الفصل الحادي والعشرون من ونس
غادر أديم غرفة نرمين ليجد سالي تقف أمامه كادت أن تطرق الباب .. ظل أديم ينظر إلى أخته ثم قال بحب يحمل الكثير من الأسف
-ممكن نقعد نتكلم شوية أنا وأنتِ
أومأت سالي بنعم مع أبتسامة رقيقة وهي تشير له أن يسير معها .. ليحاوط كتفها وهو يقول
-تعرفي أنك وحشاني أوي
نظرت له بعدم تصديق .. ليقول بأسف
-عارف أني مقصر معاكي
لتريح رأسها على كتفه وهي تقول
-نرمين كويسة أنا كنت عايزة أطمن عليها .. قبل ما تطلع أوضتها كان شكلها غريب؟
ليقبل أعلى رأسها وقال موضحًا
-نرمين جالها عريس .. وعلشان كده متلغبطة .. وحبت تقعد لوحدها علشان تفكر
أبتسمت بسعادة.. لكنها قالت بشك
-طيب وطارق
فتح باب الغرفة ودلفوا وهو يقول
-ده موضوع يطول شرحه .. خليني أطمن عليكي أنتِ الأول .. وبعدين أحكيلك كل حاجة
جلست على الأريكة وجلس بجانبها ليقول مباشرة
-قوليلي بقى أخبارك أيه؟ والواد حاتم عامل معاكي أيه؟ قوليلي لو مزعلك أجيبه
لتقاطعه وهي تقول
-حاتم مفيش منه .. أنا إللي كنت مزعلاه .. ولولا عقله وقلبه الكبير إللي بيحبني هو إللي رجعني لعقلي وأنقذ علاقتنا من الضياع والفشل
شعر بالقلق وظهر على ملامحه .. لتقول حتى تطمئنه
-أطمن أحنا كويسين أوي .. حتى أني بعيش أجمل أيام حياتي معاه .. أتغيرت وبقيت أشوف الدنيا بشكل مختلف .. وأكيد أنت لاحظت التغير الواضح في مواقفي وأسلوبي
أومأ بنعم لتكمل كلماتها
-أنا كنت لعبه في إيد مامي .. كنت بحكم على كل حاجة بسطحيه وميهمنيش الا المظاهر وبس .. لكن حاتم قدر يخليني أفهم أن كل حاجه ليها أكثر من شكل وأني مينفعش أحكم على حاجة من وجهة نظري بس .. كمان عرفت أن الحب أعمق وأكبر كتير من كل المظاهر الكذابه إللي بيعملها الولاد للبنات علشان يكسبوا قلوبهم بالكلام المعسول مش هو ده الحب .. الحب الحقيقي إنك تقبل شريكك بكل عيوبه قبل مميزاته .. إنك تحفظ تفاصيله .. بيحب أيه .. بيكره أيه .. بيخاف من أيه .. بيطمن أمتى .. أنك تحس جمبه بالأمان والراحه وأنك جوه بيتك .. هو ده الحب يا أبيه
يستمع إلى كلماتها وهو يتذكر أحساسه مع ونس .. ذلك الشعور الذي كان يتمناه .. ويحلم به .. ولم يجده مع أحد سواها لكنها وبكل قسوة جرحت قلبه .. شوهت أحساسه وألمت روحه .. حاول الخروج من أفكارة وأبتسم أبتسامة صغيرة وقال بسعادة
-الحمدلله أنك فهمتي .. حاتم راجل مميز .. عمري ما كنت هطمن عليكي مع حد غيره .. راجل من كل قلبه بيحبك .. ومستعد يعمل كل حاجة علشان خاطرك .. حافظي عليه يا سالي .. وحافظي على حبكم وحياتكم
أومأت بنعم وهي تقول بتأكيد
-أنا مقدرش أعيش من غير حاتم .. متقلقش
كان يستمع لحديثهم منذ البدايه .. وكم أسعده كلماتها التي خرجت من قلبها بصدق .. ليطرق بقوة على الباب وقال بأبتسامة مرحه
-خيانه مراتي وأخوها في أوضتي وعلى سريري
ليضحكا سويا وهي تقول مشاركه في المرح
-أيوه .. لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
ليضمها حاتم بقوة وقبل رأسها بحنان قائلاً يكمل كلماتها
-حتى يراق على جوانبه دمي
لتضمه بقوة وهي تقول
-بعد الشر عنك
ليلوي أديم شفتيه بمتعاض قائلاً وهو يغادر
-قرف .. ايه المحُن ده
ليضحكوا جميعاً .. حين نظر إليهم بتقزز وغادر الغرفة .. ليقبلها حاتم من جديد .. وهو يهمس لها بكلمات العشق والغزل .. لتقول من جديد
-جبت الفول
-بالليل هنتعشى منه .. وعاملك مفجأة
أجابها بهمس أيضًا وكأنهم يتحدثون عن ممنوعات .. وليس طعام عادي وبسيط .. لتصفق بسعادة وهي تقول
-ربنا يخليك ليا يارب
.............................
قرر أديم الذهاب إلى المؤسسة أولا .. وفي المساء يتحدث مع شاهيناز في أمر فيصل .. حتى يكون ترك وقت كافي لنرمين تفكر جيداً
حين وصل إلى هناك شعر ببعض القلق الواضح على وجه السكرتيرة التي قالت وهي تشير لغرفة مكتبه
-في ظابط مستني حضرتك جوه
أومأ أديم بنعم وهو يتحرك في إتجاه غرفته بثبات لكنه كان يفكر في سبب تلك الزيارة .. أغلق الباب خلفه وهو يقول بترحيب
-أهلاً وسهلاً حضرة الظابط
ليقف همام ينظر إلى أديم وبادله التحية وهو يقول
-أهلاً بيك أديم باشا .. أسف على الزيارة الغير متوقعه .. وآسف كمان على أني أصريت أستناك هنا في مكتبك.
أبتسم أديم وهو يجلس على الكرسي الخاص به خلف مكتبه وقال
-مفيش داعي للأعتذار همام باشا .. حضرتك تشرف المؤسسة في أي وقت
جلس همام واضعاً قدم فوق الأخرى وهو يتأمل أديم عن قرب أن هيئته مميزة وله هيبه طبيعيه دون أدعاء .. صحيح يبدوا أقرب إلى النفس غير إحساسه به حين شاهدة في المؤتمر الصحفي .. وذلك جعله يقول
-أنا جاي هنا بخصوص البلاغ إللي أنت قدمته .. في الحقيقة في شوية تفاصيل عايز أعرفها منك بوضوح وبالتفصيل
ليؤمئ أديم بنعم .. ليقول همام من جديد
-حضرتك تفتكر الصحفية مختفيه فين؟
قطب أديم بين حاجبية وقال ببعض الأستخفاف
-أعتقد أنا آخر واحد ممكن يتسأل السؤال ده
-صحيح لكن قولت ممكن يكون عندك خلفية بما إنها فضلت شغاله عندك لفترة
وضح همام وجهة نظره ليقول اديم ببعض الأسترسال
-هي مشتغلتش مده طويلة .. هي أفتكرت أنها خلصت مهمتها ومشيت .. ومشفتهاش من وقتها وكل إللي كانت بتقوله أنها عايشة مع والدتها وأخواتها بس طبعاً ده كله ممكن يكون كذب
هز همام رأسة بنعم ثم قال
-مدير الجريدة قال إن كان هناك أدله تثبت كل كلمة قالوها في المقال الصحفي
-تمام يظهر الأدله دي ونشوف
قال أديم كلماته بهدوء شديد لكن بقوه أيضًا أظهرت ثباته .. غادر مقعده ودار حول المكتب وجلس على الكرسي المواجه لهمام وقال
-أنا معنديش حاجة أخاف منها .. وإللي عنده أي حاجة تديني يواجهني بيها .. مؤسسة الصواف ليها أسمها وسمعتها ووزنها في السوق من زمان .. مش لسه جديدة .. وبالنسبة للكلام إللي يخص النسب ده شيء ميخصش حد أبداً ويعتبر تشهير واضح وصريح
أبتسم همام أبتسامة وقوره قائلاً بمرح
-حضرتك طبعاً معاك حق لكن للأسف في الزمن إللي أحنا فيه ده كل شيء بقى مشاع .. السوشيال ميديا خلت حياتنا كلها على الملئ .. والترند لحس مخ الناس .. حتى لو بالفضايح والتشهير
أنزل قدمة ثم وقف وأكمل قائلاً
-أنا كنت محتاج أتكلم معاك وش لوش .. وده فادني جداً .. وان شاء الله نلاقي الصحفية .. ونرجع لكل واحد حقه.
أبتسم أديم ووقف حتى يودع همام .. لكن أوقفهم طرقات على الباب ودخول كاميليا وهي تقول بخوف
-ألحقني يا أديم
أقترب منها أديم سريعاً وقال بقلق
-مالك يا كاميليا أيه إللي حصل
لتنتبه لوجود همام فحركت عيونها بينه وبين أديم ليستعيد أديم هدوئه وقال معرفاً
-حضرة الظابط همام إللي ماسك القضية
ثم أشار على كاميليا وقال
-الآنسة كاميليا الصواف بنت عمي
حياها همام بأبتسامة صغيرة ثم مد يده لأديم وقال
-فرصة سعيدة جداً يا باشمهندس أديم سعيد أني قابلتك
ليمد أديم يدية يحيه وقال بصدق
-أنا أسعد ... شرفت
ليغادر همام المكتب لكنه نسي قلبه بالداخل .. حين دلفت كاميليا إلى الغرفة بعيون خائفة لمست قلبه .. وشعر بحمئه رجولية تريد أن تضمها إلى صدره تطمئنها وتحميها ... يريد أن يعرف ما سبب هذا الخوف
لكنه أخذ نفس عميق عله يهدء من إحساسه ورغبته القوية في العوده إلى الداخل ومعرفة ما يحدث
~~~~~~~~~~~~~~
-في أيه يا كاميليا؟!
-طارق
كلمه واحدة كفيله تجيب على كل التساؤلات التي تدور في رأسه ... لكنه قال بهدوء قدر إستطاعته
-عمل إيه؟! هو عرف يوصلك؟!
هزت رأسها بلا وقالت وهي تتوجه إلى أقرب كرسي والذي كان يجلس عليه همام منذ قليل وقالت بصوت باكي مرتعش
-أتصل بيا وقعد يزعق ويهدد .. وفي آخر المكالمة قالي لو مرجعتيش القصر النهاردة هقتلك وهقتل أديم بتاعك إللي أنتِ متحامية فيه وإللي عامل حامي الحما.
جلس أديم على الكرسي المواجه لها وقال بأبتسامة
-طارق جبان ومش هيقدر يعمل حاجة
ثم رفع سماع الهاتف وقال بصرامة
-طارق باشا وصل ولا لسه
صمت يستمع إلى رد السكرتيرة ثم قال
-طيب تمام ... أول ما يوصل عرفوني
أغلق الهاتف ونظر إلى كاميليا وقال بصوت هادىء حتى يطمئنها
-هتنزلي دلوقتي تروحي شغلك ومنه على البيت وأنا هوصي فيصل عليكي .. ما هو مش هيبقى غريب خلاص
ظهر الإندهاش وعدم الفهم على ملامحها ليقول بابتسامة واسعه
-فيصل طلب إيد نرمين النهاردة .. بس لسه مفتحناش الموضوع مع شاهيناز هانم
لتتسع إبتسامتها وهي تقول بسعادة
-الله بجد الأتنين يستاهلوا كل خير ... وبجد لايقين على بعض جداً ... ربنا يتمم لهم بخير
ليقف أديم وهو يقول
-عقبالك أنتِ كمان .. علشان أبقى مطمن عليكي.
ظهر الحزن على ملامحها لكنها قالت بابتسامة صغيرة
-ان شاء الله ... الحق أروح أنا قبل ما طارق يوصل
حين غادرت ظل أديم واقف خلف الباب والغضب يرتسم على ملامحه وهو يقول
-لازم أحطلك حد يا طارق ... لازم
~~~~~~~~~~~~~
مر اليوم وطارق لم يظهر وذلك أقلق أديم بشدة
ف حركات طارق الهوجاء تطمئنه لكن ذلك الصمت والإختفاء يجعله يشعر أن طارق يدبر شيء ما ولن يكون سهلًا أبداً
أخذ مفاتيح سيارته وهاتفه وغادر الشركة مقرراً الذهاب إلى الشقة أولاً حتى يرى ونس هينزل ثم يعود إلى القصر ويواجه شاهيناز بطلب فيصل
وصل إلى البنايه ليقابل الحارس الذي قال له ببعض الخوف
-كويس إنك جيت يا بيه ... الشقة بتاعه حضرتك فيها حاجات غريبة .. أنا كنت بحاول أتصل بيك طول اليوم بس حضرتك مردتش عليا .. وكنت خلاص هتصل بالبوليس
لتجحظ عيون أديم وهو يستمع لكلمات عبد الصمت وقال سريعًا
-بوليس ليه إيه إللي حصل
-النور يا بيه أشتغل لوحده ... وفي صوت حركة جوه أنا خوفت ليكون في حرامي ولا حاجة ... ولا يكون اللهم أما أحفظنا الشقة بقت مسكونه أو البت أللي جات أشتغلت فيها دي عملتلك عمل ولا حاجة
أجابه عبدالصمد بصوت مرتعش وكان مع كل كلمه يرتفع حاجب أديم بصدمة
تركه وتحرك ليركض خلفه عبدالصمد وهو يقول
-أطلع معاك يا بيه؟!
-لأ
أجابه أديم دون أن يتوقف أو ينظر إليه ... ليقول عبدالصمد من جديد
-خطر تطلع لوحدك يا بيه ... لو في حرامي أو لو الشقة ملبوسة
وقف أديم مكانه ينظر إلى الرجل بصدمة وهو يردد بعدم تصديق
-ملبوسة
أخذ نفس عميق وأخرجه بقوة ... ثم قال
-الشقة مش ملبوسة زرار النور عندي معلق علشان كده ممكن يشغل النور لوحده أو يطفيه فهمت
ظل عبدالصمد واقف مكانه وفمه مفتوح بعدم فهم ليتركه أديم ودلف إلى المصعد
يوبخ نفسه على نسيانه لفكرة الإضاءة والجيران وعبدالصمد .. لكنه سيجد الحل أكيد
وقف أمام باب الشقه لعدة ثوانِ ... و طرقه عدة طرقات خافته ثم فتح الباب بمفتاحه
وحين دخل وجد الصاله فارغه ولم يسمع أي صوت ... أغلق الباب خلفه وخطى إلى الداخل ... يبحث عنها ... لم يجدها في المطبخ وغرفة المكتب مغلقة ... توجه إلى ممر الغرف وطرق باب الغرفة التي كانت لنرمين لم يتلقى رد ففتح الباب ولكنه وجدها فارغه
مر من أمام الحمام ليجد بابه موارب ومظلم أنها ليست بالداخل
لم يتبقى سوا غرفته ... بخطوات ثابته أقترب من غرفة نومه وفتح الباب بهدوء
ليقف مكانه مشدوه من ذلك المنظر ... كانت نائمة في منتصف سريره ... وفوقها الشرشف شعرها الغجري مبعثر حول وجهها يعطي لهيئتها إغراء من نوع خاص ولكن ما أدهشه هو ما تضم بين ذراعيها وتريح رأسها فوقة ... أنها ثيابه الذي أبدلها آخر مرة قبل أن يغادر البيت بعد إكتشافه لما فعلته .... وليس هذا فقط ... أن صورته أيضًا تتوسد الوسادة بجانبها ... أقترب بخطوات هادئة من السرير ليصدم بخط الدموع الحي الذي يسيل فوق وجنتها
ظل يتأمل ملامحها الذي يعشقها بجنون وعقله يلوم قلبه الذي مازال يحن لها ويشفق عليها ... والأكثر من ذلك أنها مازالت تأثر على روحه التي تهفوا لوصالها ....
ظل يتأملها لعدة دقائق ... يحاول أن يروي عطش روحه لها دون أن تشعر به أو تراه ... لا يريد أن يخسر كبريائه أمامها ... هو ورغم حبه لها الذي وللأسف لم يتأثر بما فعلت إلا أنه لن يستطيع أن يكون معها أبداً أبداً
شعر بتململها فغادر سريعًا وجلس ف الصاله يحاول لملمة شتات نفسه قبل أن تخرح إليه
~~~~~~~~~~~~~
فتحت عيونها بتثاقل ... فكلما غفت حلمت به ينظر إليها بكره كبير ... ولم تتوقف دموعها بسبب ذلك حتى أنها تشعر بدوار حاد ... فمنذ ما حدث في الجريدة هي لم تأكل شيء ضمت ملابسه إلى صدرها وأستنشقت عبيرة المميز ... وعيونها تناظر صورته من خلف غيمة دموعها ثم تركت كل شيء في مكانه وقررت أن تذهب إلى المطبخ تأكل أي شيء حتى تستطيع الصمود والتفكير بشكل عقلاني
وبخطوات مترنحه سارت في الممر .. حتى نهايته ومرت في الصالة دون أن تنتبه لوجوده .... كان يتابعها بقلق
ليقف بلهفه حين أصطدمت بباب المطبخ وسقطت أرضًا تتأوه بألم
ليقترب منها وهو يقول
-مش تركزي
نظرت إليه بصدمة وهي تقول بضعف
-أنت هنا فعلاً ... ولا أنا لسه بحلم
لم يعلق على كلماتها وساعدها في النهوض ... لتسير معه بهدوء والرؤية مشوشة بالكامل ... ليقول هو
-أنتِ تعبانه؟!
أومأت بنعم وصوتها يكاد يصل لأذنه
-مأكلتش حاجة من ساعه إللي حصل
ليرفع حاجبه بصدمة وأجلسها على الأريكة وقال بهدوء يصل حد البرود عكس تمامًا من يشعر به من ألم في قلبه
-أقعدي وأنا هجبلك حاجة تكليها ... ولا أنتِ عاملة حسابك تموتي هنا علشان تجبيلي مصيبه
نظرت له بانكسار ... ليزداد ألم قلبه لكنه غادر من أمامها سريعاً ... لتنحدر دموعها وهي تهمس لنفسها
-تستاهلي يا ونس تستاهلي
يقف في منتصف المطبخ وضع يديه على خصره ويحاول التنفس بانتظام حتى يهدء من ضربات قلبه السريعة ألماً عليها وعلى تلك النظرة التي ذبحته ... لكن ليس بيده شيء ... هي من حطمت تمثال الحب ... وهي من أختارت ذلك الطريق
نفخ الهواء من صدره وبدء في تحضير شيء خفيف لها ... وخرج بين يدية صحن من الشطائر وكوب عصير
ووضعهم أمامها بصمت وجلس على الكرسي الجانبي
ظلت تنظر إليه لعدة ثوانِ ثم إلى الصحن والعصير والدموع تتجمع في عيونها لكنها بصمت أيضًا أخذت الصحن وبدأت في الأكل .. كان من يراه يظنه ينظر إلى هاتفه لكنه كان يتابعها هي .. يدها التي تمسك الشطيرة ... فمها الصغير الذي يلوك الطعام وكم يبدوا شهياً أمام عينيه ... لكنه ورغم صدره الذي كان يرتفع وينخفض بقوة إلا أن وجهه خالي من أي تعبير
مرت عدة دقائق على نفس الوضع ... لتقطعه وهي تقول
-أنا هروح أسلم نفسي
نظر إليها بعيون غاضبة لكنه لم يظهر ذلك الغضب على ملامح وجهه وقال بهدوء
-أيه إللي غير رأيك؟ مش كنتي خايفة يتقبض عليكي؟!
أومأت بنعم وهي تكمل كلماتها موضحه
-عايزة أكفر عن غلطي في حقك .. لو سجني هيردلك حقك أنا موافقه
من داخله يشعر بالسعادة أنها تفكر فيه ... لكنه قال ببرود
-الحكايه مش بس سجن ... ده فيه كمان غرامة مادية وأنا المحامين بتوعي مش هيطلبوا أقل من مليون
أخفضت رأسها وهي تقول
-ما أنا بتكلم عن الحبس بس علشان أنا مش معايا فلوس الغرامة دي وهيبقى يا الدفع يا الحبس
أومأ بنعم رغم أن بداخله نار تحترق بمجرد تخيلها داخل الأسوار الحديدة بين القتلة واللصوص وفتيات الليل ... ليأخذ نفس عميق وهو يغادر المقعد ويقف أمامها لا يفصل بينهم سوا تلك الطاوله الصغيرة وقال
-أعملي إللي أنتِ عايزاه يا ونس .. لكن لازم تعرفي حاجة مهمه جداً .. أنا مش هوايتي أذية الناس ولا إني أشوف ألامهم ووجعهم ده إللي بيفرح قلبي ... قرارك ده بتاعك .. والبيت هنا مفتوح أهو مقفلش بابه في وشك
وتحرك في إتجاه الباب لكنه وقبل أن يفتحه
-الأضواء إللي شغاله دلوقتي متطفيهاش علشان الناس متلحظش وجود حد في الشقة وأنا مش فيها ... عبدالصمد كان هيبلغ البوليس أصله فاكر أن الشقة مسكون
وفتح الباب وخرج ظلت تنظر إلى الباب بالدموع .. هو لم يشجعها ولا ينهاها عن تنفيذ فكرتها ... هو لم يتمسك بها ولم يظهر أنه قد باعها
لكن من الواضح أنه قد زهدها
وذلك ألمها أكثر لتعود إلى البكاء من جديد وهي تقول لنفسها بتوبيخ
-من أمتى وأنتِ ضعيفة كدة؟ ... من أمتى وأنتِ سلاحك بس الدموع والأستسلام؟ ... من أمتى يا ونس؟ من أمتى؟
وكان هو يقف خلف الباب يشعر بالأختناق كل ما يحدث حوله حقًا يجعله يشعر أن روحه تختنق
لكنه غادر سريعًا حين وصله صوت بكائها وهمهمات لم يفهم منها شيء ... لكن قلبه يؤلمه
خرج من المصعد وكأن عفاريت العالم تطارده .. ليتأكد عبد الصمد أن الشقه الأن مسكونه ... ليغلق الأغنيه التي لا يتوقف عن أستماعها للست وأدار محول الراديو على إذاعة القرآن الكريم وهو يقول
-السماح يا أهل السماح لا تأذوني ولا أذيكم
~~~~~~~~~~~~~~~~~
إنتهى من عمله وغادر مكتبه متوجهًا إلى مكتبها ... طرق على الباب برفق ثم فتح الباب حين سمع صوتها يسمح له بالدخول وحين تقابلت عيونهم قال
-أنا خلصت ... خلصتي علشان أوصلك ولا لسه عندك شغل
لتقول بابتسامة شاكرة
-هو أديم كلمك؟!
أومأ بنعم وقال بصدق
-متقلقيش أنا جمبك .. وأصلاً بيتي قريب من بيتك جدًا ... لو حصل أي حاجة مجرد رنه منك خلال دقيقة هكون عندك
لتحمل حقيبتها وهي تغادر مقعدها خلف المكتب وقالت بمحبه
-نرمين محظوظة بيك بجد ربنا يوفقكم
ليقول بابتسامة عاشقة
-أدعيلي توافق عليا.
سارت بجواره وهي تقول بمرح
-وهي هتلاقي زيك فين ... ولو هي موافقتش هشوفلك ست ستها
-هي ست الستات وست البنات وست قلبي وروحي
قال بحب حقيقي لتضحك بصوت عالي وهي تقول
-ده أنت واقع واقع يعني ... يلا يا عم يارب توافق علشان نرحم عذاب قلبك
ثم قربت وجهها من وجهه قليلاً وقالت بهمس
-هكلمها ليك علشان ترحم عذاب قلبك
ليضحك وهو يقول
-يبقى جميل ونرده في الأفراح ان شاء الله
أرتسمت إبتسامة رقيقة على ملامحها وكل منهم يصعد إلى سيارته حتى يعودوا إلى بيوتهم
وقبل أن تغادر السيارة وجدت إسمه ينير شاشة هاتفها فأجابته وهي تنظر لإنعكاس صورة سيارته في المرآة
-أيوه يا فيصل
-خليني معاكي على الفون لحد ما تطلعي الشقه علشان أبقى مطمن عليكي
أتسعت إبتسامتها وإحساس الأمان الذي أصبح يحاوطها إذا كان من أديم الذي يهتم بها بصدق ... وفيصل الذي لا يعرفها سوا من أيام فقط لكنه رجل حقيقي ونرمين محظوظة بحبه
غادرت السيارة وصعدت إلى شقتها وهو كان يحدثها كل عدة ثوانِ ليعرف إلى أين وصلت ... وحين دلفت إلى الشقه أغلقت الباب و قالت بمرح
-وصلت بسلام والشقة خالية سيدي الضابط
ليضحك فيصل بصوت عالي وهو يقول
-تمت المهمه بنجاح ... أروح أنام بقى ... ده لو عرفت
صمت لثوانِ ثم قال
-كاميليا إدعيلي نرمين توافق
لتضحك وهي تقول
-صحيح الحب بهدله ... بس علشان أنت جدع معايا أنا كمان هبقى جدعة وهكلمها دلوقتي ... وأجس نبضها وهتصل بيك أطمنك
شكرها كثيراً ثم تحرك بسيارته وهو يدعوا الله أن يرزقه بها
أغلقت الهاتف الإبتسامة تزين وجهها بصدق ومحبه ... ولكنها لم تترك الهاتف بل إتصلت بنرمين حتى تنفذ وعدها
~~~~~~~~~~~~~~~~~
ظل جالس داخل السيارة ينظر إلى نافذة الشقة يريد أن يعود إليها يضمها إلى صدره بحنان ... يضربها بقوه حتى يخرج كل الغضب بداخل صدره
وكان هناك من يراقب كل شيء ينتظر رحيله حتى يكتشف السر .. ويصبح لديه بدل السر الواحد إثنان وبدل الضربه إثنان وبذلك يضمن نهاية أديم الصواف
أنت تقرأ
سقر عشقي (( جحيم الفراق )) بقلمى ساره مجدى
Romanceثلاث قصص منفصله لكل قصه منها احداثها و ابطالها هنا العشق ليس الجنه الذى يحلم بها كل انسان ... العشق هنا عذاب و دموع .. ذنب كبير هل سيكفر عنه صاحبه ... ام سيعيش عمره باكمله يدفع ثمنه .... هل سيجد ابطالنا الجنه ام سيظل جحيم الفراق قدرهم