعيى، أنا مش عارف أنا عملت كدا ازاى...سامحينى أرجوكى..
ردت عليه و العبرات تعرف مجراها جيدا على وجنتيها:
ــ ليه يا ريان...ليه توصل نفسك للمخدرات..دا انت عمرك ما دخنت سيجارة عادية، مفيش سبب فى الدنيا يخلى شاب مؤدب و ملتزم زيك يبقى مدمن.
كان يستمع لها و هو مطرق الرأس من الخذى و الندم و لم يقوى على تبرير فعلته، فهى محقة فى ذلك، عندما تناولها فى أول مرة كان يظن أنها ستكون المرة الأولى و الأخيرة، و لكن هيهات..
ــ امشى...امشى يا ريان و انسانى بقى.
اختنق صوتها بالبكاء و هى تقول:
ــ انت بقى عندك بيت و ما شاء الله مراتك حامل و هيكون عندك أطفال...فوق لنفسك و لبيتك و سيب القرف اللى بتشربه دا و انتبه لحياتك الجديدة و ارمينى ورا ضهرك.
قطب جبينه و هز رأسه بأسى و هو يقول:
ــ مش قادر...مش عارف أخرجك من تفكيرى...اللى أنا نفسى أفهمه لما انتى لسة بتحبينى ليه عملتى التمثيلية دى و وصلتينا لطريق مسدود...حاسس ان انتى مخبية حاجة عليا...انطقى يا سلمى...مخبية عليا ايه؟!
هدر بكلماته الأخيرة بانفعال بالغ، بينما هى فقط تطالعه بحزن و حسرة و الدموع تنهمر فى صمت قاتل و لم تقوى على إجابته، مما زاد شكوكه أكثر فى كونها تُخفى سرا كبيرا عنه، فرمقها بغضب دفين قائلا:
ــ ماشى براحتك يا سلمى...بس أنا دلوقتي بقيت متأكد ان فى سر انتى مخبياه عنى و هو سبب انفصالنا...بس انتى اللى بدأتى بالفراق و انتى معاكى حق...لازم ألتفت لبيتى و مراتى، و يا ريت لما أبقى موجود هنا مشوفكيش..
هب من جوارها و سار باتجاه الباب و قبل أن يفتحه عاد خطوة للخلف و قال بنبرة باردة و ملامح جامدة:
ــ اه على فكرة لو سيرين ولدت بنت هسميها چود و لو جابت ولد هسميه چاد.
ألقى بكلماته الناسفة و تركها و غادر الشقة بأكملها، بينما هى انخرطت فى بكاء أشد و اخذت تحدث نفسها بمرارة قائلة:
ــ لو عرفت السبب و اللى حصلى عمرك ما كنت هتجرحنى كدا يا ريان...عمرك ما كنت هتقولى الكلام دا...ااااه...يا رب صبرنى و اخلف عليا بالخير يا رب.

ما لىَ لا أنساكِ (لـ/دعاء فؤاد) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن