الفصل الحادى عشر

19.7K 419 16
                                    

الفصل الحادى عشر من سقر عشقي (( قدر ))

كانت تجلس على الأريكة الكبيرة فى بهو البيت الكبير بعد أن تناولت الطعام تحت إشراف سناء تنظر إلى ذلك الصحن الكبير المليء بشرائح الفاكهة
ويجلس على الكرسى القريب منها رمزى الذى يحاول كتم ضحكاته على هيئتها المندهشة
رفعت عيونها إليه و قالت بلوم
- أضحك يا بابا أضحك ما هو إللى مراتك بتعملوا فيا ده حرام بجد
ليضحك رمزي بصوت عالي و شاركته هى أيضاً الضحك و لكنها فى النهاية قلبت فمها كالأطفال و قالت
- مين يقدر ياكل كل ده بس يا ربي
- أحنا عايزينك تتغذي علشان وقت الولاده متتعبيش يا قدر
قال رمزي بهدوء كعادته و حب أبوي كبير ... لتضع يدها فوق بروز معدتها و أبتسمت و هى تشعر بحركة ابنتها ثم قالت و الدموع تتجمع فى عيونها
- كل حاجة و أى حاجة علشان خاطرها تهون
أعتدلت فى جلستها قليلاً و وضعت الصحن فوق الطاولة الصغيرة و قال بهدوء
- أتفقت مع حد علي توزيع شغل الورش و لا لسه يا بابا ؟
أنتبه لها رمزي بكامل تركيزه و قال موضحاً
- أنا بعت لأكتر من مكتب و مستنين الرد ... بس متقلقيش الشغل فخم و التقفيل على أعلى مستوى أكيد يعنى هنعرف نوزعه و نبيعه
أومئت بنعم ثم قالت
- أنا فكرت فى حكاية منفذ البيع إللى حضرتك كلمتني عنه
ظل صامت ينظر إليها و ينتظر باقى كلماتها
- أهل البلد لازم يستفيدوا كمان من شغل ولادهم ... وتكون أسعاره ثمن تكلفته مع زيادة بسيطه علشان كل الناس هنا فى البلد تقدر تشترى و كمان يعود بمكسب للشغالين
أبتسم رمزي بسعادة لكلماتها و قال موافقاً
- خلاص من بكره هنبدء فى تجهيز المحلات
أنزلت قدميها أرضاً و قالت ببعض التردد
- بابا ... فى فكرة فى دماغى مش عارفة حضرتك هتوافقنى عليها و لا لأ
أعتدل ينظر إليها باهتمام كبير و قال بقوة حانية
- قولى إللى أنتِ عايزاه يا قدر و طالما اقدر عليها مش هتأخر فى تنفيذها
أبتسمت بسعادة و هى تنظر إليه بأمتنان ثم قالت
- أنا بفكر يوم إفتتاح المدرسة و فى حضور المسؤولين نكون عاملين معرض بشغل المشاغل علشان يعرفوا أحنا شغلنا عامل إزاى و يبقا كمان كده زي إفتتاح لمنافذ البيع و برضوا بأسعار مخفضة
أقتربت سناء فى تلك اللحظة و هى تقول
- و الله يا قدر أنتِ ما فيش منك ... ربنا يسعدك يا بنتى و يقومك بألف سلامه
أبتسمت قدر لعمتها بحب ثم عادت بنظرها إلى رمزي الذى قال
- من بكره الصبح هبدء فى تنفيذ كل إللى أنتِ قولتيه
ثم أقترب بوجهه منها قليلاً و قال
- أنا معاكى فى كل خطوة و فى ظهرك قدام أى صعب ... و قادر بعون الله ألغى أى متاعب أو مشاكل ممكن تحصل ... خليكى ديماً مطمئنة يا قدر ... أنا فى ظهرك و طول ما أنا فى ظهرك عمرك ما هتوقعي
وصلت رسالته كاملة لسناء و فهمت ما يرمى إليه ... وكانت هى تنظر إليه بشكر و أمتنان و سعادة كبيرة وراحة و أمان لم تشعر به من قبل أمان أحتواء أب يصنع المعجزات من أجل أبنته ... يحطم الأسوار و يفتح الأبواب المغلقة ... و يجعل أحلام أبنته حقيقة ملموسه
~~~~~~~~~~~~~~~~
دلفت إلى الغرفة بعد أن تأكدت أن قدر تغط فى نوم عميق و بسلام لتجده يجلس فى مكانه على السرير و بين يديه كتاب الله يقرأ فيه بصوته العذب الذى يجعل قلبها يقفز من مكانه حتى يستمع إليه
أقتربت بهدوء و جلست أرضاً بجواره تستمع إلى صوته العذب و عيونها تتجمع بها الدموع خاصة حين بدء فى قرأة سورة مريم
(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33
صَدَّقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ ))
نظر إليها ليجد الدموع تغرق وجهها فابتسم حتى يخبىء ألم قلبه على حزنها و حرمانها الذى كان هو بعد قضاء الله و أمره سبباً فيه
أغلق كتاب الله و وضعه بإحترام و مد يده يمسح تلك الدمعات و هو يقول
- حقك عليا يا سناء ... بس و الله عمرى ما يئست من رحمة ربنا و كرمه
لتهز رأسها بقوة ... و قبلت يديه المستريحة فوق وجنتها و قالت
- لكل واحد فينا ٢٤ قيراط بياخدهم فى الدنيا هما دول نصيبه لا هيزيدوا و لا هينقصوا ... و لو نصيبى الحلو كله من الدنيا أنت يا رمزي كده كرم كبير اوووى من ربنا كرم و انا  لازم أحمد ربنا عليها ليل نهار و أصلى شكر لله كمان و من بعدك أنا مش عايزه حاجه من الدنيا
قبلت يديه عده مرات و هو ينظر إليها بحب. يصل إلى الهيام ... عشق كبير لم يقل يوماً بل يزيد ... لتكمل هى كلماتها
- أنا كان نفسى بس أسعدك ... كان نفسي أجيب للدنيا رمزي تانى ... قلب شبه قلبك و عقل زى عقلك ... كان نفسي أجيب للدنيا راجل حقيقى و بجد كان نفسى أجيبلك جيش كبير شبهك
مد يديه و أمسك كتفيها ليوقفها عن الأرض و سحبها برفق لتجلس جواره و ضمها إلى صدره و هو يقول بصدق
- أنتِ كل جيوشي و أنتِ الحرب الوحيده إللى مش عايز أنتصر غير فيها و كمان مستعد أنهزم علشانها
أخفت وجهها فى تجويف عنقه كلماتها و عشقها له و ذلك الدوار اللعين جعلها لا تستطيع الرد على كلماته أعتقد أنها قد غفت فعدل من و ضعيته حتى تكون مستريحه فى نومها و أغمض عينيه ليغرق فى النوم هو الآخر ... غير مدرك لحالتها التى تزداد سوء
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
مر أسبوع كان العمل بكل الورش على قدم و ساق حتى يتم تجهيز كل شىء خاص بالمعرض ... و أيضاً الملابس الخاصة بالمدرسة رغم أن هناك وقت على بداية العام الدراسى الجديد إلا أن قدر أرادت أن يوم إفتتاح المدرسة يوم مميز و إن لا يكون هناك أى شىء ينقص المدرسة أو يقف أمام دخول بنات البلده إليها
و رغم تعبها و إرهاق جسدها و أقتراب موعد ولادتها إلا أنها أشرفت على كل شىء بنفسها .... لم تترك تفصيله واحده إلا و قد تابعتها بنفسها
لم يترك رمزى أو سناء جانبها طوال الوقت و يساعدوها رغم حالة القلق التى تسيطر على سناء بسبب كلمات أصلان و القلق الذى يسيطر على رمزى بسبب ذلك الدوار الذى لاحظه يصيب سناء من وقت لآخر و لولا ضيق الوقت لأ خذها دون تردد إلى الطبيب
~~~~~~~~~~~~~~~
و بداخل غرفته كان ممدد على السرير يداعب شعر تلك الفتاة الذى أحضرها بالأمس من إحدى الشوارع المظلمة ... و تلك العادة أصبحت هوايته الجديدة
يحضر فتاة بملابس رثه و يسألها عن إسمها و حين تخبره يخبرها أنه سيغير أسمها و يطلق عليها أسم (( قدر )) و حين ينتهى منها يخرجها من المنزل بطريقة بشعه بعد أن يلقى لها المال أرضاً و على وجهها .. و يصفها بأبشع الصفات
و يعود إلى الغرفة يصرخ بصوت عالى بإسم قدر و يطلب منها أن تخرج من عقله .. لكن للأسف لقد سكنت عقله و روحه من أول مره لمسها لا يعلم أذا كانت سكنت قلبه فهو خُلق بلا قلب
نظر إلى الفتاة النائمة جواره و لم يتحمل أن ينتظرها حتى تستيقظ
فعتدل قليلاً و رفع قدمه و دفعها بها حتى سقطت أرضاً تصرخ بخوف من المفاجئة و أيضاً من ألم السقطة
لم يمهلها الوقت لتستوعب ما حدث
غادر السرير دون أن يهتم أن يرتدى ملابسه
و جمع ملابسها من الأرض ألقها فى وجهها و قال أمراً
- ألبسى
فى ثوانِ معدوده كانت قد أرتدت ملابسها و كان هو قد أحضر المال المتفق عليه ألقاه فى وجهها لتمسك هى به سريعاً و أنحنت تجمع ما سقط منها
حينها أمسكها هو من خصلات شعرها و سحبها خلفه و هو ينعتها بأبشع الصفات و الألفاظ
حتى وصل إلى باب الشقة فتحه و ألقاها فى الخارج بقوة لدرجة أصطدامها بالحائط المقابل للباب و أغلق الباب بقوة جعلت جسدها ينتفض بخوف
و رغم الألم الذى تشعر به فى جميع أنحاء جسدها إلا أنها ركضت سريعاً بخوف من عودته لها من جديد
عاد هو إلى الغرفة يغلى غضباً
هو لن ينتظر أكثر من ذلك ... سوف يذهب إليها عليه أن يراها أسفل قدميه من جديد ... و لكن تلك المرة لن يسمح بتلك النظره القويه الواثقه فى عيونها
تلك المرة سوف يرى نظره الأنكسار ... سوف يرى نظرة حزن وخوف .... تلك المرة سوف يقتل قدر و روح قدر الأبيه ... و إلى الأبد

سقر عشقي (( جحيم الفراق )) بقلمى ساره مجدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن