( أُحبك )

2.5K 88 71
                                    

#كسارة_البندق
#الجزء_الثاني
                  
                        { ٢٠ }

            أخبرتني والدتي يوماً أن ليس
                 كل ما يلمع ذهباً ....
                 لم أُصدقها حتى قابلتك ...

                     *          *            *

وقفت في منتصف الحرم الجامعي مع زميلاتها وهن يتبادلن أطراف الحديث ... إرتسمت إبتسامة صغيرة مُجاملة في وجهها لتُشعر من حولها أنها منتبهة معهن ...
مررت إصبعيها بهدوء على خُصلاتها المتطايرة بسبب نسمات الهواء الباردة بينما شردت بعيداً عن الجميع بأفكارها .... كان عقلها لا يزال متوقفاً عند تلك اللحظة منذ أسبوع التي صفعتها فيها والدتها وذلك القرار الذي اتخذته عنها وفرضته عليها ، تذكر أنها يومها اتصلت على حسان الذي أجاب عليها بسرعة وكأنه فوجئ باتصالها به لتعتذر له و في اليوم التالي إستقالت من وظيفتها كمدربة باليه وبالرغم من طلب الإدارة الحثيث بأن تستمر حتى وإن تم تقليل الأيام  فهي مدربة بارعة وموهوبة و طالباتها يحببنها كثيراً والأهالي يثنون عليها ولكنها أصرت على موقفها .
الصمت المفاجئ الذي عم المكان جعلها تنتبه لما حولها ، و ما إن حركت عينيها حتى لمحته يعبر أمامهم وبدا السبب واضحاً الآن خلف ذلك الصمت المهيب الذي حل على الجميع ...
وبينما كانت معظم أعين الطلبة تتجه نحوه كان هو يمشي وكأنه على أحد ممرات عروض دور الأزياء العالمية .. بثيابه الرسمية المهندمة وشكله المميز وشعره الذي جمعه كذيل حصان وتولت نسمات  الهواء مسؤولية مداعبته .
كان المثال الحقيقي للشخص الذي يجذب إنتباه الجميع عند مروره ... عبرهم في ثواني وفي تلك الثواني فقط خطف كل الأنظار وما إن ابتعد حتى عادت ضجة الطلبة مجدداً تدريجياً .
كانت فادية وبعكس الجميع منتبهة لتلك الحالة الغريبة التي أصابت آن ... وما أصابها بالحيرة هو نكرانها التام لوقوع أي حدث أو أي مشاكل مع أُسرتها ... وكان ردها على موضوع تركها للتدريب أنها إنشغلت بالدراسة ولم تستطع الموازنة بين الجهتين .
ضمت دفاترها على صدرها ثم ابتسمت بلُطف وهي تقول :
" يلا يا جماعة انا حرجع بعد دا نتلاقى بكرة "

قالتها آن ثم غادرت نحو الخارج ... إتجهت نحو سيارتها لتفتح الباب ثم رمت حقيبتها ودفاترها في المقعد المجاور لمقعدها .
أغلقت الباب واعتصرت المِقود بكفيها وكأنها تنفس عن ذلك الغضب المكبوت بداخلها بهذه الطريقة .... مضت قرابة الخمس دقائق وهي على هذا الحال بينما ظل  ذاك المشهد يعيد نفسه مراراً و تكراراً عليها .
بالرغم من منظرها العادي خارجياً إلا أنها كانت تتآكل من الداخل ، واستولت عليها مشاعر القهر لتزيد من الإشتعال الداخلي الذي تمكن منها .
نفخت بعض الهواء لتدير المحرك ثم خرجت بالسيارة من موقف السيارات المخصص للطلبة إلى الشارع الرئيسي ... كانت تقود بهدوء بينما أنزلت زجاج النافذة سامحة لنسمات الخريف بالإصطدام بوجهها الرقيق والتلاعب بخصلات شعرها المغرية .
إنتبهت لتلك السيارة التي بدأت بملاحقتها فجأة ، والتي تقدمت لتصبح بنفس مستوى سيارتها ... كانت مملوءة بشباب في مقتبل العُمر والذين فتحوا نوافذ السيارة وبعضهم جلس على اطراف فتحات النوافذ ثم بدأ صراخهم الفوضوي يعلو شيئاً فشيئاً ليغازلوها ويضايقوها .
قامت بسد زجاج نافذتها بسرعة و ادعت عدم إكتراثها بهم .
اقتربت السيارة منها أكثر ليقوم أحدهم بمد ذراعه ثم ضرب زجاجها بكفه بقوه .... إلتفتت نحوه بفزع ولم يمهلها الآخر كثيراً ليقوم بسكب قنينة من الماء على زجاجها .
زادت من سرعتها لتبتعد عنهم ولكن كانت السيارة أكبر واسرع من سيارتها بكثير ... تقدمها سائق السيارة ليُصبح أمامها مباشرة وكلما حاولت أن تتحرك على أي إتجاه لتسبقهم وتبتعد عنهم كلما تحركوا بنفس إتجاهها ليحاصروها تماماً الأمر الذي لفت إنتباه المارة في الشارع .
توقفت السيارة فجأة  من دون أي اشارات مسبقة ، لتصدم سيارتها بمؤخرة السيارة الأُخرى ، كان الإصطدام قوياً لدرجة أنها أحست برأسها ينخلع من كتفيها واصطدم جبينها بالمِقود ... صكت على اسنانها وأغمضت عينيها بألم شديد وشعرت بشيئ ما يسيل من أنفها ...مررت كفها بسرعة عليه لتجده مليئ بالدماء.
بالمقابل هرب الشاب الذي كان يقود السيارة الأُخرى من المكان بسرعة ....
ظلت في سيارتها لثواني قبل أن تفتح الباب ليجتمع الناس حولها بين الفضوليين وبين من يحاولون معرفة إذا ما كانت بخير وآخرين يحمدون الله على سلامتها .
أصوات الناس وثرثرتهم ، النظرات ، التدافع وذلك الجو الخانق بسبب كثرت الملتفين حولها أصابها بالغثيان إضافة إلى ذلك الدوار المفاجئ الذي عصف بها وشعور الألم المسيطر على كل من رأسها نزولاً إلى عنقها وكتفيها وظهرها ... أحست بأنها تفقد السيطرة على جسدها تماماً ، عقلها يعي كل ما حولها ولكنها لا تستطيع التحكم بجسدها الذي بدا كريشة في وجه الرياح .... لطالما سمعت عن ذاك الشعور الذي يصيب الناس قبل أن يفقدوا وعيهم ... الظلام الذي يحيط بك فجأة وفقدك لإمتياز توجيه الأوامر لجسدك بأن يتحرك او يتوقف ... فتجد نفسك تغرق في ذاك الظلام فجأة وينتهي المشهد هنا .
هل واللعنة هي على وشك تجربة الإغماء الآن ؟
همست لنفسها ...
" لا ، آن ... ر.....ركز..."

كسارة البندق( الجزء الثاني ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن