الفصل السابع عشر (( حلم ))

3.1K 149 40
                                    

الفصل السابع عشر

أوقف راغب السيارة أمام الفندق الذي سيقضون به شهر عسلهم
نظر إليها تضع رأسها على كتفه نائمة بسعادة و هدوء بعد أن ظلت تتحدث لأكثر من ساعة بعد مغادرتهم العرس
أخذ نفس عميق و هو يتذكر كم مره ذكرت أسم حلم و كم وقفت بجانبها ... و ماذا فعلت معها و أنها تعتبرها أخت لها
و كلما حاول تغير الموضوع يعود الحديث فى النهاية إلى حلم
ليشعر هو بالأختناق و كأنه قد فقد أنفاسه ليوقف السيارة على جانب الطريق لتنظر جنة حولها باندهاش وقالت باستفهام
- أنت وقفت ليه ؟ العربية فيها حاجة ؟
نظر إليها و أبتسم إبتسامة صغيرة يحاول مداراة ضيقه خلفها
- تعبت بس من السواقه ... كمان مش عارف أتكلم معاكى
ثم أشار على إستراحة قريبة و أكمل
- خلينا نقف هناك أحسن على الأقل أجبلك حاجه تشربيها
و حين وصل هناك وجد أكثر من موضوع يتحدث معها فيه بعيداً تماماً عن حلم
لكن حديثهم ذلك زاد من تأنيب ضميرة و لومه لنفسه خاصة مع ذلك الحب الكبير التي تظهره له بكل شكل
أخذ نفس عميق و هو يعود ينظر إليها تحاوط ذراعه بكلتا يديها و كأنها طفلة صغيرة تتشبث بذراع والدها مصدر أمانها الوحيد
أغمض عينيه لثواني ثم فتحهم و هو ينظر إلى السماء التى تتلئلئ بنجومها و همس بصوت غير مسموع
- يارب هى ملهاش ذنب فى كل إللى حصل ... ساعدني مظلمهاش شيل حلم من قلبي ... أشفى قلبي من حبها
عاد بنظره إليها وحاول تخليص ذراعه من يدها حتى يستطيع حملها على الأقل لكنها فتحت عيونها تنظر إليه فى البدايه بعدم إستيعاب ثم إبتسمت بسعادة و هى تقول
- يعنى كان حقيقة مش حلم ؟!
ليقطب جبينه بحيره لتكمل هى بابتسامة واسعة
- يعنى فعلاً أنا و أنت أتجوزنا ؟! يعنى فعلاً أنت قدامى و معايا ؟!
ليضحك ثم قال ببعض المرح
- تحبي أقرصك و لا أعضك أو ممكن أضربك قلمين كده يمكن تصدقي
لتضع يدها على وجنتيها و هى تقول بدلال
- و أهون عليك يا سي راغب
لينفخ صدره بتصنع و يداعب شواربه الوهمية لتضحك هى بصوت عالي و قالت بسعادة
- عارف نفسي فى أيه ؟
نظر لها باهتمام لتقول هي بأبتسامه واسعة
- نفسي أصرخ بصوت عالي و قول لكل الدنيا إنك بقيت جوزي حبيبي
صمتت لثواني أمام نظراته المندهشة ثم قالت
- يمكن تكون مستغرب حبي ليك ... و الحالة إللى أنا فيها بس أنا من أول مره شوفتك فيها حبيتك و خبيت حبى جوه قلبي كنت متوقعه إنك أنت وحلم هتتجوزوا زي إخواتكم و أنا مش مستعدة أخسر حلم علشان كده سكت و متكلمتش ويوم ما هى جت تبلغني إنك عايز تتقدم كنت عايزه أقوم أرقص و أزغرط و
ليضع يديه فوق فمها يسكت سيل كلماتها و هو يقول
- خلاص يا بايره مصدق إنك بتحبيني و ربنا يقدرني و أكون أستاهل الحب ده كله
كانت تنظر إلى عمق عينيه تنتظر تلك الكلمة التى تتمنى سماعها و لكنه لم يقولها
أخفضت عيونها و بداخلها خجل شديد و خوف من القادم رفعت عيونها حين سمعت صوت بابه يفتح و هو يترجل من السيارة لتعتدل حتى تغادر السيارة لكنه سبقها و فتح لها الباب لتبتسم و هى تنزل قدميها أرضاً ليرفع ذراعه قليلاً لتحاوطه بذراعيها و هى تنظر إليه بحب و سعادة تمني نفسها بحياة سعيدة مليئة بالحب و السعادة
و كان هو يفكر و يدعوا الله أن يساعده و يمد له يد العون
~~~~~~~~~~~~
فى ظلام غرفتها يجلسون الثلاث أخوات جوار بعضهم على السرير و فى المنتصف حلم على قدمها جهاز الحاسوب الخاص بها يشاهدان فيلم و كل دقيقة و أخرى يصرخن بصوت عالي ليقف غسان و يوسف اللذان يجلسان بجوار الباب بعد أن رفضت زوجاتهم الخروج لهم و إخبارهم أنهم سيظلون جوار أختهم الليلة لتتحطم أحلامهم فى تجديد ذكرى يوم عرسهم و يعيشون اللحظة كما أخيهم
و مع كل مره يصرخون الفتايات يحاولن معهم أن يخرجوا إليهم لكن الفتايات يعلن رفضهم من جديد ليلون فمهم بضيق حتى قرر غسان أن يحضر لعبة الورق يلعبها مع أخيه و يضيعون الوقت
و كانت كل من نوار و عائشة تمسك كل منها ذراع حلم القريب منها وبعد كل مره يصرخون فيها يضمون بعضهم و يضحكون
كانت دموعهم تغرق وجههم و من يراهم ينسب ذلك لفعل ذلك الفيلم الذي جعل أوصالهم ترتعد خوفًا و لكن كل منهن لها أسبابها الخاصة
~~~~~~~~~~~~~~~
ممدد على السرير ينظر أمامه بغضب شديد
و ذلك الغضب بداخله من نفسه أكثر من أى شخص آخر ... ما حدث بينه و بين جنة منذ قليل و كم كانت رقيقة محبه كم تحبه وتتمنى رضاه ... زهرة رقيقة بين يديه تتمني أن يغرزها داخل قلبه ... و تتوسله بعيونها أن يحبها كما تحبه أن يشعر بها قلبه كما هو يسكن قلبها
أغمض عينيه و هو يتذكر وقت دخولهم إلى الجناح الخاص بهم وقفتها فى منتصف الغرفة بخجل شديد تنظر إليه نظرة خاطفة ثم تعود بنظرها إلى الأرض شعر أن عليه أن يقول شيء أو يفعل شيء لكن لديه إحساس قوي أنه مقيد حبيس كل ما حدث و ذلك الألم الكبير و لكن صمته و وقفته بهذا الشكل غير لائقه فاقترب منها و هو يقول بابتسامة صغيرة
- مبروك يا جنة ... ربنا يقدرني و أقدر أسعدك
لتقول هى بسعادة
- أنى بقيت مراتك دي أحلى حاجة فى الدنيا و مش عايزة من الدنيا أكتر من كده
لم يستطع أن يجيب كلماتها بأي شىء لذلك تحرك يخلع الجاكيت ثم قال
- غيري بقى هدومك علشان نصلي
أومئت بنعم و تحركت سريعاً إلى الحمام و بعد عدة دقائق خرجت و هى ترتدي إسدالها أبتسم و هو يراها كم هى رقيقة و بريئة عيونها تنطق بحب كبير له و تحيطها هاله من الطيبة و البرائة أشار لها أن تقترب لتقف خلفه و بدأوا فى الصلاة
كانت أسعد لحظاتها و هى تقف خلف راغب زوجها و هو إمامها فى الصلاة كم حلمت و تخيلت ذلك و الأن يتحقق كل ما كانت تراه حلم بعيد غير قابل للتحقيق ... تخشى على قلبها أن يتوقف من كثرة السعادة و لكن كيف تكذب أذنها التي تستمتع بسماع لهمس صوته و هو يقرأ القرآن ... و كيف تكذب عينيها و هى تري قدميه أمامها حين ترفع عيونها عن الأرض و حين سجودها ... كيف تكذب أنفها و هى تشم رائحته عطره المميز الذي يملىء رئتيها
حين أنتهوا من الصلاة و حين ألتفت إليها و رأى نظرة عينيها وقف سريعاً قبل أن تقول أى شىء قال و هو يبتعد عنها بتوتر
- أنا جعان جداً تعالي نشوف عاملين لينا أيه
كان يحاول التهرب منها ... لا يعلم ماذا يفعل أو يقول و لكن إلى متي كانت نظرات عيونها العاشقة كلماتها الرقيقة لفتاتها الخجله التي تثير مشاعره تجعله و بأنانية شديدة يشعر بسعادة بالغه ... أن هناك من هى فى جمال جنة و رقتها تحبه كل هذا الحب و أنه يستحق أن يغرم به شخص ما لتلك الدرجة ... إذاً حلم مخطئة و هى الخاسرة .... و يعود يلوم نفسه و هو يشعر بالغضب من نفسه و من كل ما يحدث و لكن ذلك الصوت الداخلي الذي يشبه صوت والدته كثيراً مع آخر كلماتها له قبل رحيله من قاعة العرس أغمض عينيه و تلك الكلمات تتردد داخل عقله
(( جنه بتحبك بجنون بتحترمك ... شايفاك أغلى حاجة فى الدنيا ... أنسى إللى ميستاهلش تفكر فيه ... و أشغل بالك و عينك و قلبك باللي تتمني تراب رجليك تتكحل بيه ... أفرح يا راغب و عيش يا حبيبي أنت تستاهل كل السعادة و الحب إللى جوه قلب جنة ليك ))
و مع تردد آخر تلك الكلمات فتح عينيه ينظر إلى جنة يتأملها بهدوء بملامحها البريئة خاصة مع ما يظهر أمام عينيه من جسدها جعله يقترب منها يقبلها برفق و لين ... و بدأ يتعمق أكثر لتفتح عيونها تنظر إليه باندهاش ثم بدأت تتجاوب معه بشوق أكبر و حب أكبر و رغبة أكبر ليغرق معها فى لحظات عشق كبير و أنانية أكبر ينهل من عشقها و حبها و جمالها
~~~~~~~~~~~~
فى صباح اليوم التالي كان الصمت ، التوتر و القلق ... الكل يشعر و كأنهم على صفيح ساخن الكل متحفز كان يوسف يشعر أن كل فرد من أفراد العائلة يبتسم فى وجه الأخر و لكن خلف ظهره يمسك بسكين حاد جاهز أن يطعن بها من يخالفه فى الرآى
لكنه و رغم كل ذلك لا يستطع أن يمنع نفسه من الأبتسام كلما تذكر نومه هو وغسان أمام باب غرفة حلم مثل الشحاذين بسبب غضب زوجاتهم منهم و أعتراضهم اللذيذ على ما قام به أخيهم
غابت حلم عن طاولة الطعام ليس هربًا و لا حزنًا و لكنها أرادت أن تتناول وجبة الإفطار مع جدها خاصة بعد تركهم له طوال يوم أمس
كانت رقيه تنظر إلى غسان بضيق خاصة و هو كل دقيقة و أخرى يهمس فى أُذن نوار بشىء ما فتبتسم بخجل
ثم يعود و يقول شىء آخر فتقطب جبينها فلم تشعر بالضيق بمفردها فقالت بأبتسامة صفراء
- مقولتليش يا غسان أمتى بقا هتروح أنت و مراتك للدكتور أو تخلي عائشة تكشف على نوار
توترت ملامح نوار لكن غسان نظر إلى أمه بغضب مكتوم و قال ببعض البرود
- و مين قالك إننا مرحناش و مين قالك أن العيب من نوار
كانت رقيه تستمع إليه و الغضب بداخلها يتصاعد و يزداد و مع آخر كلماته ضربت الطاولة بيديها و هى تقول
- أحترم نفسك يا ولد و أنت بتكلمني و لا هى مقوياك عليا و علشان خاطر أختها هتقلل إحترام قدامي
ليقف غسان بصمت شديد ينظر إلى أمه بهدوء يصل حد البرود أمام نظرات يوسف المراقبة و مصطفي المتحفزة و دموع نوار التى سالت فوق وجنتيها بغزاره و عائشة التي تنتظر رد فعل غسان فى محاوله لفهم كل تلك التناقضات التى تتكون منها شخصيته
- مراتي عمرها ما قللت إحترام معاكي و عمرها ما قالت أو عملت حاجة غلط ... و موضوع حلم و راغب خلص خلاص و إبنك أتجوز ... نوار زعلانه أو فرحانه صعبان عليها أختها أو لأ ... كل ده جواها هى و بتتعامل مع الجميع بأحترام ... و في المقابل لازم الكل يتعامل معاها بنفس الأحترام و غير كده مش هقبل يا أمي
كان الغضب واضح بشده على ملامح رقيه التي لم تستطع السيطرة على نفسها خاصة و كلمات إبنها الكبير تقلل منها و تضعها أمام مرآة حقيقتها
- طيب يا غسان أسمع آخر كلام عندي ... خلال شهرين لو مراتك مبقتش حامل هجوزك
و تحركت تغادر طاولة الطعام وقبل أن تضع قدمها على أول درجات السلم وصلها صوت غسان يقول
- و أنتِ لو فضلتي بنفس طريقتك يا أمي بعد شهرين أنا و مراتي هنسيب البيت
ألتفتت تنظر إليه بغضب ليقترب خطوة واحدة جعلت نوار تقف خلفه مباشرة و أكمل قائلاً
- و أنا متجوز يا أمي و عمر ما هيكون ليا زوجة تانية غير نوار
و لم ينتظر أن يستمع إلى أى كلمة أخرى ألتفت إلى نوار يمسح دموعها و قبل رأسها كنوع من الإعتذار و ليس فقط إعتذار عن كلمات والدته و لكن إعتذار عن خطئه الكبير و ذنبه الذي لم يغتفر يوماً
زاد الشك داخل عائشة من موقف غسان و غضبها أيضاً و كان يوسف يشعر بالحيره
أما مصطفي فكان يرى أمامه نتيجة أفعاله هو و والده و أخيه مستسلم تمامًا لذلك الثمن الذي سيدفعه هو و أولاده
و كانت رقيه تنظر إلى نوار بغضب شديد ... و لو كانت النظرات تقتل لسقطت نوار أرضًا فاقده للحياة و ظل الأمر متوقف لعدة لحظات لتعود رقيه تصعد درجات السلم إلى غرفتها مباشرة و شيطانها يلعب بعقلها و يرسم لها الكثير من الخطط المدمرة
~~~~~~~~~~~~~~
- يلا يا جدي لازم تاكل .
كانت تحاول إطعامه من أكثر من عشر دقائق و هو لا يستجيب لها عيونه ثابته عليها ... يحاول أن يعتذر منها بتلك النظرات التى تغلفها الدموع و هى كانت ترى كل ذلك و تشعر به خاصة محاولته المستميته فى تحرك أصابع يديه
لكنها و دون إيراده منها تجاهلت كل ذلك و بداخلها إحساس بالبرود و كأن من يجلس أمامها ليس بجدها أنه شخص غريب لا تعرفه لم تشعر بالشفقة فهل شعر هو يوماً بالشفقة عليها فليجرب الأن
بدأت تتحدث بما يؤلم قلبها دون أن تهتم بتلك الدموع التى تغرق وجهه مع كلماتها
- راغب أتجوز يا جدي ... راغب إللى كنت بتدافع عنه ... علشان تعرف أن كل الرجاله أنانيه ... انت عارف مش هقول أنه خاين .. عارف ليه ؟
صمتت لثواني و هى تأخذ أنفاسها بغضب و عيونها تنظر فى كل الأتجاهات يظهر بها الألم و جرح عميق واضح للجميع لكنهم تحولوا إلى صخور بقلوب حجريه لا أحد يشعر أو يرى ثم نظرت إليه و قالت
- هو أتجوز ... كان بيقول أنه بيحبني بس مستحملنيش ... قالي هدوقك جحيم فراقي و هتعيشي بألم في سقر عشقي ... هو محبش بجد و قلبه ميعرفش معنى الحب ... هو لو حبني كان ساعدني حتى لو مكناش لبعض حتى لو أنا كنت ببعدوا عني حتى لو جرحته ... أنت عارف ؟!
أحتدت نظراتها إلى جدها و الغضب يتضاعف و أكملت
- أنت عارف هو عمل أيه ؟ هو بس أتألم لمره واحدة فى حياته أتوجع و مقدرش يستحمل الوجع كام يوم حب يوجعني و يزود جروحي جرح جديد ... طيب .. طيب هو مفكرش للحظة فى وجعي أنا طول السنين إللى فاتت ولا الخوف إللى عايشة فيه عمري كله ... هو أناني أوى يا جدي أناني و ضعيف و أنا بكرهه ... و بكرهك و بكره إبنك إللى قتل أمي و قتلني أنا بكرهكم كلكم كلكم
قالت كلماتها الأخيرة بصوت عالي رغم أنه لم يغادر جدران الغرفة إلا أنها شعرت بصرختها تشقق جدران ذلك البيت الذي عاش جدها طوال عمره يحاول أن يحافظ عليه و هو فى الأساس بناء ضعيف ليس له أساس قوي ظلت تنظر إلى جدها الممتد أمامها بلا حول و لا قوة وتتذكر يوم وقف أمامها بكل قوته و جبروته يخبرها أنه لن يقتص لأمها و سوف يترك القاتل حر طليق كانت نظراتها الكارهّ عقاب لم يتحمله قلبه الذي يأن بألم و هى لم تهتم لن تشفق على أحد فلم يشفق عليها أحد يومًا
و لن تفكر فى أحد غير نفسها و أخواتها ستكون كما الجميع أنانيه و من الأن سيدفع الجميع الثمن

سقر عشقي (( جحيم الفراق )) بقلمى ساره مجدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن