الفصل السابع عشر

707 40 18
                                    

فى سرايا النيابة بالقاهرة...
تم ثبوت تهمة الاتجار بالمخدرات على مجدى و بعض من أعوانه، أعقبه ذلك التحفظ على أمواله بالبنوك و الحجز على الشركات و الفيلا، و حبسه على ذمة القضية لحين البث فيها، كما تم مواجهته بالجناية التى ارتكبها فى حق سلمى، فى بادئ الأمر أنكرها و لكن عندما تمت مواجهته بالتسجيل المقدم من قبل ريان و تقارير الطب الشرعى، نصحه وكيل النيابة بالاعتراف ربما يخفف له الحكم و بالفعل اعترف بالجريمة و أسبابها و دوافعها.

عودة لمدينة المنصورة...
عاد ريان من منزل سلمى بعدما أثارت حنقه بردها الجائر من وجهة نظره، كان يسير فى طريق العودة و هو ينفث نيران الغضب من أذنيه و عينيه، و هو فى طريقه للبيت لمح سفيان واقفا على سطح المنزل و مستند بذراعيه على السور المطل على الشارع، فعبر البوابة عازما الصعود له، و بالفعل صعد إلى سطح المنزل و سار بخطى بطيئة نحوه حتى وقف بمحاذاته تماما، و استند أيضا بذراعيه إلى السور، فأدار ريان دفة الحديث قائلا و هو ينظر إلى السماء بشجن:
ــ مبتجيش تقعد هنا غير لما يكون جواك هم كبير أوى و زى ما يكون الهوا هيشيل منه شوية..
أطلق سفيان تنهيدة عميقة تنم عن كبت و معاناة لا يعرف قدرها إلا الله، ثم قال و هو ينظر أمامه بشرود:
ــ عمك حطنى فى خانة اليك...دخلنى تحدى صعب أوى، لو فشلت فيه عقابه حرمانى من ملك للأبد، و أنا مش عارف هكون قد التحدى دا و لا لأ..
قطب ما بين حاجبيه باستغراب قائلا:
ــ تحدى ايه دا أنا مش فاهم حاجة..
قص عليه سفيان ما حدث فى ذلك اليوم بدئا من سفر ملك سرا بدون علمه، و عودتها مرة أخرى من المطار، و تهديد عمه له بالرحيل المؤبد إن لم يتراجع عن فكرة الزواج بها، و ما إن انتهى من سرد الأحداث حتى قال له ريان بجدية:
ــ عمك اسماعيل معاه حق يا سفيان...الراجل معذور بردو...دى مهما كان بنته الوحيدة اللى كان عنده استعداد يبيع هدومه علشان تخف، و الحمد لله ربنا شفاها بمعجزة، فمش هيكون بالساهل عليه إنه يجوزها لواحد متجوز أيا كانت الأسباب.
نظر له بعتاب قائلا:
ــ المفروض انك أكتر واحد حاسس بيا و بالنار اللى جوايا، لأنك تقريبا عيشت نفس المأساة اللى أنا عايشها.
رد عليه بجدية:
ــ و لما عرفت الحقيقة و اللى حصل لـ سلمى رضيت بنصيبنا و كملت مع سيرين و مروحتش طلبت أتجوز سلمى سواء كزوجة تانية، أو طلقت سيرين علشانها، و لولا عرفت بجريمتها هى و أبوها كان زمانى لسة مكمل معاها علشان خاطر الأولاد...يعنى أنا دوست على قلبى و ركنت حبى لـ سلمى على جنب عشان أحافظ على بيتى، بس للأسف كنت بحافظ على حية متستاهلش منى ذرة احسان، و لسعتنى بسمها و أنا مش دريان و لا حاسس، لحد ما ربنا كشفلى كل حاجة....انما داليا حاجة تانية خالص، داليا بتحبك و بتتقى ربنا فيك و محافظة على بيتك و مالك، بصراحة و نعم الزوجة، يعني تستاهل أى تضحية منك...
كان سفيان يستمع لشقيقه و هو يحاول أن يقتنع بحديثه الرزين، ربما عقله يستجيب، إلا أن قلبه يأبى أى حل لمعضلته، يشعر بقلبه الممزق يستغيث بين أضلعه، يطالبه باستعادة نبضه المتمثل فيها، فأجابه بعد برهة من التفكير:
ــ صعب...صعب عليا أوى يا ريان...
ربت ريان على كتفه بمواساة قائلا بحنو:
ــ ربنا معاك يا سفيان...
أومأ برأسه عدة مرات، و خيّم عليهما صمتا وجيزا، كل منهما محدقا فى البدر المنير، و يبث فيه بعضا من شجنه الكامن بقلبه، كل منهما يرى وجه محبوبته فى وجه القمر و كأنها تراه و تسمع نبضات قلبه الباكية، إلى أن قطع صمتهما سؤال سفيان:
ــ ناوى على ايه بعد طلاق سيرين و بعد ما أبوها اتحكم عليه؟!
أجابه بجدية ممزوجة بالغضب:
ــ ست سيربن هانم مع نفسها، معادش ليا أى علاقة بيها و لا عايز أعرف عنها حاجة...أصلا زمانها دايرة على حل شعرها و رجعت لأصلها الزبالة...
زفر ريان بعنف بعدما أنهى عبارته، عله يتخلص من حالة الغضب التى خلفتها سيرة تلك المرأة، ثم استرسل حديثه بنبرة أكثر هدوئا:
ــ أنا روحت لـ سلمى البيت و فاتحتها فى موضوع الجواز و سيبتلها مهلة يومين تفكر و ترد عليا..
انفرجت أسارير سفيان بسعادة قائلا:
ــ أخيرا يا ريان!!...ربنا يجمع شملكم على خير يا حبيبى.
أجابه بابتسامة بسيطة قائلا:
ــ يا رب يا سفيان...لو وافقت ان شاء الله هعملها فرح و هخليه فى أقرب وقت، مفيش داعى للتأخير أكتر من كدا...كفاية السنين اللى عدت من عمرنا و كل واحد فينا فى وادى بس قلوبنا و أرواحنا متعلقين ببعض..
اومأ سفيان بتأييد قائلا:
ــ فعلا معاك حق...الخمس سنين اللى فاتوا دول كانت أمرّ سنين عمرنا.
سكت ريان لوهلة ثم أردف بجدية:
ــ اسمع يا سفيان...انت لازم تلتزم بوعدك مع عمى اسماعيل و تبعد عن ملك، و تبتدى تصلح علاقتك مع داليا علشان حياتك تستقر و تقدر تعيش مع بنتك و مراتك فى هدوء...علشان كدا بكرة ان شاء الله نروح أنا و انت و ناخد معانا الحاج و الحاجة و نروح لداليا نصالحكوا على بعض، و بالمرة أطلب ايد سلمى رسمى من طنط فاطمة...ها؟!..ايه رأيك...
زم شفتيه بحيرة ثم ما لبث أن أومأ باستسلام قائلا:
ــ ماشى يا ريان....أدينى ماشى وراكم زى الانسان الآلى لحد ما نشوف آخرتها إيه...
ابتسم ريان بود قائلا:
ــ آخرتها خير ان شاء الله ياشقيقى.

ما لىَ لا أنساكِ (لـ/دعاء فؤاد) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن