الفصل الثانى عشر (( حلم ))

3.1K 134 3
                                    

الفصل الثاني عشر

وقفت عائشه امام النافذه الكبيره تنظر الى ذلك الظلام بالخارج و الذي يبتلع بداخله البلده كامله فى ليله لا قمر لها ليله تشاركهم احزانهم .... تكاد تجزم ان تلك الليله من اسوء الليالي التي مرت على تلك العائله ... من ضمن سلسله ليالي سيئه منذ وفاه والدتها و كل ما حدث بعدها و الم العائله ايامهم السعيده تكاد تعد على اصابع اليد الواحده .... لكن اليوم .... اليوم جدار قوي فى المنزل قد هدم
اليوم حدث شرخ قوي فى علاقتهم بزوجه عمهم و خاصه حلم ... هى تقدر موقف حماتها و ايضا تتفهم خوف و مشكله اختها لكنها لا تستطيع ايجاد حل وسط يريح الجميع و للاسف ليس بيد احد هذا الحل
اخذت نفس عميق و هى تتذكر كل ما حدث
هى لاتستطيع ان تلوم حلم على ما بدر منها رغم رفضها التام له .... الا ان ما حدث لا يصح بأي شكل
الاهانه التى وجهتها لراغب كبيره و قاسمه ... لن يتحملها هو و لن يقبلها والديه و اخوته
ترجوا من الله ان لا يأثر ذلك على علاقاتها بيوسف و ايضا الا تتأثر علاقه نوار و غسان
نوار هم اخر و سر كبير ... انها قلقه من اجلها و تشعر ان هناك امر جلل حدث بينها و بين زوجها لا احد يعرفه
اخذت نفس عميق و هى تفكر بضيق ... ان اختها ترفض و بشكل قاطع ان تكشف عليها حتى تطمئنها على نفسها و قدرتها على الانجاب
جميع سيدات البلده يأتون اليها لكن اختها ترفض و تذهب لاطباء اخرين
لولا تأكدها من حب اختها لها لفكرت ان اختها تراها طبيبه فاشله ... او ذهب تفكيرها لابعد من ذلك
التفتت تنظر الى باب الغرفه و هى تفكر فى حال اختيها ثم قالت بصوت هامس يحمل الكثير من القلق
- يا ترى يا حلم حالتك ايه دلوقتي
ثم نظرت الى السماء من جديد و هى تفكر ايضا فى راغب و كيف حاله الان
و ماذا سيكون رد فعله .... و تدعوا الله ان يمر هذا الامر على خير
~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتكىء يوسف و غسان على السياره ينظرون الى ظهر اخيهم الذي يقف بعيد عنهم بعده امتار صامت
بعد مجهود كبير فى محاوله اللحاق به و هو يقود سيارته بسرعه كبيره و جنونيه ... و بعد ان كانت الدماء تكاد تجف فى عروقهم من شده الخوف عليه
ليتوقف أخيرآ عند تلك الصخره الكبيره العاليه التى تطل على البلده باكملها
تلك الصخره على شكل جبل كبير يصعد اليه الشباب من حين لاخر للاستمتاع بالمنظر المهيب للبلده و كل ما بها يبدوا صغير الحجم
ترجل من السياره دون ان يهتم بغلق بابها و اقترب من الحافه بشكل خطر و وقف مكانه ينظر الى الاسفل بصمت
لم يتحدث و لم يجب على كلماتهم حين اقتربوا منه لم يجدوا حلا سوا تركه بمفرده خاصه و هو فى تلك الحاله عيونه شديده الحمره شفتيه مزموتين بقوه ذراعيه خلف ظهره يضمهم بقوه حتى ابيضت مفاصله من كثره ضغطه على تلك العلبه الصغيره التي تضم الخاتم
بعد مرور الكثير من الوقت نظر غسان الى يوسف و قال حائرًا و قلقًا
- هنفضل سيبينه كده ؟
لينظر اليه يوسف بحيره اكبر لكنه قال موضحًا
- اللى حصل مش سهل يا غسان ... و انا حاولت انبهه حلم مش طبيعيه و ده كلام الدكتوره النفسيه ... اللى حصل من حلم كان متوقع هو اللى الحب كان بيديله امل كذاب
صمت لثوان ثم اكمل
- نوار و عائشه صحيح اتأذوا من كل اللى حصل لكن حلم كانت مرتبطه بمرات عمى الله يرحمها و شافت اللى حصل كله ده غير انها فضلت طول الليل نايمه جمب امها و هى ميته ... كل ده مش سهل ... حلم من جواها خربان اوى و محتاجه علاج كتير و محدش فينا فكر اصلا انه يعالجها ... كلنا ساكتين طول ما الحياه ماشيه ... مش مهم بقا ماشيه صح و لا غلط
كان غسان يستمع لكلمات اخيه التى تجلده دون ان يشعر ما الفرق بينه و بين عمه الان هو لا يختلف عنه كثيرا هو ايضا ظلم نوار ... هو ايضا يقتل انوثتها و امومتها
- عمك اثر علينا كلنا ... ظلمنا و سايب فينا كلنا حته منه يا خوفي لا نكون شبه فعلا و تكون حلم هى الوحيده الصح
رد غسان عليه و هو سارح فيما قام به بنوار ليشعر يوسف ان اخيه به شىء غريب ليقول له موضحا
- مش لوحدك كلنا سكتنا عن الظلم و كلنا مشتركين فيه يا غسان
لينظر اليه غسان و هو مقطب الجبين و عاد ضميره يلومه و يؤلمه بما قام و ما سيترتب عليه تعاظم احساس يوسف ان اخيه به شىء غير طبيعي لكنه لم يستطع ان يسأله
حين انتبه لحركه راغب و اقترابه اكثر من حافه تلك الصخره الكبيره ليركض اليه و وضع يديه على كتفه يمسكه بقوه لينظر اليه راغب بابتسامه ساخره و قال
- انت فاكرني هرمي نفسي من هنا و لا ايه ؟
ظل يوسف ينظر اليه و خلفه غسان ليكمل راغب كلماته
- انا مش هموت نفسي علشانها ... انا هتجوز و هعيش و هفرح و هفرح امك و ابوك
و بكل ما لديه من قوه رفع يديه و القى بالعلبه الزرقاء فى الهواء لتتهاوى امام عيونهم فى الظلام الى القاع فى الاسفل و قال بحقد
- هى اللى هتموت من القهر هى اللى هتدفع ثمن اللى حصل ... لوحدها
نظر يوسف الى غسان بقلق ليقترب غسان من اخيه و قال بهدوء
- راغب لازم تهدى و بلاش تاخد اى قرارات و انت فى الحاله دى وبعدين
ليقاطعه راغب حين نظر اليه بابتسامه ساخره و قال
- هو الجواز حاجه وحشه يا غسان ... مش انتوا متجوزين و مبسوطين و لا ايه ... انا كمان هعمل زيكم فى حاجه غلط !
عاد الاخوين ينظرون الى بعضهم بعضا بقلق ليكمل راغب كلماته
- و امكم نفسها تفرح بيا و انا ناوى افرحها بصراحه ... و العروسه نقاوه عينها و حياتك
و تحرك سريعا الى سيارته بخطوات قويه تترك اثر قوى فى الارض
قادها بسرعه مشابه لسرعته السابقه تاركا خلفه اخويه يحاولان اللحاق به من جديد
~~~~~~~~~~~~~~~~~
تجلس فى منتصف سريرها تبكى بدون صوت ... و كأنها خسرت صوتها كما خسرت حلمها ... ان تكون ام ... ان يتحقق ذلك الحلم الجميل التى تتمناه منذ عرفت معنى كونها انثى ... منذ طرق الحب بابها و عشقت غسان و تمنت ان تحمل فى احشائها طفل منه يحمل من ملامحه و طباعه الطيبه و حنان قلبه ... يحبها كما يحبه والده و اكثر
خبئت وجهها بيديها و على صوت نحييها من جديد و قلبها يتمزق الى اشلاء تشعر انه اصبح غير صالح للنبض من جديد
و عقلها يدور فى دوائر مغلقه بين وحده دائمه و ان زوجه عمها بعد ما حدث من حلم لن تتهاون معها و سوف تزوجه غيرها ... و هى ابدا لن تتحمل ذلك ستموت قهرًا ماذا تفعل .... وضعت يدها على قلبها و هى تقول بصوت متقطع من كثره البكاء
- يااااااااارب
~~~~~~~~~~~~~~~~
داخل غرفه رقيه و مصطفى كانت رقيه تقف فى الشرفه تنظر الى الباب الكبير للبيت و مكان وقف السيارات بقلق كبير
لا تعلم حاله ابنها رغم انها اتصلت بأخويه اكثر من مره و طمئنوها انه بخير رغم حالته النفسيه السيئه
كان مصطفى الذي يجلس على الاريكه الكبيره فى مواجهه
الشرفه ينظر الى ظهرها و داخله احاسيس مختلفه مختلطه بين
حزن ، غضب ، رفض و ضيق ... و اكثر ما يشعر به هو الذنب و تأنيب الضمير و احساسه انه مشارك فى كل ما يحدث و انه من اسباب حدوثه ايضا
بسبب صمته و موافقته على كل ما حدث و قام به والده عدم وقوفه امام اخيه و منعه من كل تلك الاخطاء و التمادي فيها
يلوم نفسه انه لم يأخذ موقف حازم معه ... يجعله يعود الى رشده و صوابه
حتى لو كان ذلك عكس ايراده والده
اخذ نفس عميق و وقف على قدميه ليقترب منها و استند بذراعيه على سور الشرفه و هو يقول
- تفتكري لسه هندفع تمن سكاتنا على كل اللى حصل و لا خلاص كده
نظرت اليه و عيونها تملئها الدموع رغم نظره التحدي التى ترتسم بوضوح و يراها و كأنها تتحداه ثم قالت
- غلط اخوك انا و ولادى ملناش دعوه بيه يا مصطفى ... و لو حكمت اطلق غسان و نوار و يوسف و عائشه هعمل كده و مش هتأخر
لتجحظ عيناه من الصدمه لكنها لم تهتم به و لصدمته و دلفت الى الغرفه مباشره الى الحمام و اغلقت الباب خلفها بقوه لينظر الى السماء و هو يدعوا الله ان يمر القادم على خير
يكفى ما حدث و تكفى كل تلك الخسائر حتى الان
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
صعد بركات الى غرفته بعد ان غادر الجميع كل فى اتجاه يشعر ان قدميه لا تحملانه ... جسده بأكمله يأن الما ... لا يجد بداخله الطاقه لفعل اى شىء حتى استنشاقه للهواء اصبح صعب و ثقيل ... يعلم انه قد اخطىء و ابني فى حق دلال و بناتها ... و اخطىء فى حق العائله التى تنهار امام عينيه ... واكتشف ان ما قام به لم يحافظ عليها لا كانت اول خطوه فى الانهيار و الضياع الذي سيحدث
حين دلف الى غرفته لم تعد قدماه تحملانه ليسقط ارضا فاقدًا للوعي دون ان يشعر به احد
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
فى عمق ظلام غرفتها و بجانب خزانتها تجلس ارضا فى تلك المساحه الضيقه تضم ساقيها الى صدرها دموعها تغرق وجهها و عيونها جاحظ فى الفراغ عيونها تصور لها كل مشاهد حياتها منذ وعت على تلك الحياه
بكاء والدتها كل ليله و صوتها الذي لا يفارق اذنها ... مشاكلها مع والدها اهانته لها فى كل وقت وحين و التقليل منها ... امام العائله او فيما بينهم
ذكرياتها لمشاهده والدها بين احضان الغانيات كلماته البزيئه لوالدتها و وصفها بأقذر الصفات
و حين قتلها لم يهتم لم يكترس و كانها مجرد حيوان قد قتله بالخطىء و لن يحاسبه احد عليه
و كلمات جدها و صمته على ما حدث و كذلك صمت باقى العائله كان اكبر دليل على ذلك
و حفر داخل عيونها و عقلها مشاهد عوده والدها كل يوم يترنح غير قادر على الوقوف و لو لثوان قليله ثابتًا دون ان يهتم باسم العائله الذى من اجلها ضحى جدها بحياه ووالدتها و حقها
تبكى امان افتقدته تبكى حياه طبيعيه حلمت بها و لم تشعر بها يوما
كما كانت ترى عائلات اصدقائها دائما تجد والدهم يغرق عليهم من حنانه و عطفه يضمهم الى صدره يحميهم بحياته و عمره
حرمها من ان تكون انسانه طبيعية قادره على الحب و العطاء قادره على ان تكُون عائله سويه
شهقت بصوت عالي و هي تغمض عينيها تتذكر كل مواقف راغب معها و حبه لها الواضح دون جدال دعوه الدائم الا مشروط لكنها ابدا لا تستطيع ان تستأمنه على قلبها و حياتها
احنت راسها خبهئها بين ذراعيه واضعه جبينها فوق ركبتيها تبكى بصوت عالي ... تشعر و كانها تكاد تفقد صوتها من علوا صريخها لكنها لا تسمع صوتها و لا يصل الى مسامعها من الاساس لا يغادر حنجرتها
هى تصرخ بداخلها فقط
رفعت راسها تمسح دموعها بظهر يديها و عيونها يرتسم فيها التحدي ... ابدا لن تصرخ بصوت عالي لن يكسرها احد و لن تسمح بذلك ... هى لن تتراجع ابدا ... لن تتزوج يوما ... لن تربط حياتها برجل صُنع و خلق من الغدر و الخيانه لن تنجب اطفال يعانون كما عانت هى لن تتزوج راغب و ليفعل ما يحلو له
~~~~~~~~~~~~
غادروا ذلك المكان يتلفتون حولهم بحذر شديد حتى لا يراهم احد صعدوا الى السياره و غادروا المكان سريعًا
غير منتبهين لكاميرات المراقبه الموجوده فى المكان كنظام امني يخص المنطقه بالكامل

سقر عشقي (( جحيم الفراق )) بقلمى ساره مجدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن